«اِسْهَرُوا. اثْبُتُوا فِي الإِيمَانِ. كُونُوا رِجَالاً. تَقَوَّوْا.” (1كورنثوس 13:16)
النوم الروحي هو الأمر الأكثر خطورةً على حياة المؤمن

لأنه يحمل رسالة حيوية وهامة تسلَّمها من الرب لتوصيلها إلى بشرٍ هم في شديد الاحتياج إليها. غير أنّ عدوّ كلَّ خيرٍ وكلَّ برّ يقف بالمرصاد لحاملي الرسالة ويريد أن يعطلهم عن تبليغ الرسالة لمستحقيها. هذا يذكرني بيونان الذي حمّله الرب برسالةٍ خطيرة إلى مدينة نينوى التي وصفها الكتاب «المدينة العظيمة نينوى.» ولكنه هرب وذهب إلى ترشيش في سفينة، ونزل إلى جوفها ونام نومًا ثقيلاً. ولست أدري كيف داعب النوم جفنتَيْهِ وهو هاربٌ من الرب القادر على كل شيء.
تخيَّلت لو أن رئيسًا للدولة كلّف أحدَ موظفيه لتبليغِ رسالة خاصة سرّية لرئيس دولة أُخرى، ألا يضع الرسالة في مكانٍ أمينٍ ويظلّ مستيقظًا حتى يسلّمها لمن أُرسلت له؟ هل يمكن أن يضعها بجواره ويتثقَّل بالنوم فيأتي عدوُّ البلدين ليأخذ الرسالة ويعرف أسرارها، ويحاول باذلاً قصارى جهده في العمل ضدّها؟
أقول لكل من يحمل رسالة المسيح: استيقظْ! كنْ ساهرًا! احرصْ على تأدية المسؤولية على الوجه الأكمل. ولي معكم كلمتين:


أولاً: اليقظة الروحية وأهميتها
1- إنها أمر كتابي
«اسهروا وصلّوا لئلّا تدخلوا في تجربة.»
«اسهروا. اثبتوا في الإيمان. كونوا رجالاً. تقوّوا.» «كن ساهرًا وشدِّد ما بَقِي.» «لنسهر ونصحُ. لأن الذين ينامون فبالليل ينامون.»
«فلنصحُ لابسين درع الإيمان والمحبة، وخوذة هي رجاء الخلاص.»
2- لأننا في عالمٍ معرّضٍ للأخطار
نحن في سفينة في البحر عرضة لحدوث نوءٍ شديد. رياح وزوابع وأعاصير تُهيجُ علينا الأمواج. كما حدث للسفينة التي استقلّها التلاميذ. كانت تسير بسلاسة وفجأة هبَّت الرياح والأعاصير وأثارت البحر فماج وكانت أمواجه تلاطم السفينة. علينا أن نستيقظ ونصرخ لإلهنا: «أما يهمّك أننا نهلك؟»
3- لأن أعداءَنا ساهرين يقفون لنا بالمرصاد
يوصي الرسول بطرس المؤمنين قائلاً: «اصحوا واسهروا. لأن إبليس خصمكم كأسدٍ زائرٍ، يجول مُلتمسًا من يبتلعه هو. فقاوموه، راسخين في الإيمان.» كيف نقاومه ونحن نيام؟
وليس الشيطان عدوّنا فقط بل هناك الجسد والعالم... ولو نمنا لأتحنا لأعدائنا فرصة للانتصار علينا.
4- لأننا لا نعلم في أي وقت يأتي ربنا
يقول الرب: «اسهروا إذًا لأنكم لا تعلمون في أية ساعة يأتي ربكم.»
ومرة أخرى يقول: «انظروا! اسهروا وصلّوا، لأنكم لا تعلمون متى يكون الوقت.» «اسهروا إذًا، لأنكم لا تعلمون متى يأتي رب البيت، أمساءً، أم نصف الليل، أم صياح الديك...»
زار شخص صديقه في إيطاليا، وفي أثناء مسيرهما رأى الزائر فيللّا وأُعجب بها جدًا، ووقف مذهولاً. فقال صديقه: هذه فيللاّ صديقي، يمكننا أن ندخلها. ولما فتح العامل باب الفيللّا رأى الضيف شيئًا لم يره من قبل. رأى نظافة وترتيبًا تامًا. فقال للعامل: لا بد أن سيدك يتعامل معك بالشدّة حتى أنك تقوم بهذا العمل. فقال له: سيدي سافر من 25 سنة. وقال: إنه سيرجع ولست أعلم متى يعود. فأقوم بهذا العمل حتى إذا جاء فجأة يجد كلَّ شيءٍ على ما يُرام.
5- لأننا أبناء نهار
«أما أنتم أيها الإخوة فلستم في ظلمةٍ حتى يدرككم ذلك اليوم كلصّ. جميعكم أبناء نور وأبناء نهار. لسنا من ليل ولا ظلمة. فلا ننم إذًا كالباقين... لأن الذين ينامون فبالليل ينامون، والذين يسكرون فبالليل يسكرون. وأما نحن الذين من نهار، فلنصحُ لابسين درع الإيمان والمحبة، وخوذة هي رجاء الخلاص.»
6- لأن وقت الاستيقاظ قد حان
«هذا وإنكم عارفون الوقت، أنها الآن ساعة لنستيقظ من النوم، فإن خلاصنا الآن أقرب مما كان حين آمنّا. قد تناهى الليل وتقارب النهار، فلنخلع أعمال الظلمة ونلبس أسلحة النور. لنسلك بلياقة كما في النهار: لا بالبطر والسكر، لا بالمضاجع والعهر، لا بالخصام والحسد.»

