قيامة الأجساد
إن الاعتقاد بعدم إمكانية قيامة الأموات لتعارضها مع القوانين العلمية هو عقيدة

تجريدية غيبيّة، وليس حقيقة علميّة.
العِلم يُقدّم تفاسير طبيعية للحوادث الطبيعية، ولا هدف له أو قدرة على تأكيد عدم وجود أي شيء خارج أو فائق للطبيعة. يقول الرسول بولس عن نوع الجسد الجديد المُقام من الموت: «هكذا أيضًا قيامة الأموات: يُزرع في فسادٍ ويُقام في عدم فساد.» (1كورنثوس 42:15)
يصف الدكتور ألبان دوجلاس في كتابه «مئة درس في الكتاب المقدس» هذا الجسد الجديد بالتالي: «الجسد الميت هو مثل بذرة تُزرع في الأرض. ويكون النبات نفسه مختلفًا عن البذرة التي تمّت زراعتها. فالجسد الأعرج أو الكسيح أو المحترق عند الموت، لن يكون كذلك في القيامة. هذا الجسد سينمو وينضج مثل الأجساد الأخرى. فلن يوجد هناك مسنٌّ، أو مشوَّه، أو كسيح، أو قبيح في السماء. إنه جسم يعطيه الله وهو سيكون بحسب مشيئة الله وسيادته.»
الطبيعة التي نحيا في ظلّها وندرسها كل يوم تضجّ بالأمثلة الكثيرة عن كيفية تكوُّن الأجسام المُختلفة من أعضاء صغيرة تحمل معلومات كثيرة.
إن قيامة يسوع المسيح بالجسد هي حقيقة تاريخية قد ثبَتَت لنا بدراسة الوقائع والبراهين كما أي حادثة تاريخية قديمة. قام المسيح بجسد ممجَّد، ولو كان هذا الجسد يُشبه أجسادنا البشرية الآن، لكنه يمتاز عنها في التكوين والمضمون. إنه جديد الصفات إنما مُتَّصِلٌ بالقديم ويؤَمّن الاستمرارية له.
إذن هذه القيامة تتحدّث عن أمر خارج نطاق عالم اختبارنا. هي تكشف عن بُعدٍ جديد في واقعنا الحالي. بما أن المُستقبل بعد الموت بشكل عام مجهول، يعمل كثيرون على توقُّعه بناء على أدلّة أو مشاهدات، أكانوا من المجتمع الديني أم العِلمي الصرف.
الجسد هو جزء من هويّتنا كبشر، وما شاهدناه بجسد يسوع المسيح هو مثال وتأكيد على ما سيحصل بأجسادنا. فالكتاب المقدس يتحدَّث بوضوح عن قيامة الأجساد الراقدة من القبور. فالقيامة هي للأجساد فقط وليس للأرواح. الأجساد تنتظر مجيء المسيح ثانية. أما الروح فهي منذ لحظة الموت، إما مع المسيح في الفردوس أو في عذاب الهاوية المؤقّت، «لاَ تَتَعَجَّبُوا مِنْ هذَا، فَإِنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَسْمَعُ جَمِيعُ الَّذِينَ فِي الْقُبُورِ صَوْتَهُ، فَيَخْرُجُ الَّذِينَ فَعَلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الْحَيَاةِ، وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَى قِيَامَةِ الدَّيْنُونَةِ.» (يوحنا 28:5-29)
قيامة الأجساد تُظهر أن الخطة مُحكمة، والهوية محفوظة، والموت مغلوب. قيامة المسيح وظهوراته، مع القبر الفارغ، تُقدّم البرهان والرجاء الحيّ لكلّ من يؤمن ويضع ثقته بالفداء العظيم.
إذا كان الإنسان قد اكتشف أن كُل المعلومات التفصيلية عن كائن ما موجودة في الحمض النووي حتى يستطيع أن يستنسخه، كيف يصعب على الخالق نفسه، مع وجود هذه المعلومات، من أن يُقيمه من الأموات بجسد جديد مرتبط بالقديم؟!

