في زمن كهذا بدت فيه كارثة غير عادية يسيطر فيها فيروس كورونا على أربع زوايا الأرض، يلفّ الكرة الأرضية بكل أبعادها ويرعب الشعوب، فانحنى أمام الكارثة عظماء كبار وأقرّوا بالهزيمة!

ومع سير الأحداث المرعبة بدأ يتساءل كثيرون: هل قربت الساعة لنهاية العالم؟ وهل مرّ على الكرة الأرضية مثل هذه الكارثة التي تجتاح العالم بأسره بلا استثناء؟!
وكثرت الآراء والتفسيرات، وانفتح الباب لهواة التنجيم ليدلوا بدلوهم، ويوهموا الناس بآراء وتخيّلات استغلالًا لمشاعر الحيرة التي تهيمن على الشعوب!
الحقيقة أن كوارث عديدة مرّت على سكان الأرض عبر التاريخ، بعضها وصلتنا أخبارها وتناقلتها الأجيال، وبعض آخر مضى واندثر...
ومن بين هذه وتلك كوارث أوبئة كالطاعون، والإنفلونزا، والملاريا التي قضت على مئات الألوف من أطفالٍ وكبار السن في وقت لم تكن فيه كفاية من أدوية... وكوارث وزلازل مدمرة وبراكين ملتهبة ما زالت قائمة تشتعل وتخمد بين حين وآخر وتهدّد ما حولها... وكوارث تسونامي هاجت فيها مياه المحيطات بعنف واجتاحت أراض شاسعة ودمرت مدنًا قائمة وتسبّبت بتهجير الملايين... وكوارث سبي وتهجير قسري لشعوب كانت آمنة، من أتباع عرقيات ومعتقدات دينية مستهدفة... وكوارث حروب أودت بحياة مئات الملايين، كالحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، وحرب عالمية ثالثة نعاني منها اليوم تتزعمها كورونا وتصيب وتقتل الملايين وتدمّر اقتصاد الشعوب، وتشلّ حركة الحياة، وتفرض على سكان الأرض أن يقبعوا في منازلهم لأسابيع وشهور لأنّ العدو في الشارع يتربّص بهم ليصطاد من يمكن أن يصل إليه ويؤذيه.
الكتاب المقدس كتاب وحي صادق، يتحدّى كلّ من يتنكّر له، وهو يخاطب كلَّ شعوب الأرض على اختلاف جنسياتهم ومعتقداتهم، ومع أنه ليس كتاب تاريخ، لكنه ذكر الكثير من الكوارث التي مرّت بالبشرية عبر الزمن، وأشار إلى أسبابها ونتائجها، والعِبر التي نستخلصها منها، كالطوفان (سفر التكوين الأصحاح السابع)، وكارثة بلبلة الألسن حين لم يعد أحد يدرك ما يقوله الآخر في وقت بناء برج بابل الذي ما زال يشهد لحقيقة الحدث في العراق. ومن بعدها تشعّبت اللّغّات في العالم بين الشعوب (سفر التكوين أصحاح 11).
إنما الآن نتحدّث عن أعظم كارثة حدثت في تاريخ البشرية سجّلها الوحي في سفر التكوين الأصحاح الثالث - كارثة يمكن تسميتها بأم الكوارث - لأن حدوثها تسبَّب بكل ما تعاني منه البشرية عبر تاريخها من متاعب، ومخاطر، وحروب، وآلام، وموت، ودموع، وأحزان، حين سقط آدم في معصية الله وطُرد من الجنة وطُردنا معه. وها نحن اليوم نسكن في أرض منفى خارج حدود الجنة ونعاني ما نعانيه في أرض الغربة.
ولعلها فرصة لنا اليوم ونحن محجورون في بيوتنا بسبب كورونا لأيام وأسابيع وأشهر تجنُّبًا للعدوى، فنعود للكتاب المقدس ونقرأ الأصحاحات الأولى من سفر التكوين لنتأمل في كيف خلق الله السماوات والأرض، وكيف جَبلَ آدم من تراب الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة فصار آدم نفسًا حية، ووضع الله آدم في الجنة ليعملها ويحفظها، وجبل الرب الإله من الأرض كل حيوانات البرية وكل طيور السماء فأحضرها إلى آدم ليدعوها بأسماء. فكان هذا تكريمًا من الله لآدم... وما دعا به آدم فهو صار اسمها...
