الدكتور القس ميلاد فيلبسهل تعلم أن الآية الواردة في 1تيموثاوس 16:3 كانت جزءًا من أحد ترانيم المسيحيين الأُوَل لتعبِّر عن عقيدتهم ومحبتهم للرب؟ كما أنها ترينا نوع الحياة التي كان الله يحياها، إذ كان إنسانًا لنراه بأعيننا وندركه بعقولنا في صورة نفهمها كبشر.

وتبدو كأنها مختصرًا لقانون الإيمان ليعرّف الرسول بولس كنيسة الله "عمود الحق وقاعدته" التي اؤتُمِنَتْ على مهمَّة الدفاع عن حقّ الله. وكلمة "إجماع" في اليونانية، تعني اتفاقًا مسكونيًا عام لا يختلف عليه اثنان. لذلك رنم القس فواز عميش:
هل ليسوع من مثيل في الطهر والجمال في شخصه الفذّ الفريد تجسّم الكمال
نعم! بدأ رجاؤنا لما مات المسيح على الصليب وثبت وأخذ يتحقّق لما صعد إلى الكمال، وسيتم لما يأتي ثانية، وبالإجماع عظيم هو:

أولاً: سرّ التقوى - التقوى هي الدين في حقيقته الذي يخلق ضبط النفس والاكتفاء الذاتي عن طريق الصلة بالله و"التعليم" في كل تقوى ووقار. لذلك ينصح بولس تلميذه تيموثاوس قائلاً: "روّض نفسك للتقوى" لتكون قدوة للمؤمنين:
1- في الكلام: فما نلفظه من كلمات يميز من نحن لكي نعطي بنيانًا للسامعين.
2- في التصرّف: أي إن سلوك المرء يجب أن يخلو من كل ما يجلب العار على اسم المسيح.
3- في المحبة: كمبدأ حيّ، لتكن المحبة الدافع للسلوك الروحي والهدف الذي نصبو إليه.
4- في الروح: هذا يعني التحلّي بالغيرة الملتهبة التي مارستها الكنيسة الأولى.
5- في الإيمان: هنا المقصود هو الأمانة والثقة والثبات على العهد.
6- في الطهارة: والطهارة تظهر في أعمالنا وإيماننا.
هذه هي خلاصة الحق الإلهي متمثَّلاً في شخص المسيح الذي ينتج عنه كل تقوى حقيقية. "من منكم يبكتني على خطية؟"

ثانيًا: الله ظهر - إن التقوى هي سرّ عظيم، فما هو هذا السر؟ إن السر العظيم هو "الله ظهر في الجسد"، فعرّفنا كيف نتّقي الله وكيف نعبده بالروح والحق. ويتكشَّف لنا "السر المكتوم منذ الدهور ومنذ الأجيال، لكنه الآن قد أُظهر لقديسيه." (كولوسي 26:1) إن الله بتجسّده أعاد خلقتنا من جديد. "إذًا إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة."
"ظهر في الجسد" تشير إلى التجسد. "تبرّر في الروح" تشير إلى موت المسيح ودفنه. "تراءى لملائكة، كُرز به بين الأمم وأومن به في العالم" هي الأحداث التي تلت صعوده. وأخيرًا، "رُفع في المجد"، تتحدّث عن مجيئه الثاني. هنا يكمل سرّ التقوى.
قال المسيح لليهود: "... والمجد الذي من الإله الواحد لستم تطلبونه." (يوحنا 44:5) وقال الرسول بولس أيضًا: "إله وآبٌ واحد للكلّ." (أفسس 6:4) إي، إن الله واحد. والكلمة العبرية المترجمة "واحدًا" تدلّ على وحدانية مركّبة لا بسيطة على أن التعدّد في الأقانيم لا يلحق بالجوهر. وجوهر الله غير مادي، بل هو روحي. والروح لا تقبل الانقسام، "الله روح." وبالتالي، من يعتقد بالتنزيه المطلق قد تعترضه عقبة شديدة في الخليقة، وهي كيف استطاع الخالق أن ينتقل من حيّز التنزّه وصيرورته خالقًا؟