القصص المشابهة
لماذا هذا التشابه الكبير بين مفهوم القيامة في الكتاب المقدس وفي قصص وخرافات قديمة؟ أليس التزوير والتقليد عادة قديمة أيضًا؟ لا يريد الناس أن يقبلوا واقع موت أبطالهم (وهم محقّون). كيف يثقون بمن لا يستطيع أن يغلب الموت، العدوّ الأكثر رُعبًا للصمود؟ لا بدّ لأي ادّعاء أن يقدِّم ما هو مدهش وما يُعطي الأمل. إذن، هذا يكشف قِدم التزوير ورغبة الإنسان الدفينة بأن يجد من ينتصر على الموت.
هذا لا يُقدم تشكيكًا في تاريخيّة ما حصل مع يسوع، بل يُقدّم صورة حقيقية عن رغبة الناس بأن يروا أبطالهم وآلهتهم أحياء. ما أبشع أن نصلي ونطلب من جسد متآكل ومهترئ، أو تمثالٍ أو صورةٍ لا تسمع ولا تتكلم! قال يسوع ليوحنا عندما ظهر له في جزيرة بطمس: “لاَ تَخَفْ، أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، وَالْحَيُّ. وَكُنْتُ مَيْتًا، وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ! آمِينَ. وَلِي مَفَاتِيحُ الْهَاوِيَةِ وَالْمَوْتِ.» (رؤيا 17:1-18) لا ينزع الخوف من القلوب إلا الإله الحي الذي استطاع أن يموت ويقوم ووعدنا بالحياة الأبدية معه.

رجاء القيامة
لم تصمد أيّ من النظريات الأخرى التي ترفض حقيقة قيامة يسوع بالجسد. «الجسد المسروق»، «الإغماء»، «الهلوسة»، وغيرها. هذه تبقى حتى الآن نظريات بلا مناصرين جدّيين، أو حتى كتابات تستحق الذكر والمتابعة الدقيقة. من يدرس الموضوع بدقَّة وعمق، سريعًا ما يكتشف أن جميع هذه النظريات تفتقر إلى أية قاعدة حججيّة، وتُستخدم فقط لعرض خيارات أخرى يستطيع المُشكِّك اللجوء إليها.
في البحث المنطقي المجرّد تبقى نظرية القيامة - لو صحّت تسميتها كذلك - هي الأقوى. صار يسوع المسيح بقيامته باكورة الراقدين، ووعدنا أننا سنراه كما هو لأننا سنكون مثله. كما سيكون لنا مُستقبل مع أحبائنا وكل القديسين الذين سبقونا. سنلبس أجسادًا ممجّدة لا تفسد متمتّعين بالشركة الأبدية مع الرب يسوع، التي ستقود للبركة والسعادة التي لا مثيل لها، ولا أحد يستطيع أن يُدرك أبعادها. إن الإنجيل هو خبر موت المسيح لأجل خطايانا وقيامته لأجل تبريرنا، لذا يقوم إيماننا أو يسقط على أساس القيامة.

