تعتبر حادثة التّجلّي (بشارة متّى1:17-13) من أهم الحوادث التي دوّنتها لنا الأناجيل بعد حادثتَي ولادة المسيح المعجزية وقيامته الظافرة.

لأن الله أعلن من خلال هذه الحادثة وبشكل حيّ وملموس للتلاميذ الثلاثة المقرّبين من الرب يسوع المسيح - بطرس ويعقوب ويوحنّا، عن أمرين مهمين:

1) حقيقة المجد الذي سيحصل عليه المسيح بعد قيامته الظافرة من بين الأموات وصعوده حيًّا إلى السماء.
2) وأنه هو الوحيد الذي يجب أن يُسمع له. فلا موسى الذي يمثّل الناموس، ولا إيليا الذي يمثّل الأنبياء يُسمع لهما بعد اليوم. أي انتهى عصر الناموس وعهد الأنبياء وأتى عصر المسيح، عصر ملكوت الله. وتمّت بذلك كل مواعيد الله للشعب في القديم بمجيء المسيح وإعلان خلاص الله.
ولنلاحظ توصية المسيح لتلاميذه أن لا يُخبروا أحدًا بما رأوه حتى يقوم ابن الإنسان من الأموات. ويعتقد معظم المفسرين أن المسيح عرف أنهم لم يدركوا تمامًا ما حصل. لكن هذا الأمر أي حقيقة المسيح الممجدة ستتضح لهم بعد قيامته من بين الأموات.
ويبدو أن الرسول بطرس حفظ السر، إلى أن دوّنه لنا بكلماته الخاصة في الأصحاح الأول من رسالته الثانية، الأعداد 12-21، كشاهد عيان لما حصل في حادثة التّجلي. سأتحدث الآن عن ثلاثة أمور:

أولًا: وصف الرسول بطرس لحادثة التّجلّي

لقد استوعب الآن الرسول بطرس بعد قيامة المسيح المجيدة، ليس حقيقة قوّة الرب يسوع ومجيئه فحسب، بل قد كان شاهد عيان على مجده. فهو شاهد بعينيه، وسمع بأذنيه، وكان في الجبل المقدّس، وفي زمان محدد، وكان بكامل الوعي. فهذا أمر لا يحتاج إلى برهان، أو حتى إيمان، لأنه رأى مجد المسيح في العيان. إنه واقع عاشه شخصيًا. وبذلك اكتملت قاعدة الخبر الصحفي الصحيح. الزمان والمكان وشهود العيان.

ثانيًا: الخرافات المصنّعة

قال الرسول بطرس: «لأننا لم نتبع خرافات مصنّعة» أي من صنع البشر. هناك فرق كبير بين الحقيقة والخرافة أو الأسطورة. وكل منّا يرغب في معرفة الحقيقة. لكن لماذا أكد الرسول بطرس: أننا لم نتبع خرافات مصنّعة؟ 1- لأنه اختبر كما ذكرت حادثًا واقعيًا، ليس فيه أية خرافة. 2- لأن خرافات كثيرة كانت موجودة لدى الناس في أيامه، إن كان لدى اليهود أو الوثنيين. 3- لأن كل البشر معرّضون للخرافات. وكل شخص منّا يحمل في ذهنه بعض الخرافات. فلكل منّا خلفيته من ناحية التربية والثقافة، ويتأثر بالمجتمع المحيط به.
لكن ما هي الخرافة أو الأسطورة؟ الخرافة هي الاعتقاد أو الفكرة القائمة على مجرد تخيلات دون وجود سبب عقلي أو منطقي مبني على العلم والمعرفة. وترتبط الخرافات بفلكلور الشعوب، حيث أن الخرافة عادة ما تمثل إرثًا تاريخيًا تتناقله الأجيال. وهو معتقد لا عقلاني أو ممارسة لا عقلانية. وتنتشر الخرافات بشكل خاص بين الشعوب الوثنية والمتخلفة.
والخرافات قد تكون دينية أو ثقافية أو اجتماعية أو حتى شخصية. ومن الخرافات الثقافية أو الاجتماعية إيمان كثير من الناس مثلًا: بأن الخرزة الزرقاء تبعد الشر، وبأن حذوة الفرس مجلبة للخير، وتشاؤمهم من الرقم 13، وغيرها الكثير من الأمور.
لكن، هل هناك من خرافات دينية دخلت إلى المسيحية؟ مع الأسف نعم. وهذا ما حذّرنا منه الرسل الأوائل. كتب الرسول بولس إلى تيموثاوس قائلًا: "وأمّا الخرافات الدنسة العجائزية فارفضها، وروّض نفسك للتقوى." (1تيموثاوس7:4) فما هي هذه الخرافات والأساطير الدينية؟ عرّف لاماركين الخرافات الدينية (وقد نشر كتابًا عن هذا الموضوع) للإشارة إلى الأشخاص الذين يستمرون في الإيمان بحادث أو ظاهرة خارقة، حتى ما بعد ثبوت عدم صحتها. واعتبر ذلك أساسًا في نجاح العديد من المشعوذين الذين يدّعون التواصل الروحي. وأيضًا بأثر عين الحسود، والأحجبة التي يستخدمها البعض ضد الآخرين، أو لحفظهم من الشيطان والحسد.
وهنا أتطرّق إلى العرافة والعرّافين، والرقيّة (مثل الأحجبة)، المنجّمون والتنجيم، فتح البخت، قراءة الكف والفنجان، سؤال الجان والتوابع، تحضير الأرواح، وأعمال السحر والشعوذة وغيرها الكثير. وواضح من العهد القديم تحذيرات الله المتكررة لشعبه من كل هذه الأمور التي كانت تمارسها الشعوب الوثنية من حولهم، ولقد جلب عليهم الدينونة بسببها. مع العلم أن الناس تدفع أموالًا طائلة لمثل هذه الأمور. وقد نُشرت تقارير صحفية حولها.
وهنا أقول أنه كما يوجد سياسة شعبيّة، هناك أيضًا دين شعبيٌّ، يدغدغ عواطف الناس ويلعب بمشاعرهم، ويسمح لهم بممارسة الخرافات. فيظنون أنهم يرضون الله. فلا داعي لهم للتوبة، بل الاعتماد على أعمالهم الصالحة. ونحن علينا كما نصح الرسول بولس تيموثاوس لا أن نرفض الخرافات الدنسة العجائزية فقط، بل أن نروّض أنفسنا للتقوى. أي نتبع الإيمان الحقيقي بالله، وطريق الصلاح بواسطة البر الذي يهبه الله للمؤمن. فهل ترانا ننتبه لهذه الأمور وننقّي نفوسنا من أية خرافة أو تعليم فاسد يبعدنا عن طريق الحق؟