ثانيًا: المستيقظ روحيًا ومميزاته
1- لا يقبل مجدًا من الناس
بعض الناس سواء كانوا خدامًا أم مؤمنين يحبون أن يسمعوا مديحًا وإطراء...
أعرف خادمًا يقول بعد أن يؤدّي الرسالة: لعلّي أكون قد وُفِّقت في توصيل رسالة اليوم... إنه يريد أن يسمع كلمات مديح! ولكن الإنسان المستيقظ متمثّل بسيده الذي قال: مجدًا من الناس لست أَقبل... اندهشت جدًا عندما سألني أحد الخدام: ما رأيك في رسالة اليوم؟
2- يعمل بنشاط وبجدّ
المستيقظ يكون شعلة من النشاط، يواصل ليله بنهاره في العمل. يعجبني بولس الرسول الذي قال: «ليلاً ونهارًا لم أفترْ عن أن أُنذر بدموعٍ كل واحد.» وقال عندما قربت حياته على الانتهاء: «قد جاهدت الجهاد الحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان، وأخيرًا قد وُضع لي إكليل البر، الذي يهبه لي في ذلك اليوم، الرب الديان العادل، وليس لي فقط، بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضًا.»
3- لا ييأس ولا يفشل أبدًا
لا يتعرّض أبدًا للفشل. الإنسان المستيقظ يقول بملء شدقيه: «لأن الله لم يعطنا روح الفشل، بل روح القوة والمحبة والنصح.»
بعد إصعاد إيليا في المركبة، أخذ أليشع ثياب إيليا ولفّه وضرب به النهر ولم ينشقّ النهر... ثم عاود العمل مرة أخرى ونجح نجاحًا عظيمًا.
4- يفرح دائمًا ويتهلّل
المستيقظ والساهر هو دائمًا فرحان. فرحان بالرب ويستمدّ فرحه من الرب. ما حدِّش يقدر أن ينزع فرحه! «ولا ينزع أحد فرحكم منكم.» يفرح فرحًا كاملاً.
كان أحد المؤمنين الساهرين، إذا أمسك كتاب ترنيم أو الكتاب المقدس أو أي كتاب ديني يقول بفرح: هللويا! ثم مرة رفع بعض الأشخاص من أمامه كل كتاب يختصّ بالدين ووضعوا مكانه كتاب جغرافيا. ثم أمسك الكتاب وفتحه وقال: «هللويا».
فسألوه: لماذا تهلِّل؟ قال: وجدت أمامي البحر الأبيض المتوسط وده ذكّرني بالبحر اللي طرح الرب فيه خطاياي.
5- في النهاية سيكافئ ويكلّل
وأخيرًا وُضع لي إكليل البر. سيلبس إكليل الحياة وإكليل المجد، وإكليل البر. السهران سيسمع الصوت:
«تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملكوت المعدّ لكم منذ تأسيس العالم.» وكل ما يحصل عليه المؤمنون من أكاليل سيطرحونها عند قدمي الرب المستحق لكل مجد وكرامة.
فهل أنت مستيقظ؟ أم نائم؟ إن كنت نائمًا استيقظ لئلّا يأتي الرب وأنت نائم كما حدث في مثل العذارى الحكيمات والجاهلات. «جاء العريس، والمستعدات دخلن معه إلى العرس، وأُغلق الباب.»

المجموعة: حزيران (يونيو) 2020