القس رسمي إسحقبينما كنت أقرأ الأصحاح العاشر من سفر التكوين - وكنت قد قرأته عشرات المرات من قبل - إلا أنني في هذه المرة توقّفت عند العدد 25 الذي يقول:

"ولعابر وُلد ابنان: اسم الواحد فالج لأن في أيامه قُسمت الأرض. واسم أخيه يقطان."
فلجأت إلى قاموس الكتاب المقدس لمعرفة ماذا يعني كل اسم من هذين الاسمَين، فوجدت أن معنى اسم "فالج" هو تقسيم، ومعنى اسم يقطان هو يقظان. وبعد تفكير تخيّلت أن "فالج ويقظان" قد يكونان معًا في البيت أو في الكنيسة. ولا بد أن يكون أحدهما أكثر تأثيرًا على الآخر.
فإذا وُجدا معًا في البيت وكان فالج هو الأكثر تأثيرًا ينقسم البيت على ذاته. وإذا كان التأثير الأكبر ليقطان يكون البيت مستيقظًا ولا ينقسم. وكذلك الأمر إذا وُجدا في الكنيسة. وآنئذٍ أيهما يكون الأكثر تأثيرًا؟ يبدو لي، كما أرى في بعض الكنائس، أنه عندما يكون التأثير الأكبر لفالج تنقسم الكنيسة، وهذا أكبر شرٍّ يصيب الكنيسة، لكنني أصلي أن يكون دائمًا التأثير الأكبر ليقطان فتُحفظ الكنيسة من الانقسام. وسأتحدث في كلمتين:

أولاً: فالج والتقسيمات المُرّة
"في أيامه قُسِمت الأرض." (تكوين 25:10)
قبل وجود فالج كانت الأرض واحدة، ولكن بوجوده حدث تقسيم الأرض... في وجوده في الكنيسة تنقسم الكنيسة. والسؤال هو لماذا تحدث الانقسامات في الكنيسة؟
تحدث الانقسامات في الكنيسة لعدة أسباب:

1- وجود انتماءات شخصية: واحد ينتمي لشخص، وآخر ينتمي إلى شخص آخر كما حدث في كنيسة كورنثوس. "واحد يقول: [أنا لبولس] وآخر: [أنا لأبلّوس.]" وثالث يقول: أنا لصفا؛ ورابع يقول: أنا للمسيح. وكم أحب هذه الفئة التي تنتمي للمسيح! ليت كل واحد في الكنيسة ينتمي للرب يسوع!
حدث انقسام في مجمع إحدى الطوائف لانتماء البعض لشخص شاب مرشح للرئاسة وانتمى آخرون لشخص كبير. وكان لكل واحد وجهة نظره... المنتمون للشاب قالوا: أمامه من العمر الطويل وسيخدم الرب أكثر. والمنتمون للشيخ قالوا: إنه شخص محنك وخبير. ولما نجح الشيخ خرج المنتمون للشاب وأسّسوا طائفة جديدة.

2- الكبرياء والأنانية: "ديوتريفس" المذكور في 3يوحنا 9 "الذي يحب أن يكون الأول بينهم" هو مثال سيّئ مع كل أسف. كان تأثيره قويًا؛ يتهكّم ولا يقبل أحدًا لا خادم ولا أناس جدد يريدون الانضمام إلى الكنيسة. واحد يقول: كرامتي جرحت... هل ستدافع أنت عن كرامتك أم يدافع المسيح عنها؟ أيهما أفضل؟

3- الأحقاد الداخلية: يتحدث الكتاب كثيرًا عن المحبة ودورها الفعال في حفظ وحدانية الكنيسة. أُحبُّ كثيرًا قول الرسول بولس: "أما المحبة الأخوية فلا حاجة لكم أن أكتب إليكم عنها، لأنكم أنفسكم متعلمون من الله أن يحب بعضكم بعضًا."
"بهذا يعرف الجميع أنكم تلاميذي: إن كان لكم حب بعضًا لبعض." فإذا وُجدت المحبة تحفظ وحدانية الكنيسة. ولكن الأحقاد تهدّد سلامة الكنيسة ووحدتها.