ثالثًا: العلاقة التي وضعها الرسول بطرس بين حادثة التّجلّي وكلمة الله

قال الرسول بطرس: "ونحن سمعنا هذا الصوت مقبلًا من السماء إذ كنا معه في الجبل المقدس". لكنه لم يتوقف هنا بل تابع قائلًا: "وعندنا الكلمة النبوية، وهي أثبت، التي تفعلون حسنًا إن انتبهتم إليها.» وفي ترجمة أخرى نقرأ: "وهكذا صارت الكلمة النبوية أكثر ثباتًا عندنا." إن الكلمة النبوية التي أشار إليها الرسول بطرس هنا، هي كتب العهد القديم التي كانت موجودة في زمانه. لهذا دعانا لكي نعتبر كلمة الله هي الأساس في إيماننا. فهي أثبت حتى من هذا المشهد المجيد الذي اختبره هو شخصيًا. هذا المشهد الذي أكّد له صحة الكلمة النبوية، فأصبحت أكثر ثباتًا. وبكلمة أخرى علينا ألا نعتمد في إيماننا على أي حادث حصل معنا، أو رؤيا شاهدناها، أو حتى عجيبة حصلت لنا. لكي لا ننساق وراء مشاعرنا وعواطفنا التي تتبدل بسهولة.
إن أساس إيماننا هو كلمة الله وليس ما نمر به من اختبارات معينة، مع العلم أن هذه الاختبارات قد تشجعنا إلى حين. وعندنا اليوم العهدان القديم والجديد لكي نستند إليهما. مع التأكيد أن العهد الجديد هو الذي يفسّر لنا نبوءات العهد القديم.
ثم تابع الرسول بطرس حديثه عن الكلمة النبوية فقال: "التي تفعلون حسنًا إن انتبهتم إليها، كما إلى سراج منير في موضع مظلم، إلى أن ينفجر النهار ويطلع كوكب الصبح في قلوبكم." إن كلمة الله هي كالسراج المنير في موضع مظلم. إن العالم مليء بالظلمة، وكلمة الله اليوم هي النور الذي ينير حياتنا، فيجعلنا نورًا للعالم. ولهذا عندما نسلك على ضوء كلمة الله ينفجر النهار، أي تسطع الشمس في قلوبنا، ويتمجّد المسيح بالتالي في حياتنا.
لهذا صلّى الرسول بولس للمؤمنين في أفسس قائلًا: "كي يعطيكم إله ربنا يسوع المسيح، أبو المجد، روح الحكمة والإعلان في معرفته، مستنيرة عيون أذهانكم، لتعلموا ما هو رجاء دعوته، وما هو غنى مجد ميراثه في القديسين، وما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين، حسب عمل شدّة قوته." (أفسس17:1-19) فهل ترانا نتغذى بكلمة الله يوميًا؟ ونعتمد عليها في حياتنا وسلوكنا اليومي؟ وليس على اختباراتنا ومشاعرنا؟ وهل نرفض الخرافات والأساطير التي قد تحاول الدخول إلى حياتنا وأفكارنا؟ وهل نلجأ إلى كلمة الله لكي تكشف لنا التعليم الصحيح من التعليم الخاطئ أو الضال؟

المجموعة: كانون الثاني (يناير) 2020