المودّة الأخويّةنحن نعيش في عالم تحوَّل إلى غابة وأصبح الناس البعيدون عن الله متوحشين، أو يمكن القول بأنهم وحوش متأنّسون! في أمريكا باعت أم طفلتها بخمسة دولارات لتشتري حفنة كوكايين، واغتصب السفاح [تيدي] عشر فتيات وقتلهن وأعطى لحمهن للخنازير وحُكم عليه بالإعدام.

ولا أريد أن أزيد على مواجعك - عزيزي القارئ - فأنت تعاني كل يوم من هؤلاء الناس، أقصد الوحوش، كأولئك الذين قال عنهم بولس «حاربت وحوشًا»!
لكن المسيح حينما يَحلّ بالإيمان في القلب يولّد في الإنسان طبيعة إلهية سماوية، تعرب عن محبة صادقة ووداعة جميلة نحو الآخرين، وتُتَوَّج علاقاته بإخوته ومن حوله بفضيلة تُسمّى "المودّة الأخوية".

ما هي المودّة الأخوية؟
هي شعور دافئ صادق، ومحبة مسيحية عملية، تتدفّق من قلب المسيحي تجاه إخوته.
والرسول بطرس يتحدث عن الحياة التقوية الرائعة بالولادة الجديدة، والتي يمكننا أن نحياها من خلال القدرة الإلهية التي قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى (2بطرس 3:1-7)؛ فتظهر ثمار هذه الحياة الجميلة في سُباعية رائعة من الصفات المسيحية، تُتوَّج بالمودة الأخوية.

المودة الأخوية وأهميتها

1- هي تعبير عملي على أننا أولاد الله

فالرسول يوحنا يخاطب أولاد الله: «نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنَا قَدِ انْتَقَلْنَا مِنَ الْمَوْتِ إِلَى الْحَيَاةِ، لأَنَّنَا نُحِبُّ الإِخْوَةَ. مَنْ لاَ يُحِبَّ أَخَاهُ يَبْقَ فِي الْمَوْتِ.» (1يوحنا 14:3) وهذه المحبة ينبغي ألا تكون مجرد محبة كلامية، بل محبة صادقة عملية بالحق؛ لأن من يبغض أخاه فهو قاتل نفس.

2- إثبات عملي لصحة التعليم
"وَأَمَّا الْمَحَبَّةُ الأَخَوِيَّةُ فَلاَ حَاجَةَ لَكُمْ أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ عَنْهَا، لأَنَّكُمْ أَنْفُسَكُمْ مُتَعَلِّمُونَ مِنَ اللهِ أَنْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا." (1تسالونيكي 9:4) الله لم يعلمنا الوعظ أولاً، بل علمنا أن يُحب بعضنا البعض، كما أحبنا المسيح. فهل أنت متعلّم من الله، وأقصد محبتك لإخوتك؟!

3- صورة عملية لمعرفة ربنا يسوع المسيح
"وَفِي الْمَوَدَّةِ الأَخَوِيَّةِ مَحَبَّةً. لأَنَّ هذِهِ إِذَا كَانَتْ فِيكُمْ وَكَثُرَتْ، تُصَيِّرُكُمْ لاَ مُتَكَاسِلِينَ وَلاَ غَيْرَ مُثْمِرِينَ لِمَعْرِفَةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ." (2بطرس 7:1-8)
أحبائي لنراجع أنفسنا في حضرة الرب: هل لنا معرفة كتابية عقلية فقط؟! أم لنا محبة ومودّة أخوية قلبية وعملية أيضًا؟ "وَإِنْ كَانَتْ لِي نُبُوَّةٌ، وَأَعْلَمُ جَمِيعَ الأَسْرَارِ وَكُلَّ عِلْمٍ... وَلكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ، فَلَسْتُ شَيْئًا." (1كورنثوس 2:13)

المودة الأخوية وأشكالها

1. الوجود الفعلي مع إخوتنا في آلامهم
هذا ما فعله التلاميذ مع الرسول بولس بعدما رجمه اليهود في لسترة وجرّوه خارج المدينة وتركوه هناك ظانين أنه مات (أعمال 19:14-21)! يا للوحشية واللاآدمية! ولك أن تتخيل - عزيزي - كم من الآلام والجروح التي أصابت رجل الله "وَلكِنْ إِذْ أَحَاطَ بِهِ التَّلاَمِيذُ، قَامَ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ." نعم، إن المودة الأخوية تعني وجودي الفعلي بجوار إخوتي في آلامهم، وما أروع تأثيرها.

