اليوم صباحًا كان لديَّ مقابلة مع إحدى المحطات الإذاعية في لبنان. وأُعطيتُ صورةً قاتمةً وكأنَّ بلَدي الحبيب لبنان يغرق، لا بل بالحقيقة فإنَّ العالم كلَّه يغرق. أو كأننا في مبنى وقد اندلعت فيه النار.

لكن حتى وإن كانت السفينة تكادُ تغرق في وسط مياه المحيط إلاَّ أنَّ هناك رجاء.
وكما يقول الكتاب في 1بطرس 13:1 "فألقوا رجاءَكم بالتَّمام على النّعمة." فهناك زوارقُ إنقاذ متاحةٌ لك ولي، وهذه الزوارق عليها إشارة نعمة يسوع المسيح التي وحدها تستطيع أن تنقذَك من هذا البحر الهائج المميت الذي يحيط به الجليد، وليس هناك فرصة للنجاة.
وهنا بالذات يضعُ لك الرسول بطرس قواعدَ لما هي زوارق الإنقاذ هذه. فهي إشارة إلى خلاصك الحقيقي المؤكد في شخص الرب يسوع المسيح الذي هو المنقذ. وأنت إذا اختبرت المسيح فأنت مشترك أيضًا معه في مهمة الإنقاذ هذه.
لنَعُد إلى رسالة بطرس الرسول فنقرأ من 1بطرس 13:1-25 "لذلك منطقوا أحقاءَ ذهنكم صاحين، فألقوا رجاءكم بالتمام على النعمة التي يؤتى بها إليكم عند استعلان يسوع المسيح. كأولاد الطاعة، لا تشاكلوا شهواتكم السابقة في جهالتكم، بل نظير القدوس الذي دعاكم، كونوا أنتم أيضًا قديسين في كل سيرة. لأنه مكتوب: [كونوا قديسين لأنّي أنا قدوس.] وإن كنتم تدعون أبًا الذي يَحكم بغير محاباة حسب عمل كلِّ واحد، فسيروا زمان غربتكم بخوف، عالمين أنَّكم افتُديتم لا بأشياءَ تفنى، بفضة أو ذهب، من سيرتكم الباطلة التي تقلَّدتموها من الآباء، بل بدمٍ كريم، كما من حمَلٍ بلا عيب ولا دنَس، دم المسيح، معروفًا سابقًا قبل تأسيس العالم، ولكن قد أُظهر في الأزمنة الأخيرة من أجلكم، أنتم الذين به تؤمنون بالله الذي أقامه من الأموات وأعطاه مجدًا، حتى إن إيمانكم ورجاءكم هما في الله. طهّروا نفوسكم في طاعة الحق بالروح للمحبة الأخوية العديمة الرّياء، فأحبّوا بعضكم بعضًا من قلب طاهر بشدة. مولودين ثانية، لا من زرع يفنى، بل ممَّا لا يفنى، بكلمة الله الحية الباقية إلى الأبد. لأن: [كلَّ جسد كعشب، وكلَّ مجد إنسان كزهر عشب. العشب يبِس وزهره سقط وأما كلمة الرب فتثبت إلى الأبد.] وهذه هي الكلمة التي بُشِّرتم بها."
يبدأ في هذه الرسالة بالتركيز على ثلاثة أشياء أساسية لحياتك الروحية لتختبر قوة خلاصك ولتختبر النعمة الحقيقية.
أولًا: "كأولاد الطاعة، لا تشاكلوا شهواتكم... بل... كونوا قديسين في كل سيرة لأني أنا قدوس." وهنا يرينا الرسول أهمية ومركزية القداسة. ومن الضروري، وبسبب الخلْط الحاصل من حولنا وبسبب ما نسمعه عن سقوط أناسٍ كبار ومتقدّمين، علينا توضيح الموضوع.
1- القداسة والطاعة والمسؤولية الشخصية: فالرسالة هنا تشدِّد على سلام وسط الآلام. ويقول لا تستطيع اختبار سلام الله الذي يفوق كل عقل بدون القداسة. لماذا؟ لأن: "لا سلام قال إلهي للأشرار." (إشعياء 22:48) وأيضًا: "اتبعوا السلام مع الجميع والقداسة التي بدونها لن يرى أحد الرب." (عبرانيين 14:12) و"امتنعوا عن كل شبه شرّ وإله السلام نفسه يقدِّسكم بالتمام." (1تسالونيكي 22:5-23أ). والآن هل تلاحظ الوحدانية بين السلام والقداسة وبين الاضطراب وحياة الشر؟ لا تتوقّع أن تكون لحظة سلام في حياتك، بغض النظر إذا قلت بأنَّك اختبرت المسيح أو لم تختبر، إذا لم تكن هناك قداسة. "فسيروا زمان غربتكم بخوف" (عدد 17) أي برهبةٍ. لماذا؟ لأن بدون حياة القداسة لن يرى أحد الرب. فهل لاحظت كم أنّ هذا الموضوع مركزي وهام؟
القداسة ليست موضوع اختياري ولا هي موضوع انتقائي فتقول مثلًا: أنا أفضّلُ أن أختار المحبة لأنني لا أستطيع أن أعيش حياة القداسة. لا، بل إنهما مرتبطان معًا. ألا يقول: "كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة." (أفسس 4:1) إذن ليس لديك اختيار في الموضوع. الذي ولَدنا ولادة ثانية لرجاءٍ حي. "مولودين ثانية لا من زرع يفنى." أنت وُلدتَ مِن ماذا؟ من روح المسيح - روح القداسة - ليقدّسَ حياتك. الولادة الثانية هي أساس خلاصنا. وإنه الروح القدس الذي يحوّلك من كتلة نجاسة إلى هيكل قداسة. لهذا هي ضرورية.
