قال الرب يسوع ابن الله القدوس، المذّخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم، الذي أحبنا وأسلم نفسه للموت لأجلنا، وأعطانا نصائح ثمينة

لمجد اسمه ولبركة نفوسنا. ولذلك يجب أن نصغي إليه جيدًا ونطيعه بدون تردّد. قال تعالى وتبارك اسمه: «تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيليّ الأحمال، وأنا أريحكم. احملوا نيري عليكم وتعلّموا مني، لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم. لأن نيري هيّن وحملي خفيف.» (متى 28:11-30)
كان النير قديمًا يوضع على العبد مشيرًا إلى الطاعة الكاملة الواجبة عليه نحو سيده. ثم أصبح يشير إلى سير اثنين معًا بتوافق في نفس الطريق فلا يسبق أحدهما الآخر. ولذلك كان يوضع على ثورين يحرثان الحقل معًا. قال عاموس: «هل يسير اثنان معًا إن لم يتواعدا (أي يتوافقا)؟» (عاموس 3:3)
بعد أن قال المسيح هذه الكلمات قال أيضًا: «وتعلّموا مني، لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم. لأن نيري هيّن وحملي خفيف.» وموضوعنا في هذا المقال هو الوداعة والتواضع.
إننا نجد أهمية الوداعة والتواضع واضحة بصورة قوية في العهد القديم والعهد الجديد.

أولاً – في العهد القديم
1- الكبرياء كانت سبب سقوط إبليس الذي قيل عنه في إشعياء 13:14 «وأنت قلت في قلبك: أصعد إلى السماوات. أرفع كرسيّي فوق كواكب الله... أصير مثل العليّ. لكنك انحدرت إلى الهاوية، إلى أسافل الجب.» (اقرأ إشعياء 12:14-17) وفي حزقيال 28 يشير الروح القدس أيضًا إلى سقوط إبليس نتيجة لكبريائه.
2- لما كان داود يغنّي ويرقص فرحًا عند إدخال تابوت الرب إلى مدينة داود، أشرفت زوجته ميكال بنت شاول من الكوة فاحتقرته في قلبها، وقالت له: [ما كان أكرم ملك إسرائيل اليوم، حيث تكشّف اليوم في أعين إماء عبيده كما يتكشّف أحد السفهاء.] فقال لها: [إني أتصاغر دون ذلك وأكون وضيعًا في عينَي نفسي.» ويعلّق الروح القدس: «ولم يكن لميكال بنت شاول ولدٌ إلى يوم موتها.» فمن الواضح أن الكبرياء أساءت إلى العلاقة الزوجية. (2صموئيل 6)
3- الملك عزّيّا كان ابن ستة عشر سنة حين صار ملكًا على يهوذا، أي المملكة الجنوبية، وعمل أعمالًا عظيمة كثيرة مدوّنة لنا في أخبار الأيام الثاني 26، «وامتدّ اسمه إلى بعيد... حتى تشدّد. ولما تشدّد ارتفع قلبه» إلى الهلاك... ودخل هيكل الرب ليوقد... الأمر الذي لم يكن مسموحًا للملوك بل للكهنة. فضربه الله بالبرص، وكان أبرص إلى يوم وفاته وسكن في بيت البرص إلى أن مات، ودُفن.» اقرأ التفاصيل في سفر أخبار الأيام الثاني 26)
4- هناك أمثلة كثيرة أخرى عن مقاومة الله للمستكبرين، ولكن سنتكلم الآن عن ملكٍ شرير، بل يمكننا أن نقول إنه كان أشرّ ملوك إسرائيل، وهو أخآب الذي يقول عنه الوحي المقدس: «ولم يكن كأخآب الذي باع نفسه لعمل الشر في عيني الرب... ورجس جدًا بذهابه وراء الأصنام.» (1ملوك 25:21-26) أخآب هذا لما سمع من إيليا عن العقاب المعدّ له، تواضع وشقّ ثيابه وجعل مسحًا على جسده وصام. فكان كلام الرب إلى إيليا قائلاً: «هل رأيت كيف اتّضع أخآب أمامي؟ فمن أجل أنه قد اتّضع أمامي لا أجلب الشر (على الأمة) في أيامه، بل في أيام ابنه.» فتواضعه خفّف العقاب، لكن هذا طبعًا لم ينقذه من العقاب الأبدي (اقرأ 1ملوك 21). حقًا إلهنا رحيم، حتى في الغضب يذكر الرحمة (حبقوق 2:3).