2. المشاركة العملية لإخوتنا في احتياجاتهم
أكثر كنيسة شاركت الرسول بولس في احتياجاته، ولا سيما وهو في السجن، كانت أفقر كنيسة وهي كنيسة فيلبى (فيلبي 14:4-16)، فأرسلت له أبفرودتس حاملاً عطاياهم، مسافرًا أيامًا ومتعرِّضًا لكثير من المخاطر بل "قَارَبَ الْمَوْتَ، مُخَاطِرًا بِنَفْسِهِ." (فيلبي 30:2)
ويؤكِّد الرسول يوحنا قائلاً: "وَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ مَعِيشَةُ الْعَالَمِ، وَنَظَرَ أَخَاهُ مُحْتَاجًا، وَأَغْلَقَ أَحْشَاءَهُ عَنْهُ، فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَحَبَّةُ اللهِ فِيهِ؟" (1يوحنا 17:3)
أحبائي، ليت الروح القدس يملأ قلوبنا بمشاعر المحبة الحقيقية وأفعال المودة الأخوية تجاه إخوتنا واحتياجاتهم المتنوعة.

3. التشجيع والتعضيد النفسي لإخوتنا
في سفر الأعمال، تظهر شخصية جميلة هي شخصية "برنابا". ورغم أن معنى اسمه "ابن الوعظ"، إلا أننا لا نقرأ له عظات رنانة، بل نشاهده في مواقف نبيلة عملية في تشجيع إخوته. فمرّة يأخذ "شاول الطرسوسي" بعد مقابلته مع الرب، ليقدِّمه للتلاميذ ويزكيّه لهم، إذ كان الجميع خائفين منه، وكان هذا سبب تشجيع كبير لبولس أن يجاهر بالمسيح. وفى أعمال 25:11، أخذ برنابا يشجع بولس مرة أخرى، وجاء به إلى أنطاكية ليخدم الرب هناك.
أحبائي، ما أحوج البسطاء بيننا والصغار إلى التشجيع، ودفعهم إلى الأمام. "شجعوا صغار النفوس"، إنها لأروع تعبير عن المودّة الأخوية.

4. فتح قلوبنا وبيوتنا لإخوتنا ولا سيما المتغربين والمتألمين
"لاَ تَنْسَوْا إِضَافَةَ الْغُرَبَاءِ." (عبرانيين 1:13) فما أروع أن تُفتح بيوتنا وقلوبنا لإخوتنا الغرباء والمتألمين. هذا ما فعله أخ فاضل أسمه "أكيلا" وزوجته "بريسكلا" مع "أبلّس الإسكندري" الذي أخذاه إلى بيتهما واستضافاه وشرحا له أيضًا كلمة الله (أعمال 26:18).
وهناك الكثيرون من الأتقياء الذين فتحوا بيوتهم: مثل مرثا ومريم واستضافتهم للسيد نفسه، وبيت أنسيفورس، وبيت إستفاناس الذين كرّسوا أنفسهم لخدمة القديسين.
أحبائي الأعزاء، يحمل المؤمن الحقيقي بالمسيح، بداخله أحشاء، ورأفات، ومشاعر روحية رقيقة، وقلبًا مُحبًا صادقًا تجاه إخوته ومن حوله، فيتألم ويبكي معهم في آلامهم، ويفرح لفرحهم. ولا يكتفي بأن يصلّى لأجلهم فقط، أو يشجعهم بالكلام؛ بل يعبِّر عن مشاعره بطريقة عملية وبكل وسيلة متاحة له متمثِّلاً بالرب يسوع المسيح الذي كان عنده العطاء مغبوطًا أكثر من الأخذ (أعمال 35:20).

ربي اجعلنّي مثله في ذا المسير
في العهد صادقًا وللحق أسير
كي أترك من حولي كلما أسير
عطرًا زكيًا يملأ الدنيا عبير

المجموعة: أيار (مايو) 2019