دور الروح القدس
في كتاب قضية قيامة يسوع، كتب هابرماس: «ليس الموضوع لاهوتيًا على قدر ما هو منهجيّ. فالإرسالية العظمى في إنجيل متى تكشف لنا أن الله اختارنا لنكون رُسُلَه للخلاص. فعلى الرغم من أن الله هو المسؤول عن جذب الآخرين إليه، لكنه قرّر أن يُدخل العامل الإنساني في هذه العملية. لم يقف الرسل عند حدّ تقديم رسالة الإنجيل ببساطة فقط، بل كانوا مُستعدّين للمُجاوبة عن الأسئلة الصعبة أيضًا.” لكن، هل للبراهين والإثباتات العِلمية الدور الوحيد في هذا الموضوع؟
على الرغم من ضرورة وجود البراهين، إلا أننا نحتاج لمساعدة يسوع لنؤمن بحقيقة قيامته. لقد ترك لنا الرب الكثير من الإشارات التي إذا تتبّعناها ستقودنا إلى الاقتراب منه، وإذ ذاك نسمع دعوته ونرى مجده. فعلى الرغم من كثرة البراهين التاريخية والعلميّة للقيامة، وقد كُتب عنها الكثير، إلا أنه يبقى من الضروري التأكيد بأن الرجاء بالقيامة والحياة الأبدية والإيمان بيسوع المسيح الحي هي أمور تحتاج إلى تدخّل الروح القدس المباشر أولاً وأخيرًا.
في كتاب “تفسير إنجيل يوحنا” علّق آرثر بينك على موضوع تأخُّر بطرس والرسل في تصديق القيامة رغم النبوات، ورُغم شهادة المريمات عن القبر الفارغ، ورُغم تكرار كلام المسيح عن ضرورة موت ابن الإنسان وقيامته، يقول: “غالَى الكثير من المحاورين والمدافعين المسيحيين في أهمية وقيمة براهين القيامة. الخليقة تُظهر وجود خالق، لكن البراهين الخارجية عن عمل يده لا تُحرّك القلب، ولا تأتي بالنفس للشركة معه. وحدها الكلمة المكتوبة مُفعّلة بالروح القدس تفعل ذلك. حتى يكون للإيمان فائدة أخلاقية، وتَعَامُل مع الضمير، وتطهير القلب، لا يجب أن يكون القبول البسيط للحقائق مبنيًا على تحليل منطقي، لكن على ترحيب القلب بشهادة الله بكلمته. قد يُساعد الإيمان المبني على براهين على رفض الإلحاد والعقائد الدينية الكثيرة الخاطئة، لكنه لا يعطي أحدًا غفران خطايا ولا يستطيع أن يقود أحدًا ليصرخ: ‘أبانا الذي في السماوات.’"
لا بدّ من التذكير بأن معرفة كل شيء عن طبيعة المسيح، ومشيئته، وتفاصيل فدائه، وقيامته، وصعوده هي من أعمق وأجمل هذه الحقائق. إن روعة كل صفات المسيح، وروعة أعماله، وروعة كلامه، متوّجة بروعة قيامته الفريدة وغير المسبوقة تدفعنا بقوة لنتبنّى ما قاله لويس بري شايفر عن المسيح:
“لا يعتقد أحد أن هذا الشخص هو من صنع الخيال، أو اختراع عقل بشري. لأن كمالاته لم تُفهم بالكامل بعد من أحكم وأقدس البشر. فلو كان نتيجة رواية خياليّة، علينا أن نعبد ونمجِّد هذا العقل الذي تخيَّله.”


محبة المسيح

إن محبة المسيح هي الدواء الشامل. في القديم حاول الأطباء أن يبحثوا عن علاج يشفي جميع الأمراض، لكنهم فشلوا. إلا أننا نستطيع أن نتمتّع بهذا الدواء الشامل! ففي محبة المسيح لنا نجد علاجًا لكل شيء. فهو في محبته يشفي أمراض الجسد، ويملأ فراغ القلب، ويثبّت النفس في الإيمان، ويجمّل حياة الإنسان... ما أعجب هذه المحبة! وما أعظم تأثيرها!
بل إن هذه المحبة تقود الإنسان إلى التواضع. فالذات المتكبّرة فينا تختفي حالما تدخل محبة الله إلى النفس. والجسد الذي هو الطبيعة القديمة يموت فينا بقوة تلك المحبة، ونتيجة لذلك تنتعش الروح.
هذه المحبة تُلهب الإنسان بالغيرة المقدسة. وإن كان الكثيرون لا يدركون معنى الغيرة الروحية، إلا أن العالم ما زالت فيه أقلية من القديسين الملتهبين بتلك الغيرة. ونحن نتمنّى أن تنتقل نار الغيرة هذه إلى من لم يلتهبوا بها بعد.
على أن أكثر شيء تميّزت به محبة المسيح هو أنها كانت محبة عملية. فالمسيح لم يحب بالكلام واللسان، لكنه أحبّ بالعمل والحق. لقد كان المسيح بليغًا في كلامه حتى شهد عنه أعداؤه بأنه لم يتكلم إنسان قط مثله. إلا أن بلاغته العظمى ظهرت في تضحيته العظمى. فقوة أعمال محبته تؤثر على العقل أكثر بكثير من تأثير كلماته؛ ذلك لأن الأقوال لا تستطيع أن تعبر عن حقيقة المحبة. لقد سكب المسيح قلبه، ليس في كلمات بليغة، إنما في أعمال مجيدة. إذ تدفّق منه دمٌ وماء للتطهير والغسل. فهل نحبه كما أحبنا؟

المجموعة: حزيران (يونيو) 2020