حين فتح الإنسان الأوّل عينيه تملّى نظره بوجه الخالق العظيم، فلما عصى وصية الله غاب هذا الوجه الإلهي عن عينيه، فشعر بالضياع؛

فالإنسان لا يمكن أن يشبع إلا إذا تقابل مع الله كما قال داود في المزمور: "يا الله، إلهي أنت. إليك أُبَكِّر. عطشت إليك نفسي، يشتاق إليك جسدي في أرض ناشفة ويابسة بلا ماء."
إننا نعيش في عصر أنكر فيه الكثيرون وجود الله، ولكنهم جهلوا الحقيقة الكبرى وهي أن الله سيتقابل معهم أرادوا أم لم يريدوا، ولذا فأنا أنادي اليوم كل واحد بالنداء الإلهي القديم: "استعدّ للقاء إلهك." والسؤال الآن: أين يتقابل الله مع الإنسان؟

1- الله يتقابل مع الإنسان عند صليب ابنه
هذا هو لقاء النعمة... هذا هو أفضل مكان للقاء الله، في القديم طلب موسى من الله أن يريه وجهه فتوسّل إليه قائلًا: "أَرِني مجدك." لكن الله قال له: "لا تقدر أن ترى وجهي، لأن الإنسان لا يراني ويعيش." (خروج 20:33) لكننا رأينا مجد الله في وجه يسوع المسيح "لأن الله الذي قال: [أن يُشرق نور من ظلمة]، هو الذي أشرق في قلوبنا، لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح." (2كورنثوس 6:4) ففي وجه المسيح رأينا مجد الله "الذي رآني فقد رأى الآب." (يوحنا 9:14) وفي صليب المسيح يتقابل الله مع الإنسان، ويقرِّب الإنسان إليه. "ولكن الآن في المسيح يسوع، أنتم الذين كنتم قبلًا بعيدين، صرتم قريبين بدم المسيح. لأنه هو سلامنا، الذي جعل الاثنين واحدًا، ونقض حائط السياج المتوسّط أي العداوة. مبطلًا بجسده ناموس الوصايا في فرائض، لكي يخلق الاثنين في نفسه إنسانًا واحدًا جديدًا، صانعًا سلامًا، ويصالح الاثنين في جسد واحد مع الله بالصليب، قاتلًا العداوة به." (أفسس 13:2-16) "أي إن الله كان في المسيح مُصالحًا العالم لنفسه، غير حاسب لهم خطاياهم، وواضعًا فينا كلمة المصالحة." (2كورنثوس 19:5)
ارتفع فوق رابية الجلجثة ثلاثة صلبان: كان الصليب المتوسط هو صليب المسيح، وكان على إحداها لصّ عمل الروح القدس في قلبه فأدرك شناعة شرّه وعاقبة خطاياه، وتقابل مع الله عند صليب يسوع وقال له: "اذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك." (لوقا 42:23) "وليس أحد يقدر أن يقول: [يسوع ربّ] إلا بالروح القدس." (1كورنثوس 3:12) وهكذا وُلد ذلك اللصّ من جديد، وانحدر عنه ثقل حِمل خطاياه، وانطلق ليكون مع المسيح في الفردوس.
فهل تقابلت مع الله عند صليب ابنه؟ وهل خصّصت موت المسيح لنفسك؟ فقلت مع بولس: "ابن الله، الذي أحبّني وأسلم نفسه لأجلي." (غلاطية 20:2) ثق أنك إن لم تتقابل مع الله عند صليب يسوع، وتتصالح معه صُلحًا أبديًّا، فلا بدّ أن تتقابل معه عند عرش الدينونة الرهيب.