لاحظ المنطق الذي يستخدمه الكتاب المقدس الذي خطّه رجال الله القديسون مسوقين بالروح القدس. المنطق هو روح الله. يقول: "وإن كنتم تدعون أبًا." مَن تدعون أبًا؟ "أبانا الذي في السماوات ليتقدّس اسمك." هو قدوس وأنت الابنُ واحد من أبنائه، وأنتِ البنت أيضًا، لذا يجب أن يكون لدى الابن والبنت نفس طبيعة الأب القدوس لأن DNA (الحمض النووي) هي طبيعته المقدسة. لهذا يقول: "كونوا أنتم قديسين لأني أنا قدوس." وإذا كنا شركاء الطبيعة الإلهية بالولادة الثانية فينبغي أن نكون هاربين من الفساد الذي في العالم. هذا ليس بموضوع استنسابي ولا هو لقلةٍ من الناس. والمؤسف له هو أن البعض يفكر أن القديسين هم الذين صاروا رهبانًا وصنعوا عجائبًا وبعد أن ماتوا جعلهم الناس قديسين. كلّا، القداسة هي لكل إنسان اختبر الخلاص. "لأن هذه هي إرادة الله قداستكم." (1تسالونيكي 3:4) لهذا أنا أتكلم بلغة الكتاب حتى يشجعك الرب. وليس لكي يُحبِطَك! يقول البعض: لا هذا مستوى عالٍ جدًا. فقداسة الله كيف يمكنني أن أعيشها؟ هنا يشجعك الكتاب لكي يكون عندك رجاء. لا يمكنك أن تختبر الرجاء الحقيقي حتى تعيش المقياس السامي الذي منحنا إياه الرب. وبغض النظر عن أي شيء متملّك على حياتك، فالرب يريد أن يعطيك رجاء. الرب يريد أن يعمل هذا العمل العظيم في حياتك ويحوِّلك من النجاسة إلى القداسة. حتى لو كنت مؤمنًا يريد أن يقدّس حياتك من جديد. هذا هو الوقت ليضيء سراجك ثانية. فكونوا قديسين لأني أنا مقدّسكم. "وإله السلام نفسه يقدّسكم بالتمام... أمين هو الذي يدعوكم الذي سيفعل أيضًا". (1تسالونيكي 23:5-24). أي إنّه هو مقدّسنا، هو الذي يعطيك القوة لتعيش حياة القداسة. "وكل مَن عندَه هذا الرجاء به، يطهّر نفسه كما هو طاهر." (1يوحنا 3:3) أي، كما المسيح طاهر. هو يقدر أن يمنحك القوة لكن هناك مسؤولية شخصية. عليك أولًا: الطاعة. لهذا فالموضوع الأول هنا هو كما ورد: القداسة والطاعة والمسؤولية الشخصية. ونحن مسؤولون أن نقبل العطية هذه ونطيع ومهما كلّفنا الأمر. لن نتمتع بالقداسة القلبية ما لم نُطِعْ. وهي مكلفة أيضًا. كما أحبّك المسيح فأطاع حتى الموت موت الصليب، هكذا أنت يجب أن تحمل صليبك. يقول الرب يسوع: "إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني." (لوقا 23:9) فلا قداسة بدون صليب. "ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات." (غلاطية 24:5) هذا اختبار يومي في كل يوم تراودك الأفكار الشريرة أو تشعر بشيء من العصيان في داخلك. لذا يقول: "طهروا نفوسكم في طاعة الحق." إذن هذه القداسة ليست لقلّة من الناس الذين يحيطهم البشر بهالةٍ ويصلّون لهم. يجب أن تصلّي إلى الرب يسوع وحده وتطيعه في طريق القداسة بعد الولادة الثانية.
والقداسة ليست مظهرية، أي من الخارج نكون قديسين بينما من الداخل نجسين! كما يحصل مع الناس المتديّنين بما فيهم كثير ممَّن يسمّون أنفسهم مسيحيين. أتعرف لماذا يسمُّون فريسيين؟ وما هي ترجمتها؟ إنها تعني (قديسين). لقد وصفَهم المسيح وِفقًا لخارجهم كقبور من رخام، أما من الداخل فهي مليئة عظام أموات. لهذا هناك الكثير من المتديّنين والذين يتكلّمون بكلام الإنجيل بصورة رائعة جدًا، ولكن هم من الداخل كعظام ميتة. فاحترز من أن تعيش الحياة المزدوجة الفريسية المرائية. لهذا يصلي داود في (مزمور 51) "قلبًا نقيًّا اخلق فيَّ يا الله وروحًا مستقيمًا جدّد في داخلي." توبة صادقة. وكمؤمنين أيضًا قل للرب: قلبًا نقيًّا اخلقْ فيَّ يا الله. صحيح أنه أعطانا قلبًا جديدًا لكن علينا نحن أن نحافظ عليه نقيًّا في كل يوم. يقول بولس لتيموثاوس: "احفظ نفسك طاهرًا." (1تيموثاوس 22:5ب) لهذا هي داخلية تبدأ من الداخل ثم إلى الخارج. والداخل وحده لا يكفي.
البقية في العدد القادم

المجموعة: حزيران (يونيو) 2021