من أوليات الأمور التي تحزن قلوب خدام الله الأمناء، رؤيتهم للكثيرين من أولاد وبنات الله الذين تجدّدوا منذ سنين وهم ما زالوا في حالة الطفولة الروحية،

تنطبق عليهم الكلمات التي كتبها بولس إلى الإخوة في كورنثوس قائلاً:
"وَأَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أُكَلِّمَكُمْ كَرُوحِيِّينَ، بَلْ كَجَسَدِيِّينَ كَأَطْفَال فِي الْمَسِيحِ، سَقَيْتُكُمْ لَبَنًا لاَ طَعَامًا، لأَنَّكُمْ لَمْ تَكُونُوا بَعْدُ تَسْتَطِيعُونَ، بَلِ الآنَ أَيْضًا لاَ تَسْتَطِيعُونَ." (1كورنثوس 1:3-2) وكأني استمع إلى كاتب الرسالة إلى العبرانيين وهو يخاطب مثل هؤلاء بالقول: "لأَنَّكُمْ ­ إِذْ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ لِسَبَبِ طُولِ الزَّمَانِ ­ تَحْتَاجُونَ أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ مَا هِيَ أَرْكَانُ بَدَاءَةِ أَقْوَالِ اللهِ، وَصِرْتُمْ مُحْتَاجِينَ إِلَى اللَّبَنِ، لاَ إِلَى طَعَامٍ قَوِيٍّ. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَتَنَاوَلُ اللَّبَنَ هُوَ عَدِيمُ الْخِبْرَةِ فِي كَلاَمِ الْبِرِّ لأَنَّهُ طِفْلٌ، وَأَمَّا الطَّعَامُ الْقَوِيُّ فَلِلْبَالِغِينَ، الَّذِينَ بِسَبَبِ التَّمَرُّنِ قَدْ صَارَتْ لَهُمُ الْحَوَاسُّ مُدَرَّبَةً عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ." (عبرانيين 12:5-14)
وفي سفر حزقيال نرى صورة ناطقة لمستويات الحياة المسيحية في هذه الكلمات: "ثُمَّ أَرْجَعَنِي إِلَى مَدْخَلِ الْبَيْتِ وَإِذَا بِمِيَاهٍ تَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ عَتَبَةِ الْبَيْتِ... وَعِنْدَ خُرُوجِ الرَّجُلِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَالْخَيْطُ بِيَدِهِ، قَاسَ أَلْفَ ذِرَاعٍ وَعَبَّرَنِي فِي الْمِيَاهِ، وَالْمِيَاهُ إِلَى الْكَعْبَيْنِ. ثُمَّ قَاسَ أَلْفًا وَعَبَّرَنِي فِي الْمِيَاهِ، وَالْمِيَاهُ إِلَى الرُّكْبَتَيْنِ. ثُمَّ قَاسَ أَلْفًا وَعَبَّرَنِي، وَالْمِيَاهُ إِلَى الْحَقْوَيْنِ. ثُمَّ قَاسَ أَلْفًا، وَإِذَا بِنَهْرٍ لَمْ أَسْتَطِعْ عُبُورَهُ، لأَنَّ الْمِيَاهَ طَمَتْ، مِيَاهَ سِبَاحَةٍ، نَهْرٍ لاَ يُعْبَرُ." (حزقيال 1:47-5)
ومعروف أن المياه ترمز إلى الحياة الجديدة الموهوبة لنا في المسيح.
"مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ، بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ." (يوحنا 14:4)
"وَمَنْ يَعْطَشْ فَلْيَأْتِ. وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا." (رؤيا 17:22)
أما النهر فيشير إلى الارتواء، والانتعاش بنعمة الله خلال رحلة الحياة المسيحية.
"نَهْرٌ سَوَاقِيهِ تُفَرِّحُ مَدِينَةَ اللهِ، مَقْدَسَ مَسَاكِنِ الْعَلِيِّ." (مزمور 4:46)
"مِنَ النَّهْرِ يَشْرَبُ فِي الطَّرِيقِ، لِذلِكَ يَرْفَعُ الرَّأْسَ." (مزمور 7:110)
وقد صوّر لنا حزقيال في كلماته مستويات الحياة المسيحية:


