كان لفيلبس خدمة ناجحة في وسط جموع السامريين الغفيرة (أعمال 5:8-7)، لكنه ترك خدمته ليذهب إلى الطريق البرية التي تمتدّ بين أورشليم وغزة حسب إرشاد الرب لتنفتح أبواب الحبشة "أثيوبيا" أمام الإنجيل.

قد لا نفهم في البداية أين تقودنا خطة الله ولا سيما، بالنسبة إلى فيلبّس، كانت العلاقة بين اليهود والسامريين سيّئة جدًا. إلّا أنه اتبع أولًا خطة الله التي جمعته مع الوزير الحبشي. وثانيًا، بدأ المناقشة معه بما يتعلّق بنبوات إشعياء التي كان هذا الوزير مستغرقًا في مطالعتها. فشرح فيلبس للخصي كيف تمّم يسوع المسيح نبوات إشعياء.
لقد كان الخصي محرومًا من أن يكون مواطنًا من الدرجة الأولى (تثنية 1:23) وتنبأ إشعياء بأن الأمم والخصيان سينالون بركة (إِشعياء 3:56-5). ودار حوار بين فيلبس والخصي مما أثار عدة أسئلة يمكننا أن نتعلم منها نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور:

أولًا: "ألعلك تفهم ما أنت تقرأ؟"
القراءة نور والعقل يحفظك والفهم ينصرك "والفاهمون يضيئون كالجلد" لذلك "اعْكُفْ على القراءة والوعظ والتعليم... لاحظ نفسك والتعليم وداوم على ذلك، لأنك إذا فعلت هذا، تخلص نفسك والذين يسمعونك أيضًا." (1تيموثاوس 13:4 و16) اقرأ الفلسفة وتعلم من ماضيك قبل أن تفقد ما بنيته أو تتضارب مبادئك وقيمك، لكن لا تكن فيلسوفًا مُغاليًا فإن كثيرين ممن تفلسفوا اعتبروا الخلق الإلهي في سفر التكوين أسطورة ولم يقدموا نظرية ما عن أصل الإنسان والخليقة والحياة والخطية والموت. واقرأ علم النفس لكن إياك أن تصبح معقّدًا. اقرأ عن الأخلاق واسأل: هل أصبح الدين جزءًا من الأخلاق البالية بعد أن كانت الأخلاق جزءًا من الدين الصحيح والحياة الروحية؟ اقرأ في الكتب المقدسة عن الإيمان البسيط، والخلاص المجاني، وذبيحة الفداء والسلام الداخلي. كان الخصي يقرأ النبي إشعياء 53 "مثل شاة سيق إلى الذبح، ومثل خروف صامت أمام الذي يجزّه هكذا لم يفتح فاه. في تواضعه انتُزِع قضاؤه، وجيله من يخبر به؟ لأن حياته تُنتزع من الأرض." أي، إن المسيح المُتنبَّأ عنه عاش متواضعًا، وأخيرًا حُكم عليه بالموت الذي انتزعه من الأرض بسبب الضغطة ودينونة الخطية والفداء بطريقة لا يمكن وصف شر البشر وقسوتهم؛ إذ قاموا بقطعه من أرض الأحياء وصلبه، لكنه قام منتصرًا!

ثانيًا: "كيف أفهم إن لم يرشدني أحد؟"
تحدّث مبشر إلى صديق له، قال: اليوم كنت أخدم في اجتماع ضمّ الشيوخ والعجائز، فأي آية من الكتاب تظن كان موضوع كلامي؟ أجابه: "تعالوا إلىّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، وأنا أريحكم." قال له المبشر: لا. فقال له: "ويحدث أنه في وقت المساء يكون نور." (زكريا 14: 7) فقال المبشر: ولا هذه بل كانت: "ثم نحو الساعة الحادية عشر خرج ووجد (في السوق) آخرين... فقال لهم: اذهبوا أنتم أيضًا إلى الكرم..." (متى 6:20-7) إن إلهنا يؤسس الخدمة الروحية على دعامتين: أولهما، إعداد الخادم، فقد أعد الله خادمه فيلبس المبشر فذهب بإرشاد روح الله إلى عمله. قابل الله قبل أن يقابل وزير كنداكة. ثم الله يعدّ السامع، فلقد أعدّ الرب الخصي قبل إرسال فيلبس إليه، وفتح قلبه كقلب ليدية بياعة الأرجوان فقبلت الكلمة. إن لم يعدّ الله قلوب السامعين فباطلًا تعب خدامه. "ليس الغارس شيئًا ولا الساقي، بل الله الذي ينمي." (1كورنثوس 7:3) هناك أمور أخفاها الله عنا في حكمته إذ ليس من الضروري أن نعرفها. "ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والأوقات التي جعلها الآب في سلطانه." "لكنك ستفهم فيما بعد" (يوحنا 7:13)، وهناك أشياء لا يمكن أن نعرفها عن إلهنا لتصبح سببًا للحمد والتسبيح. "يا لعمق غنى الله وحكمته وعلمه! ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء." (رومية 33:11) وهناك أمور يجب أن نفهمها "هل من فاهمٍ طالب الله؟" (مزمور 2:14) لذلك، هل تعرّفت على الرب يسوع المسيح الذي أحبك... "وهو مجروح لأجل معاصينا، مسحوق لأجل آثامنا. تأديب سلامنا عليه، وبحبره شفينا." لقد صُلب يسوع "خارج المحلة". وكلمة "محلة" تذكرنا بما جاء في خروج 7:33 إذ بعد أن أقام الشعب العجل الذهبي وسجدوا له في روح وثنية طلب موسى من كل من يطلب الله أن يترك المحلة. وهكذا لنترك المحلة وندخل في رحاب العهد الجديد بدم المسيح (خروج 11:33؛ وعبرانيين 13:13).