4- الغيرة الجسدية: تعيّن أحد خدام الرب مدرسًا لإحدى اللغتين اللتين كُتب بهما الكتاب المقدس لأنه كان يجيدهما. فقال آخر: "لماذا لا أكون مدرسًا لهذه اللغة؟" فسألوه: "هل أنت تجيد هذه اللغة؟" فقال: "لا. ممكن أتعلمها من الكومبيوتر." تقول كلمة الله: "حسنة هي الغيرة في الحسنى كل حين."

5- فرض الآراء بالقوة الجبرية: في حالة النقاش في أمر خاص في مجلس الكنيسة مثلاً، تختلف الآراء لأن كل شخص يرى الأمر من زاوية معينة، ولكن فجأة يخرج شخص ويدّعي أن رأيه هو الأفضل ويفرض رأيه على الآخرين. ولكن لو كان الرأي مشاركة ويحدث تصويت على الآراء بالاقتراع السري، ويُعمل بالرأي الذي حصل على الأغلبية فذلك خير للكنيسة.
6- الرسائل المنبرية: ولم أقل العظات، لأن العظات تبني، أما الرسائل فيدخل فيها التعصّب والتفسيرات الخاصة فيجد الخادم فرصة للتجريح والتشهير، بل فرصة للانتقام من البعض.
الانقسام ينتج عنه العار، والعثرات، والانهيار والدمار.

ثانيًا: يقطان واليقظة المستمرة
قلت: إن معنى اسم "يقطان" هو يقظان. اليقظة المستمرة في الكنيسة تحافظ على وحدتها.

1) اليقظة المستمرة للسير حسب المبادئ الكتابية:

المبدأ الأول: "لا يطلب أحد ما هو لنفسه، بل كل واحد ما هو للآخر."

المبدأ الثاني: "لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء، بل أعطوا مكانًا للغضب... فإن جاع عدوك فأطعمه. وإن عطش فاسقه... لا يغلبنّك الشر بل اغلب الشر بالخير."

المبدأ الثالث: "كما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا أنتم أيضًا بهم."

2- المسامحة القلبية: هناك فئة تتظاهر بأنها سامحت، لكن الذي ما في القلب ما زال في القلب.
جلست مرة مع عضو في الكنيسة كبير السن، وكنت قد فرغت لتوّي من التحدث عن الغفران للآخرين، فقال لي: أنا نفّذت كلام الكتاب وسامحت شخصًا أخطأ في حقي، أنت تعرف فلان؟ قلت: نعم أعرفه. فقال: لقد أساء لي إساءة بالغة! فقاطعته وقلت له: آسف. لأنك لم تسامحه من قلبك لأنك لو كنت قد سامحته من قلبك لما كان لك أن تتذكر إساءته.

3- حياة التواضع الحقيقية: قد يتظاهر أحدهم بالوداعة ويتصنّع التواضع... يجب أن يكون تواضعه حقيقيًّا كتواضع الرب يسوع الذي قال: "تعلّموا مني، لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم." وقال أيضًا: "أن ابن الإنسان لم يأتِ ليُخْدَم بل ليَخْدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين."
قال الرسول بولس الرجل العظيم: "وآخر الكل كأنه للسقط ظهر لي أنا. لأني أصغر الرسل، أنا الذي لست أهلاً لأن أُدعى رسولاً."
"فتواضعوا تحت يد الله القوية لكي يرفعكم في حينه."

أصلي لكي يختفي "فالج" في كل بيت وفي كل كنيسة، وأن يُكثر الرب من "يقطان" الذي يحفظ وحدانية البيت ووحدانية الكنيسة.

المجموعة: كانون الثاني (يناير) 2020