"وفيما هنّ محتارات في ذلك، إذا رجلان وقفا بهنّ بثيابٍ برّاقة. وإذ كن خائفات ومنكِّسات وجوههن إلى الأرض، قالا لهنّ:

[لماذا تطلبنَ الحيّ بين الأموات؟ ليس هو ههنا، لكنه قام!]" (لوقا 4:24-6)
قصة القيامة هي جوهر المسيحية وراية عظمتها. ولولا القيامة لما انتشرت المسيحية، ولم تحظَ بهذا الدويّ الكونيّ، والرؤيا العظمى التي ينتظرها المؤمنون بعد انتقالهم من ظلمات هذه الحياة الفانية؛ بل إن خطة الفداء تفقد أهميتها، وغرضها، ومجدها الأبدي لو لم تكن القيامة هي أوج هذه الخطة التي أسفرت عن اكتمال القصد الإلهي من مجيء المسيح إلى عالمنا الموبوء بالشر. كان تجسّده نقطة التحوّل في الخطة الإلهية الظاهرة للعيان لأنها كشفت عن أهمية هذا الحدث على الصعيد الروحي والفدائي، وبالتالي، بقيامة المسيح من بين الأموات، تمت أعظم عملية إنقاذ في تاريخ البشرية. وإذا أردنا حقًا أن ندرك كُنه هذه العظمة، علينا أن نستشهد بما أشار به المسيح عن نفسه في مناسبات مختلفة لأنها تلقي أضواءً ساطعة على حقيقته، بل على القصد الإلهي من تجسده، وسأتحدث عن بعض هذه الحقائق التي كانت وما زالت ترتبط بهذا المجيء.

أولاً، مجتمع موبوء
على الرغم من تعدد الديانات والفرائض والعبادات الوثنية، وعلى الرغم من وجود الديانة اليهودية الناموسية، فإن العالم كان آنئذ بلا أملٍ أو رجاء روحيًا. أجل، كانت هناك شرائع، وقوانين اجتماعية، وسياسية ودينية، ولكنها كانت كلها لا تعنى حقًا بمصير حياة الإنسانية لأنها كانت ميتة. فالوثنية أخضعت عبادها لأصنام هم صانعوها؛ أصنام لا تفقه ولا تسمع، ولا ترى. واليهودية الموحدة آنئذٍ كانت خاضعة لحرفية الناموس التي سلبتها قوتها وفاعليتها لابتعاد الناس عن روحانية النصوص. فأصبحت التقاليد والطقوس هي دَيْدَنَهُمْ. ولم تكن هي العلاقة الروحية التي أرادها الله أن تترسَّخ بينه وبين خليقته.

ثانياً، تحقيق النبوءات عن مجيء المسيح
إن وعود الله لا يمكن أن يعتريها الإخفاق. فكان لا بدّ لجميع النبوءات الواردة في العهد القديم أن تتحقّق، ولا سيما النبوءات المتعلقة بشخص المسيح ومجيئه. كانت الأمة تنتظر مسيحًا عسكريًا وقائدًا محاربًا يحشد الجيوش، ويحرر الشعب من عبودية الحكم الروماني، ويعيد أمجاد حكم داود وسليمان، وإخضاع الشعوب والأمم الوثنية لسلطته السياسية. ولكن، ما الذي حدث حقًا؟ لقد تأنّس المسيح في الوقت المعيَّن، ولكن ليس كقائد عسكري، بل كحمل وديع لا لينقذ اليهود من عبودية الرومان، وإنما لينقذ بموته وقيامته البشرية بأَسرها من عبودية أشقى وأدهى؛ هي عبودية رئيس هذا الدهر الذي أخضع لنفسه شعوب الأرض قاطبة. لقد غابت هذه الحقيقة عن أذهان اليهود حينذاك، وعوضًا عن أن يرحّبوا به، قاوموه، وصلبوه، وسخروا به وأهانوه. رأوه معلقًا على الصليب، فظنوا أنهم قد تخلصوا من هذا المسيح المدّعي. وعندما ووري في أعماق الثرى، بدا لهم أنهم قد تحرَّروا من سلطانه نهائيًا. ولشدّ ما انتاب الفشل وخيبة الأمل أُولئك الذين اعتقدوا أَنه هو المنقذ المنتظر، عندما شاهدوه معلَّقًا على الصليب، منكّس الرأس بعد أن أسلم الروح. ولكنهم لم يدركوا أنه لهذا قد تجسّد. وأن موته هو ذروة الفداء، بل إنه شرّع بموته أبواب السماء لكل من يؤمن به. تلك كانت خطة الله الأزلية لخلاص الجنس البشري من الهلاك الأبدي.