ثانيًا - في العهد الجديد
أما العهد الجديد فموضوعه الأساسي هو الرب يسوع المسيح الذي هو المثال الأعلى في الوداعة والتواضع، لذلك نجد في العهد الجديد نصائح كثيرة وتحريضات عديدة على حياة الوداعة والتواضع لنكون متمثّلين به في كل شيء. لذلك سنقتبس الآن بعض ما جاء في العهد الجديد عن الوداعة والتواضع:
1- لما أراد الرسول بولس أن يصلح بعض الأخطاء عند مؤمني كورنثوس، افتتح كلامه بالقول: «أطلب إليكم بوداعة المسيح وحلمه.» (2كورنثوس 1:10) يا له من درسٍ قويٍّ ونافع لخدام الرب حين يعالجون بعض المشاكل في الكنيسة المحلّية ويحاربون الثعالب الصغار المفسدة للكروم!
2- حين كتب إلى المؤمنين في كنائس غلاطية عن ثمار الروح ذكر «الوداعة والتواضع» (غلاطية 23:5).
3- وحين حرّض المؤمنين الروحيين في غلاطية على مساعدة من زلّت قدماه قال: «أيها الإخوة، إن انسبق إنسان فأُخذ في زلّة ما، فأصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة، ناظرًا إلى نفسك لئلا تُجرَّب أنت أيضًا.» (غلاطية 1:6)
4- إذ يشجّع الرسول بولس المؤمنين في أفسس على الحياة الفضلى يقول:
«فأطلب إليكم، أنا الأسير في الرب: أن تسلكوا كما يحقّ للدعوة التي دُعيتم بها. بكل تواضع، ووداعة، وبطول أناة، محتملين بعضكم بعضًا في المحبة.» (أفسس 1:4-2)
5- حين نصح بولس تيموثاوس ضدّ محبة المال، قال:
«وأما أنت يا إنسان الله فاهرب من هذا، واتبع البِرَّ والتقوى والإيمان والمحبة والصبر والوداعة.» (1تيموثاوس 11:6)
6- وفي 2تيموثاوس 24:2-25 يقول إن عبد الرب يجب أن يكون مترفقًا بالجميع وصبورًا «مؤدِّبًا بالوداعة المقاومين، عسى أن يعطيهم الله توبة لمعرفة الحق.»
7- وإلى تيطس كتب يقول: «ولا يطعنوا في أحد، ويكونوا غير مخاصمين، حلماء، مظهرين كل وداعة لجميع الناس.» (تيطس 2:3)
8- ويعقوب يحرضنا أن نقبل بوداعة الكلمة المغروسة (أي كلام الرب) القادرة أن تخلص نفوسنا (يعقوب 21:1).
وهناك تحريضات أخرى كثيرة بهذا الخصوص لا يسعنا المجال أن نتكلم عنها كلها. وخلاصة القول هي:
إن الوداعة والتواضع هما ضد طبيعتنا البشرية، لذلك علينا أن نحرص على تتميم هذه النصائح الثمينة. لأنه بدون الوداعة والتواضع لن نكون نافعين في خدمة الرب. بل قد نسبب ضررًا أكثر من الفائدة. فنحن نحتاج لأن نسكب قلوبنا أمامه طالبين أن يحفظنا من الكبرياء أو الافتخار. بل نتعلم من سيدنا وحبيبنا يسوع المسيح الوديع والمتواضع القلب – له كل المجد، آمين.

المجموعة: حزيران (يونيو) 2020