لما دخل بالصبي يسوع أبواه إلى الهيكل، أخذه سمعان الشيخ بين ذراعيه.

وإذ حلّ عليه روح الله تنبّأ عن الطفل قائلاً "إن هذا قد وُضع لسقوط وقيام كثيرين... "ولعلامة تُقاوَم." وفي هاتين الكلمتين نرى حقيقتين: الأولى أن المسيح علامة، والثانية أن هذه العلامة تُقاوم.
1- فالمسيح هو علامة الحب الإلهي: "لأنه هكذا أحبّ الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد." فلم تكن في الماضي علامة لمحبة الله كتلك التي أُعطيت لنا في ابنه المبارك. إن الشمس والقمر هما من علامات محبة الله للبشر. فالله جعل الشمس لكي تنير لنا في النهار والقمر في الليل، ليؤكد لنا بأن رحمته من نحونا باقية إلى الأبد، وأن محبته إلى جيل الأجيال. بل إن ثمار الحصاد التي تشبعنا، وتدفُّق مياه الينابيع التي تروينا، والرياح الباردة التي تهب علينا لتنعشنا، ومراحم الله العادية التي تأتينا في كل يوم، وعنايته التي تحيط بنا كل مدة العمر. هذه كلها علامات من محبة الله لنا. إلا أن مجيء المسيح إلينا هو أعظم علامة تؤكد حبّ الله لنا.
2- المسيح هو علامة عدالة الله: تأملوا المخلص الدامي، ابن الله المبارك، وقد تركه الآب، وإذا بغضب الله يجعل من الابن الحبيب هدفًا له. نعم، ففي المسيح ظهرت عدالة الله بأجلى بيان. المسيح، نسل المرأة، لم يخضع فقط لناموس الطبيعة، لكنه خضع أيضًا لناموس موسى، ووضع عنقه تحت النير الذي كان ثقيلاً جدًا، وأطاع حتى الموت موت الصليب، إذ مات نيابة عنا؛ حتى عن طريق النعمة الغنية يُلغى الناموس بالنسبة لنا، ونصير نحن تحت التزامات العهد الجديد.
3- المسيح هو علامة الصلة بين الإنسان الله: إن السلّم الذي رآه يعقوب بين الأرض والسماء، والملائكة نازلة وصاعدة عليه، يشير إلى شخص المسيح الذي نزلت عليه رحمة الله لتصل إلينا، ولتقيم الصلة المباركة بين البشر الأرضيين والآب السماوي. وبعدما تمتعنا بالصلة المباركة مع الله، ظل المسيح هو السلم المبارك الذي عن طريقه تصعد طلباتنا إلى الآب، وعن طريقه أيضًا تصلنا استجابة السماء. فالمسيح هو علامة الصلة بين الإنسان والله.
4- هذه العلامة تُقاوَم من البشر: لقد أظهر الله للبشر علامات كثيرة لمحبته، إلا أن البشر لم يعترضوا عليها. فقوس القزح هو علامة من علامات محبة الله، لأن الله حين أظهر هذا القوس أعلن أنه لن يهلك العالم فيما بعد بطوفان الماء. وهذه العلامة لم يقاومها البشر، إنما رحبوا بها. لكن حالما وصل الابن المبارك إلى هذه الأرض حاملاً رسالة المحبة قال الكرّامون: "هذا هو الوارث، هلمّ نقتله." يا لضلال البشر، ويا لعظم شرهم! ففي الصليب نجد قمة شر الإنسان، ونجد أيضًا قمة محبة الله.
بل إنه لا توجد أي علامة أخرى لعدالة الله تكلم البشر ضدّها كما تكلموا ضد المسيح. فأمام الصليب ارتعب البشر، لكنهم مع الأسف لم يتوبوا. إن سدوم وعمورة تحني رأسيهما أمام عدالة الله التي سمحت لهما بالخراب. فجميع البشر يصمتون بالكامل ويغطيهم الفزع أمام حكم الله بالدينونة. أما المسيح الذي ظهرت فيه عدالة الله، فإنه لما أتى ليصبح نائبًا عنا، قاومه البشر، وما زالت تلك العلامة المباركة يقف ضدها الكثيرون.
5- إن البشر يقاومون المسيح باعتباره علامة الصلة بين الله والإنسان: فمع أن البشر لا ينبغي قط أن يتكلموا ضدّ هذه الشركة المباركة، لأن الإنسان يجب أن يفرح بذلك السلم المبارك الذي يربط الأرض بالسماء، وبذلك الجسر الإلهي الذي يصل المخلوق بخالقه، إلا أنه بالرغم من هذا فإنهم يقفون ضد الوسيلة المباركة التي وُضعت لتمتّع الإنسان بالشركة مع الله. فالمسيح هو ممثل القداسة، لكن حالما يدرك عقل الإنسان الجسدي الذي لا يحب الله بأن شخص المسيح يقف أمامه، حاملاً في يده رسالة الإنجيل، فإنه يُظهر كل ما فيه من بغضة.
لكن لماذا يقف البشر هذا الموقف من المسيح؟ إن السر يرجع إلى أن هذه البركات الثلاث قد ظهرت في الصليب، ولأن الصليب عند البعض عثرة، فقد تعثّروا في المصلوب، مع أن الصليب هو حكمة الله، الذي فيه ظهرت محبة الله، وتجلّت عدالة الله، وتمت صلتنا بالله. فالصليب الذي يتعثّر به الخطاة، هو بعينه الذي يفتخر به المؤمنون. فيا عزيزي القارئ، إن كنت تريد أن تتمتّع بالأمان، فقبِّل الابن، واقبله في قلبك، حتى يكون بالنسبة لك علامة فرح لنفسك وخلاص لحياتك.

المجموعة: كانون الأول (ديسمبر) 2019