وحين غرس الله الجنة، أنبت فيها كل شجرة شهية وجيِّدة للأكل، وقال لآدم: من جميع شجر الجنة تأكل أكلًا، أما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتًا تموت. لعل آدم لم يدرك حينها ما هو الموت، باعتبار أنه لم يرَ حدثًا كهذا من قبل... لكنه مؤكدًا أدرك أن هناك مسؤولية عليه أن يلتزم بها طاعة لأمر الله.
ويتساءل البعض: لماذا كانت شجرة معرفة الخير والشر في الجنة حتى تسبّبت لآدم بالسقوط؟!
نوضح لهؤلاء بأن الله إله ترتيب، ونظام... ومن نظامه أن تتواجد في الجنة شجرة معرفة الخير والشر لتكون مقياسًا لالتزام آدم في طاعة الله.
ومن ناحية أخرى، فلأن الله إله ترتيب ونظام فالخليقة كلها بما فيها من أجرام، وكواكب، وشموس، وأقمار تسبح في الفضاء يحكمها نظام رباني شكَّل هذه اللّوحة الجميلة في السماء التي نتأملها في سكون اللّيل، يحكمها ما نسميه اليوم بقانون الجاذبية الذي لولاه لما كانت الحياة، قانون شرّعه المولى لضبط التوازن بين الأجرام السماوية، وبها تُضبَطُ حركة دوران الأرض حول الشمس، ودوران القمر حول الأرض بأسلوب متقن انتج الفصول الأربعة لتنمية الحياة على الأرض... ولولا قانون الجاذبية كمثال، لاصطدمت الكواكب بعضها ببعض وعمّت الفوضى وانعدمت الحياة!
ونلاحظ ميزة رحمة الله لآدم أنه عندما سقط آدم وخالف الوصية، لم يلاشه من الوجود، بل فورًا فتح بابًا لنجاة آدم ونسله من بعده، فوعد بمجيء ابن المرأة ليسحق رأس الحية (الشيطان) الذي أغوى آدم ليسقط في العصيان (سفر التكوين 15:3).
ومن نِعَمِ الله أيضًا لآدم أن ميَّزه عن باقي مخلوقاته ومنحه ميزة تلازمه وهي حرية الاختيار، واحترم فيه الإرادة الحرة، وأعطاه فرصة ليختار الخير ويرفض الشر وأن يتحمّل مسؤولية ما يختار. وبهذا تكون شجرة معرفة الخير والشر ميزانًا يُحدّدُ، أو يحكم، أو يضبط درجة التزام آدم في طاعة قانون الله المُعلن له، ومع كل ذلك أخطأ آدم ولم يلتزم بأمر الله. وأكل من الشجرة المحرّمة فطُرد إلى أرضٍ تُنبت له شوكًا وحسكًا ومتاعب كثيرة أورثها لنسله.
فآدم أخطأ، وبخطيته نبتت جرثومة الخطية (أو فيروس الخطية إن جاز التعبير) ونسمّيها لاهوتيًّا بـ [طبيعة الخطية] أو طبيعة السقوط، ومن لحظتها أُصِبنا بهذا الداء وصرنا بحاجة للشفاء، والشفاء لا يتمّ إلا بدمٍ طاهر نقي... فكان دم يسوع هو الجواب، ولأجل شفائنا جاء المسيح ابن المرأة - المسيح ابن مريم - لإنقاذنا بتقديم العلاج، والعلاج تحقّق بدم يسوع المسال على الصليب، وبه صار اللُّقاح من وباء الخطية... إذ بدون سفك دم - بحسب قانون الله - لا تحصل مغفرة (سفر العبرانيين 22:9). ودم يسوع هو أنقى ما في الوجود، فبدمه صار الطعم وصار الدواء. وبدم يسوع الشافي مليارات النفوس عبر التاريخ نالوا الشفاء وحصلوا على الحياة الأبدية ونالوا سعادة تفوق الوصف... واليوم الباب مفتوح لمن يرغب الشفاء وينال الغفران والحياة الأبدية.

المجموعة: آب (أغسطس) 2020