ثالثًا، القيامة هي انتصار الحياة على الموت
لقد جاءت النساء في صباح يوم الأحد ليقمن بتطييب جثمان المسيح. كنّ خائفات حائرات منكّسات الرؤوس يتساءلن: كيف يمكننا أن ندخل القبر المغلق بحجر كبير؟ من منّا تستطيع أن تزحزح هذا العائق؟ لم يكن معهنّ أيّ واحد من التلاميذ. حتى يوحنا الحبيب لم يرافقهن إلى القبر. ساورتهن الحيرة، ولكنهنّ جئن بقلوب مؤمنة: إن الله لا بدّ أن يدبّر من يزيح هذا الحجر. وهكذا عندما وصلن إلى القبر ذُهلنَ أمام المعجزة. لقد كان الحجر مدحرجًا، والحراس غائبين، والطريق آمنة، وفي إبان دهشتهنّ سمعن صوتًا يسألهنّ: "لماذا تطلبن الحيّ من الأموات؟" لا ريب أن هذا السؤال قد أثار عجبهنّ. لا بدّ أن هذين الرجلَين الماثلَين أمامهن كانا غريبَين عن أورشليم ولا يدريان ماذا جرى ويجري في هذه المدينة من مآس. ولكن، في الواقع، هذا السؤال هو سؤال تاريخي يتوجَّب على كل إنسان أن يواجه به نفسه. إن المسيح المصلوب الذي مات من أجل فدائنا، ودُفن في قبرٍ، لم يكن خاضعًا حقًا لحكم الموت، لأنه قام في اليوم الثالث بعد أن أنجز المهمة العظمى التي أُنيطت به، وبموته وقيامته صار مخلص العالمين. إنه لم يأتِ لينقذ أمة معيّنة من الاستعمار والعبودية ويترك بقيّة الأمم بلا رجاء. لقد جاء ليفتدي كل الأمم والشعوب ويحررها من الخطية؛ فالكتاب المقدس يقول إن الحرية الحقيقية هي الحرية التي مصدرها المسيح؛ هذه الحرية تتحقَّق بفكِّ أغلال الخطيئة، والتمتّع بنور المسيح. ورد في إشعياء 6:58 عن المسيح أنه يطلق "المسحوقين أحرارًا" وفي يوحنا 33:8 "إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا." إن العبيد الحقيقيين هم المغلولون روحيًا بقيود الخطيئة، وقد جاء المسيح ليحررهم ويخرجهم من الظلمة إلى النور.
وأخيرًا، إن قيامة المسيح من الأموات في اليوم الثالث هي ما يميّز المسيحية عن بقية الأديان. فقد أعلن المسيح للخليقة كلها: "أنا هو الطريق والحق والحياة." (يوحنا 6:14) وقال أيضًا: "أنا هو القيامة والحياة." (يوحنا 25:11). فأي كائن سواه يجرؤ على مثل هذا الادِّعاء؟
إن جميع مؤسسي الأديان قد ماتوا ومضوا في ركب الزمن كبقية الناس، ولكن المسيح هو وحده الذي غلب الموت بالموت، وانتصر بقيامته على قوى الشرّ وسيأتي ذلك اليوم المجيد الذي سيدين فيه الأحياء والأموات. إن ضريحه ما برح فارغًا، وسيظلُّ فارغًا إلى أبد الآبدين لأن المسيح بقيامته أمّن لكل مؤمن حقيقيّ به حياة أبدية لا يحظى بها رافضوه أو المتنكرون له.
عزيزي القارئ، لا تحاول أن تطلب الحيّ بين الأموات لأنك لن تجده وسيكون إيمانك باطلاً.

المجموعة: نيسان (إبريل) 2020