لم تهتم السماء بمولد طفلٍ سوى مولد الرب يسوع المسيح، الذي لم ينل من البشر أي التفاتة حتى من رؤساء الكهنة الذين سألهم هيرودس: أين يولد المسيح؟

كان من الضروري أن يتحرّى الكهنة... لا شك أنهم سألوا هيرودس: لماذا تريد أن تعرف أين يولد المسيح؟ ولا بد أن هيرودس أجابهم وذكر لهم أمر المجوس، ولكن بكل أسف، لم يبالوا بهذا الأمر... تم فيهم القول الذي قاله يوحنا: "إلى خاصته جاء وخاصته لم تقبله."
أرسلت السماء ملاكًا حمل البشارة بمولد المسيح لرعاة متبدّين يحرسون حراسات الليل قائلاً: "لا تخافوا. فها أنا أبشّركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب: أنه وُلد لكم اليوم في مدينة داود مخلصٌ هو المسيح الرب."
وأُرسلت جوقة أخرى - قال بعض المفسرين بأنهم ثلاثة فرق - الفرقة الأولى قالت: "المجد لله في الأعالي." والفرقة الثانية قالت: "وعلى الأرض السلام." والفرقة الثالثة قالت: "وبالناس المسرّة." يا لها من تسبيحة! إنها تسبيحة رائعة ومتكاملة. وسأحدّث حضرات القراء الأعزاء في ثلاثة كلمات:

أولاً: مجد بهي
نقرأ عن سليمان وما قاله عند تدشين الهيكل المقدس المغشّى بالذهب النقي: "هوذا سماء السماوات لا تسعك، فكم بالأقلّ هذا البيت الذي بنيت؟" لقد شعر بضآلة ذلك البيت بالنسبة للمجد الإلهي... ونقرأ أيضًا ما قاله البشير يوحنا: "والكلمة صار جسدًا وحلّ بيننا، ورأينا مجده، مجدًا كما لوحيد من الآب، مملوءًا نعمة وحقًا."
ونقرأ ما قاله بولس الذي "قال: [أن يشرق نور من ظلمة] هو الذي أشرق في قلوبنا، لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح." وما قاله كاتب الرسالة إلى العبرانيين "الذي، وهو بهاء مجده (مجد الله)، ورسم جوهره (جوهر الله)، وحاملٌ كل الأشياء بكلمة قدرته..." هذا المجد الذي لم يقدّره البشر واحتقروه، لذلك قال الرب: "يا بني البشر، حتى متى يكون مجدي عارًا؟" يا لحقارة هؤلاء البشر! هذا الإله المجيد وُلد في المذود، "إذ لم يكن لهما موضع في المنزل." هذه الكلمات هزّتني من الأعماق... وبكل أسف ما زال إلى اليوم كثيرون لم يعدّوا للمسيح موضعًا في قلوبهم وفي بيوتهم... وُلد المسيح في أحقر مكان، وليس في ميلاده فقط بل لم يوجد له مكان في حياته أيضًا "للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار، أما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه." ويقول يوحنا: "مضى كل واحد إلى بيته، أما يسوع فمضى إلى جبل الزيتون." وحتى في موته لم يكن له ملك قبر، لذلك دُفن في قبر مستعار.
عندما أرجع إلى كلمة الرب، والتي فيها تنبأ إشعياء قائلاً: "لأنه يولد لنا ولد ونُعطى ابنًا، وتكون الرياسة على كتفه، ويُدعى اسمه عجيبًا، مشيرًا، إلهًا قديرًا، أبًا أبديًّا، رئيس السلام." هل مثل هذا يولد في مذود بقر؟! إنَّ المفهوم السائد في الماضي والحاضر أن العظماء يولدون في بيوت فخمة وقصور... ولكن هذا الإله المجيد يولد في مذود بقر...!
لقد ظهر مجد هذا الإله على جبل التجلي. يقول البشير متّى: "وتغيّرت هيئته قدامهم، وأضاء وجهه كالشمس، وصارت ثيابه بيضاء كالنور." ويقول مرقس: "وتغيّرت هيئته قدامهم، وصارت ثيابه تلمع بيضاء جدًّا كالثلج لا يقدر قصار على الأرض أن يبيِّض مثلَ ذلك." ويقول لوقا: "وفيما هو يصلي صارت هيئة وجهه متغيِّرة، ولباسه مُبْيَضًّا لامعًا."
كان موسى مشتاقًا أن يرى مجده فأراه الرب لمحة من مجده، وبعد تجسّد المسيح يقول يوحنا: "ورأينا مجده مجدًا..." كل بريقٍ ولمعانٍ يخبو أمام بهاء مجد الله.