ثالثًا: "عمّن يقول النبي هذا؟"
يعتقد البعض أنه لا علاقة للعهد القديم بالحاضر، أما فيلبس فقد قاد ذلك الرجل إلى الإيمان بيسوع المسيح مستخدمًا إشعياء 53 في العهد القديم "له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا." لقد بشّره بيسوع الذي مشى في طريق الاتضاع والآلام و "وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب." "كشاة تُساق إلى الذبح." (إشعياء 7:53) وعلى طريق المحبة "أحب المسيح الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها." إن يوحنا الحبيب يستعرض كمالات المسيح وأمجاده. ويبدأ من أزلية المسيح ثم تنازله في الزمان ظاهرًا في الجسد، وصُلب ومات، لكنه قام! هذا هو الإنجيل الكامل! ويكمّل بطرس الصورة حيث ينتهي بولس إذ يكتب عن انتهاء العالم الحاضر ويكلمنا عن السماء، والأرض الجديدة. إذن يوحنا وبولس وبطرس يعلنون مجد المسيح ثم ظهوره في ملكوته وفي مجده الأزلي "وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة ... لأن نفس الجسد هي في الدم." (عبرانيين 32:9؛ لاويين 11:17)
سأل مرة أحد خدام الله رجلًا كان لا يزال بعيدًا عن الإيمان: ألم تعرف المسيح؟ أجابه الرجل: إنني لا يمكن أن أنكر المسيح لأنني أراه كل يوم في زوجتي. إن اليهود الذين آمنوا بالمسيح وبدمه الكريم وكفايته للخلاص أرادوا الرجوع إلى الناموس مرة أخرى، فقال لهم بولس: لا تبقى لهم بعد ذبيحة عن الخطية، ولا يمكن تجديدهم أيضًا للتوبة إذ يصلبون ابن الله ثانية ويشهرونه (عبرانيين 6). كما قال لأهل غلاطية الذين عملوا نفس الشيء: "أنتم الذين أمام عيونكم قد رُسم يسوع المسيح بينكم مصلوبًا... أبعدما ابتدأتم بالروح تُكمَّلون الآن بالجسد؟" إن الذين يستهزئون بالصليب ودم الكفارة، اكتفاء بالآداب البشرية واحتقار التدبيرات الإلهية يحكمون على أنفسهم بالهلاك الأبدي.

رابعًا: ماذا يمنع أن أعتمد؟
عندما بشّر فيلبس الخصي بيسوع، تحدّث عن موته ودفنه وقيامته، واقتربا من ماء فطلب الوزير أن يعتمد. "ولما صعدا من الماء" - أي أن المعمودية كانت بالتغطيس وبالغمر على يد شهود ومرافقي سيدهم - إنه اعتمد على أساس اعترافه بالمسيح واقتناعه الشخصي. ليست المعمودية شرطًا للخلاص "من آمن واعتمد خلص، ومن لم يؤمن يدَنْ." لذلك في يوم الخمسين واهتداء شاول أتت المعمودية بعد اختبار غفران الخطايا، كان الكلام في الحالتين موجهًا لليهود ليتبرأ علانية من ارتباطهم بالأمة اليهودية التي رفضت وصلبت المسيح، ولإيمانه بالمسيح لا بالمعمودية. وكانت المعمودية باسم الرب يسوع المسيح، أي بسلطان الرب يسوع، وهي "المعمودية سؤال ضمير صالح بقيامة يسوع المسيح من الأموات"، وباسم الثالوث الأقدس.
"خطف روح الرب فيلبس"، فهل نتوقع مثل هذه المعجزات اليوم إن كان يسوع هو هو أمسًا واليوم وإلى الأبد؟ ولمَ لا؟ أوَكانت هذه المعجزات لأيام الكنيسة الأولى فقط؟ إن المعجزات ترجع إلى التدبير الإلهي، والله إله التنوّع المطلق غير المحدود، وحياتنا مرتبطة بقوة فائقة غير محدودة، لذلك يد الله تتدخّل بشكل عجيب في الظروف التي حولنا. إننا اليوم نختبر أحداثًا تقع خارج نطاق القوانين والاحتمالات الطبيعية، فالله يفتح أبوابًا استجابة للصلوات وشفاء الأمراض الجسدية والمآسي الصعبة. بعد كل هذا ألا تؤمن أن الحياة المسيحية حياة في المستوى غير الطبيعي والله هو إله المستحيلات "لتكن مشيئتك... يا رب، زدْ إيماننا".

وكلّما ذكرت كيف ربي    قد بذل ابنه عن الخطاة
بموته أزال كل ذنبي      وردّني للسير في رضاه
نفسي تغني يا مخلصي،    ما أعظمك! ما أعظمك!

المجموعة: نيسان (إبريل) 2020