خصائص كثيرة تميَّز بها المسيح لا يمكن مقارنتها مع غيره. نتحدث هنا عن واحدة منها. فهو أثناء وجوده على الأرض وقبل صعوده للسماء وعد بأنه سيغادر الأرض، وأنه سيعود إليها ثانية...

وتكرر الوعد والتذكير به في أكثر من مناسبة، ومنها قوله: "أنا أمضي لأعدّ لكم مكانًا، وإن مضيت وأعددت لكم مكانًا آتي أيضًا وآخذكم إليّ، حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا." (يوحنا 2:14-3) وقال في نفس الأصحاح تأكيدًا على خبر عودته ثانية: "لا أترككم يتامى، إني آتي إليكم."
وفي لقائه الأخير مع تلاميذه (الحواريين) على جبل الزيتون وهو يودِّعهم وينصحهم قبل صعوده للمجد، (أعمال 1)، كان أول ما أوصاهم به، أن لا يبرحوا من أورشليم حتى يُلبَسوا قوة من الأعالي - وهذه إشارة إلى اختبار هام سينالونه - فقال: "ستنالون قوة متى حلّ الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهودًا في أورشليم وفي كلّ اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض." كما سبق وقال: "اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها. من آمن واعتمد خلُص، ومن لم يؤمن يُدَنْ." (مرقس16)
وبينما كان يتكلم، وهم يصغون بكل جوارحهم، رفع يديه وباركهم، وفيما هو يباركهم، انفرد عنهم وأُصعد إلى السماء وهم ينظرون، وأخذته سحابة عن أعينهم! ... أما هم فاستمروا ينظرون إلى السماء بذهول من هيبة المشهد!
عندها، وقف بهم رجلان بلباس أبيض (ملاكان) وقالا لهم:" أيها الرجال الجليليّون، ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء؟ إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء، سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقًا إلى السماء." وبعدما انتهى المشهد قاموا ورجعوا إلى أورشليم وفي قلوبهم فرح عظيم - في وقت كان ينبغي أن يحزنوا لفراقه - لكن فرحهم اعتمد على صدق الوعد بعودته ثانية!
ومن يومها ما زالت كنيسته تنتظر عودته بكل شوق... وسيأتي ويتحقق الوعد لأن من وعد صادق وأمين. وسيشهد العالم الحدث في يوم قريب، وستدرك شعوب الأرض قاطبة أن كل ما ورد في إنجيله كان حقًّا... وسيفرح محبوه. لكن بعضًا آخر من أطياف الأرض سيحزنون ويكتئبون وينوحون ندمًا على فرصةٍ ضاعت وأهملوها... في هذا يقول الوحي في سفر الرؤيا 7:1 "هوذا يأتي مع السحاب، وستنظره كل عين، والذين طعنوه، وينوح عليه جميع قبائل الأرض." أتساءل هنا: لماذا ينوحون؟!
إن نَوْحَ قبائل الأرض في يوم مجيئه الثاني - مع أنه يوم فرح لا يوصف - سيكون ندمًا، لأن الفرصة فاتتهم... فهم سمعوا عنه الكثير ورفضوا وجادلوا وأنكروا واتّهموا وحْيَهُ بالتحريف، وكفّروا أتباعه، وأشغلوا أنفسهم بأوهام تبعدهم عن الوصول للحقيقة، فجاء الوقت ليبكوا وينوحوا.
في إنجيل متى 24 يؤكد ذات الحقيقة بقوله: "وحينئذٍ تظهر علامة ابن الإنسان (المسيح)... آتيًا على سحاب السماء بقوة ومجد كثير. فيرسل ملائكته ببوق عظيم الصوت، فيجمعون مختاريه (المؤمنين) من الأربع الرياح، من أقصاء السماوات إلى أقصائها."
يصف الرسول بولس المشهد بالقول: "فإننا نقول لكم هذا بكلمة الرب: إننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب، لا نسبق الراقدين. لأن الرب نفسه بهتاف، بصوت رئيس ملائكة وبوق الله، سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولًا. ثم نحن الأحياء الباقين سنُخطفُ جميعًا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء، وهكذا نكون كل حين مع الرب."
هذا ما يسمّيه الكتاب المقدس بالاختطاف الذي سيتمّ في لحظة ظهور المسيح في مجيئه الثاني. فهو سيجذب أتباعه إليه، حيث هو، على سحابة المجد بلمح البصر. وعندها ستنجذب إلى المسيح جموعٌ لا حصر لها من كل دائرة الأرض، من كل الأمم والشعوب والألسنة... فهؤلاء سبق أن فداهم وغفر خطاياهم حين توّجوه ربًّا وملكًا على حياتهم، وجاء الوقت ليُعزّيهم ويُكرمهم ويسكنهم معه، ويتمّم ما سبق ووعدهم به حين قال: "حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا." ثم يقول: "تعالوا يا مباركي أبي، رثوا المُلكوت المُعدّ لكم منذ تأسيس العالم." فالمسيح سيجمع حصاده بالاختطاف، ويمجدهم على مرأى من كل الشعوب، بعدما تحمّلوه في حياتهم من معاداةٍ، واضطهادٍ، وسلبٍ، ونهبٍ، وتشكيك بصحة إنجيلهم، وتكميم أفواههم لئلا يتكلموا ويذيعوا الخبر السار ويعلنوا الحقيقة لمن حولهم، فهم لا يحملون سلاحًا ضدّ أحدٍ، ورغم ذلك أُقيمت حواجز وأنظمة وقوانين أقرّتها شعوب وأنظمة سياسية لتمنعهم من نشر الخبر السار بحريّة دون أن يجبروا أحدًا على قبولها.
وفي يوم ظهور المسيح على سحاب المجد، يكون الوقت قد حضر ليكرم الرب محبيه الذين افتداهم أمام شعوب الأرض، وعندها سيعلم العالم أن كل ما ورد في إنجيله كان عين الحق.
جدير بالذكر هنا أن مع اختطاف المفديين ومغادرتهم للأرض سينسحب معهم الروح القدس ويغادر الأرض، وستخلو الأرض من كل ما هو خير... وحينها سيحلّ على الأرض سبع سنين مأساوية لم يمرّ على الأرض نظيرها في التاريخ، ويسميها سفر الرؤيا بالضيقة العظيمة (رؤيا 7). لديَّ تساؤل في ختام هذا المقال: إن كان المسيح مجرّد نبيٍّ بين أنبياء كما يتوهّم البعض، فكيف يعود من دونهم لأرضٍ غادرها قبل عشرين قرن؟! ماذا وراء هذا العجب؟!
أول استنتاج يراود الفكر في هذا، هو أن الذي غادر الأرض قبل ألفي عام وأعلن أنه سيعود ثانية... فهذا يعني أنه خلال فترة غيابه الطويل، ما زال حيًّا يتمتّع بالحياة وبالقدرة على الحركة والتنقُّل، وأنه ما زال قائمًا على رأس عمله لا ينعس ولا ينام!
صفات كهذه، على منْ تنطبق يا تُرى؟ وهل يمكن أن المسيح خلال فترة الغياب تلك، يكون جالسًا على أريكة أو كنبة في قاعة للمسافرين بلا عمل، ينتظر دوره في موعد الرحلة القادمة؟
هذه دعوة لكل مرتاب أن يعيد حساباته، فالقضية بالتالي تتعلَّق بمصيره الأبدي... فهيا بنا! احسم أمرك وانضم إلى صفوف المفديين!

المجموعة: حزيران (يونيو) 2021