ثانيًا: سلامٌ حقيقي
وعلى الأرض السلام... السلام المقصود هنا ليس هو السلام الوقتي، الظاهري، أو الوهمي لكنه السلام الحقيقي. وهو حقيقي لأنه من رب السلام الذي قال لتلاميذه ولكل أتباعه: "سلامًا أترك لكم. سلامي أعطيكم." سلامٌ من إله السلام الذي قال عنه الرسول بولس: "وإله السلام سيسحق الشيطان تحت أرجلكم سريعًا." "وإله السلام نفسه يقدسكم بالتمام. ولتُحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح."
هذا السلام يظهر في أشدّ الظروف قسوة... سلام دائم وليس وقتي... سلام شامل... سلام مع الله وسلام مع الآخرين، وسلام مع النفس. لقد فُقد هذا السلام بعد سقوط آدم وحواء في خطية العصيان، ولكن بمولد رئيس السلام ردّ السلام المفقود... السلام هو تركة المسيح وعطيته، وهو التحية التي كان يحيّي المسيح بها تلاميذه: "سلام لكم."
وهي التحية التي استخدمها الرسول بولس في كل رسائله: "نعمة لكم وسلام..."
هذا السلام يفوق كل عقل: "وسلام الله الذي يفوق كل عقل، يحفظ قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع."
الرب هو سلامنا الذي جعل الاثنين واحدًا... الرب هو الذي صنع هذا السلام... جاء المسيح وبشرنا بسلام نحن البعيدين والقريبين – هو ملك السلام.
أنشد المرنمون أناشيد السلام. قال أحدهم: "في سلام... في سلام... إنني دائمًا في سلام."
وقال آخر: "قلبي دومًا يفيض سلام... ولو هاجت جيوش الظلام... فهو لي، يسوع لي!

ثالثًا: سرورٌ قلبي – "وبالناس المسرّة"
في ذكرى ميلاد المسيح، بعض الناس يُظهرون أفراحهم بشراء ثياب جديدة وإعداد أطعمة خاصة، ويزينون بيوتهم بأشجار الميلاد ويجتمعون مع الأهل والأصدقاء... وبعضهم يستخدم الخمور ويسكرون... هذا ليس هو السرور الذي تتحدّث عنه جوقة الملائكة.
السرور المقصود هنا هو الفرح الذي يملأنا عندما نملّك المسيح على قلوبنا وحياتنا... فيكون هو متقدّمًا في كل شيء... يكون متقدّمًا في أفكارنا وأقوالنا وسلوكنا.
"فرحًا أفرح بالرب. تبتهج نفسي بإلهي، لأنه قد ألبسني ثياب الخلاص. كساني رداء البرِّ." "افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضًا افرحوا." كل الأفراح بعيدًا عن الرب هي ليست أفراح...
فرح الرب كامل "لكي يكون فرحكم كاملاً." وهو فرح عام "ها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب." إنه فرح يظهر حتى في أوقات التجارب والضيقات. "احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجاربٍ متنوّعة." "فتبتهجون بفرح لا يُنطق به ومجيد." يقول حبقوق: "فمع أنه لا يُزهر التين، ولا يكون حمل في الكروم. يكذب عمل الزيتونة، والحقول لا تصنع طعامًا. ينقطع الغنم من الحظيرة، ولا بقر في المذاود، فإني أبتهج بالرب وأفرح بإله خلاصي."
لا توجد تسبيحة أروع من هذه التسبيحة التي أنشدتها جوقة الملائكة: المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرّة."

المجموعة: كانون الأول (ديسمبر) 2019