ثالثًا: تبرّر في الروح - لقد استخدم بولس كلمة "سرّ" هنا في تعريف الحق المعلن من الله لأنه يفوق أي قوة طبيعية، لكنه ليس منافيًا للعقل أو متناقضًا مع الاختبار لأننا "ننظر الآن في مرآة، في لُغز... لكن حينئذ سأعرف كما عُرفت." (1كورنثوس 12:13) والكلمة اليونانية تعني أنه أمر يفوق حدود الفهم الطبيعي، ويمكن إدراكه بالاستعلان الإلهي في الوقت المعيّن، وبالطريقة التي يحدّدها الله. وهكذا الله تبرّر في كل طرقه بسبب محدوديتنا. هذا يعني أن حياة يسوع المسيح على الأرض، الذي بلا خطية، تبرّر بقوة عمل الروح الساكن فيه، بل إنه بعدما حسبوه مجرمًا وصلبوه على الصليب، قام بقوة الروح ثانية. لقد تبرّر وهو في روح بشريتنا "الروح القدس يحلّ عليكِ."
درس عالم من علماء النفس كل أديان العالم وانتهى بالقول: أنه لم يعثر في كل دراساته عن مسيح آخر يغيّر الحياة، ويمنح الإنسان اختبارات مشبعة. ثم تراءى لملائكة، وهذه إشارة إلى حياة الرب يسوع المسيح قبل مجيئه للأرض. ويقدّمون له العبادة. "وتسجد له كل ملائكة الله." (عبرانيين 6:1) فالمسيح أتى بالحق حتى لقوات الملائكة والشياطين التي لم تعرف خطة محبة الله الأزلية في الفداء والخلاص.

رابعًا: كُرز به بين الأمم - فالمسيح لم يكن مَلِكًا خاصًا لشعب معيّن، بل كان مخلّصًا لجميع الأمم. سُئل جون وسلي كيف يُتاح له أن يجمع كل هذا الحشد ليصغي إلى وعظه، فأجاب قائلاً: "إنني أُشعِل في نفسي نار محبة المسيح فتأتي الناس لتتأملني وأنا أحترق." "أومن به في العالم." لأنه بعد موت المسيح وقيامته وصعوده إلى المجد، كان مجموع من تبعوه مئة وعشرين (أعمال 15:1)، ولكن قبل انقضاء سبعين عامًا ذاعت الأخبار السارة إلى كل المسكونة بأن "يسوع المصلوب هذا صار ربًا ومخلّصًا."
هذا الإعجاز الإلهي الذي يفوق المنطق كان سببًا في انتشار الكنيسة. إن الآية الشهيرة - "هكذا أحبّ الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يوحنا 16:3) – يصحّ لها أن تكون خلاصة الديانة المسيحية: البشر خطاة، والله أحبهم في خطاياهم، وعالجهم بموت المسيح من ناب عنهم فأعطاهم الحياة الأبدية. ولا عجب أن مارتن لوثر سمّى هذه الآية "الإنجيل المصغّر".
"أومن به في العالم"، أي أنه تمّ قبول رسالة المسيح من حيث أنها رسالة الإيمان به كما قال أحدهم: إني سعيد لأجل حصولي على أنواع من الخلاص: الخلاص من الخطية بدم المسيح الذي بذل نفسه على الصليب نيابة عني، والذي يطهرنا من كل خطية، والخلاص من الهموم "ملقين كل همّكم عليه لأنه هو يعتني بكم." ثم الخلاص من العالم عند مجيء الرب وفداء أجسادنا.

خامسًا: رُفع في المجد - صعد إلى السماء وأكمل الفداء، و "رُفع بالمجد" بكل مظاهر العظمة. هذه هي الذروة المترتبة على عمله الفدائي الكامل، وتتضمّن الاعتراف بسلطته وكونه ربًا للمؤمنين به في كل مكان. يا لها من قصة خالدة تبدأ في السماء وتنتهي في السماء! عاش كخادم وصُلب وقام وآثار المسامير ما زالت في يديه، ولكن النهاية مجد. هل تعلم أن بولس قضى ثلاثة أيام لا يأكل ولا يشرب ولا يبصر - بعد أن رأى المسيح - منصرفًا عن العالم وكل ما فيه مفتكرًا في المخلّص؟ لما تقدّم الجلاد المكلّف بقطع رأس كوبريانوس الشهيد، ورأى الكراهية في عيون الجلاد، أمر الواقفين حوله من أصدقائه أن يدفعوا له من ماله الخاص خمسة وعشرين دينارًا برهانًا لصفحه وتمثُّلاً بالمسيح. "لكي لا يُكمَلوا بدوننا." (عبرانيين 40:11) نعم، في السماء لا لزوم للإيمان أو الرجاء، لكن ما قيمة السماء والأرض بدون محبة؟

المجموعة: كانون الأول (ديسمبر) 2019