2- الله يتقابل مع الإنسان فـي صحـراء آلامـه
في صحراء الآلام تقابل الله مع يعقوب وحيدًا، خائفًا، متألّمًا بسبب فراقه لوالديه "وصادف مكانًا وبات هناك لأن الشمس كانت قد غابت، وأخذ من حجارة المكان ووضعه تحت رأسه، فاضطجع في ذلك المكان. ورأى حلمًا، وإذا سُلَّمٌ منصوبة على الأرض ورأسها يمسّ السماء، وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها. وهوذا الرب واقف عليها، فقال:
[أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحاق. الأرض التي أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك... وها أنا معك، وأحفظك حيثما تذهب، وأردّك إلى هذه الأرض، لأني لا أتركك حتى أفعل ما كلّمتك به.]" (تكوين 11:28-15)
في صحراء الآلام، ويعقوب نائم على وسادة من حجر تقابل الله مع يعقوب، وأكّد رفقته له، وحفظه له بعنايته الإلهية.
وكم من المرات تدخل إلى صحراء الآلام، حيث لا أحد يحسّ معك بآلامك، وحيث لا تستطيع البوح بأحزانك ومرارة نفسك للآخرين، وحيث تنام الليل على وسادة من حجر، لا راحة فيها ولا نعومة... وهناك في صحراء الآلام يتقابل الله معك ويعزّي قلبك، ويمسح دموع عينيك، ويؤكد رفقته لك وعنايته بك، فتصبح الصحراء هي مكان الرؤيا السماوية، والرفقة الإلهية، والشركة القوية، ولكنها مع هذا كله تصبح مكان النذور الشخصية. "ونذر يعقوب نذرًا قائلًا: [إن كان الله معي، وحفظني في هذا الطريق الذي أنا سائر فيه، وأعطاني خبزًا لآكل وثيابًا لألبس، ورجعت بسلام إلى بيت أبي، يكون الرب لي إلهًا، وهذا الحجر الذي أقمته عمودًا يكون بيت الله، وكل ما تعطيني فإني أعشّره لك.]" (تكوين 20:28-22)
فهل اختبرت هذا الاختبار الحلو، اختبار اللقاء مع الله في صحراء الألم؟! لقد اختبر إشعياء هذا الاختبار فقال: "في سنة وفاة عُزِّيَّا الملك، رأيت السيد..." (إشعياء 1:6)

3- الله يتقابل مع الإنسان أمام عرش دينونته
هذا هو الفصل الأخير في مأساة الإنسان الذي يرفض أن يتقابل مع الله عند صليب ابنه، وقد رآه يوحنا في ختام رؤياه وأعلن لنا فيه أن الذي لا يتقابل مع الله في يوم النعمة، ويقترب إليه بدم المسيح، لا بد أن يتقابل معه مرغمًا أمام عرش قضائه في يوم الدينونة الرهيب.
وأمام عرش الدينونة سيفتح الله سجلّ حياة كل واحد، وهو مسجّل بالصوت والضوء. قال لي أحدهم: كيف يمكن أن يحاسبنا الله على الكلام، والأعمال، والحركات، والتصرفات؟ هل يحتفظ الله بسجلات يسجّل فيها كل هذه الأشياء... إن السماء نفسها لا يمكن أن تسع هذه السجلات؟ فابتسمت وقلت له: لا حاجة لله أن يحتفظ بسجلات في السماء، فالعلم الحديث يؤكد لنا أن الجوّ يسجّل أصواتنا، والأثير ينقل صورنا وتحرّكاتنا، هذا ما يقوله الراديو والتليفزيون، فالأصوات لا تضيع وإنما تُختزَن، والصور لا تُمحى وإنما تبقى مطبوعة في سجل الطبيعة الخالد، وأمام عرش الدينونة سوف يدير الله آلات إذاعته، فيرى كل واحد تصرفاته ويسمع صوته "لأنك بكلامك تتبرّر وبكلامك تُدان."
فهل تنتظر إلى أن تواجه ذلك اليوم الذي تنكشف فيه خباياك، وتُفضَح أسرارك، ويرى أصدقاؤك وأعداؤك فظاعة خطاياك؟
عُدْ اليوم إلى الله كما قال النبي هوشع: "خُذوا معكم كلامًا وارجعوا إلى الرب. قولوا له: [ارفعْ كلّ إثم...]" فخذ معك اليوم كلمة اعتراف، واقبل المسيح المصلوب لأجلك مخلصًا شخصيًا لك، وستسمع في داخل قلبك أنشودة الغفران: "إذًا لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع." (رومية 1:8) أسرع إليه اليوم قبل أن تتقابل معه في يوم العقاب. (إشعياء 3:10)

المجموعة: آب (أغسطس) 2020