1- وأول مستوى في الحياة المسيحية هو مستوى الطفولة الروحية – مستوى المياه إلى الكعبين
المستوى الذي فيه نبدأ أول خطواتنا مع الرب، وفي هذا المستوى يكون المؤمن في بداية رحلة الحياة المسيحية. إنه دخل إلى مياه نعمة الله... لكن المياه إلى الكعبين تعلن أنه ما زال "طفلاً في المسيح"، ما زال يخشى الخوض في أمور الله العميقة، ويحتاج إلى "اللبن العقلي العديم الغشّ" لبن كلمة الله النقية، لكي ينمو به.
ويقينًا أن غرض الله في حياة كل مؤمن أن "ينمو في النعمة" إلى أن "يشابه صورة المسيح." وخدام الله الأمناء الأتقياء يبذلون كل جهودهم للوصول بالمؤمنين إلى صورة المسيح.
"يَا أَوْلاَدِي الَّذِينَ أَتَمَخَّضُ بِكُمْ أَيْضًا إِلَى أَنْ يَتَصَوَّرَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ." (غلاطية 19:4) بل أن الرب في محبته وهب الكنيسة مختلف الخدام لهذا الغرض الأسمى.
"وَهُوَ أَعْطَى الْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلاً، وَالْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَالْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ، وَالْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ، لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ لِعَمَلِ الْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ، إِلَى أَنْ نَنْتَهِيَ جَمِيعُنَا إِلَى وَحْدَانِيَّةِ الإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ ابْنِ اللهِ. إِلَى إِنْسَانٍ كَامِل. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ. كَيْ لاَ نَكُونَ فِي مَا بَعْدُ أَطْفَالاً مُضْطَرِبِينَ وَمَحْمُولِينَ بِكُلِّ رِيحِ تَعْلِيمٍ، بِحِيلَةِ النَّاسِ، بِمَكْرٍ إِلَى مَكِيدَةِ الضَّلاَلِ. بَلْ صَادِقِينَ فِي الْمَحَبَّةِ، نَنْمُو فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَى ذَاكَ الَّذِي هُوَ الرَّأْسُ: الْمَسِيحُ." (أفسس 11:4-15)
إن المؤمن الذي يعيش في مستوى "المياه إلى الكعبين" هو مؤمن مضطرب، ومحمول بكل ريح تعليم، ويسلك حسب الجسد، ويجب أن يدرك حاجته القصوى للنمو في النعمة.

2- المستوى الثاني في الحياة المسيحية هو مستوى حياة الصلاة – مستوى المياه إلى الركبتين
وما أقلّ عدد المؤمنين الذين وصلوا إلى هذا المستوى. لقد أهمل الكثيرون حياة الصلاة، وهجروا مخادعهم، وطواهم العالم بمادياته، ومغرياته، وملاهيه، ومشاغله، ومشاكله... وبذلك فقدوا ألذّ وأجمل اختبارات الحياة المسيحية... وهو اختبار الصلاة الحية، اختبار الشركة الحقيقية مع الرب، الاختبار الذي فيه يتّصل المؤمن بإلهه مناديًا إياه بالروح القدس "يا أبا الآب."
كتب أحد قديسي الرب هذه الكلمات: "كلما ارتفع مقياس الصلاة عندي ارتفعت حياتي الروحية. وكلما انخفض مقياس الصلاة عندي تدهورت حياتي الروحية."
لقد كانت الصلاة هي الطابع المميّز في حياة إيليا. "كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا، وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى الأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ. ثُمَّ صَلَّى أَيْضًا، فَأَعْطَتِ السَّمَاءُ مَطَرًا، وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ ثَمَرَهَا." (يعقوب 17:5-18)
كذلك كانت الصلاة هي الطابع المميّز في حياة يسوع المسيح. "وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ خَرَجَ إِلَى الْجَبَلِ لِيُصَلِّيَ. وَقَضَى اللَّيْلَ كُلَّهُ فِي الصَّلاَةِ للهِ." (لوقا 12:6)
فهل حياتك هي حياة الصلاة؟
هل تصلي لأجل أفراد أسرتك؟
لأجل راعي كنيستك؟
لأجل نهضة سماوية تنسكب على الكنيسة المسيحية؟
هل وصلت مياه نعمة الله إلى ركبتيك؟

3- المستوى الثالث في الحياة المسيحية هو مستوى حياة الخدمة – مستوى المياه إلى الحقوين
إن الحقوين هما موضع منطقة الخدمة، "المِنطقة" التي قال عنها ربنا يسوع: "الحق أقول لكم: إنه يتمنطق ويتكئهم ويتقدّم ويخدمهم." (لوقا 37:12)
لقد نسي الكثيرون من أولاد وبنات الله مسؤوليتهم إزاء الخدمة... اعتقدوا أن الخدمة هي مسؤولية خدام الإنجيل وحدهم... ومن هنا فترت حياتهم، وتدهورت، وبردت محبتهم. إن نداء الرب الموجّه لكل مؤمن هو "يَا ابْنِي، اذْهَب الْيَوْمَ اعْمَلْ فِي كَرْمِي." (متى 28:21) "تَاجِرُوا حَتَّى آتِيَ." (لوقا 13:19) وعلى كل مؤمن أن يدرس كلمة الرب، وأن يسلّح نفسه بها، وأن يشهد لذاك الذي فداه بموته على الصليب.
عندما اكتشف الرجال البرص الطعام في محلة الآراميين "قال بعضهم لبعض: «لَسْنَا عَامِلِينَ حَسَنًا. هذَا الْيَوْمُ هُوَ يَوْمُ بِشَارَةٍ وَنَحْنُ سَاكِتُونَ...]" (2ملوك 9:7)
فليت كل مؤمن يستيقظ حاملاً المسؤولية، بالشهادة، وبالعطاء السخي، وبالحياة المسيحية اللامعة.
هل وصلت مياه نعمة الله في حياتك إلى الحقوين؟

4- المستوى الرابع في الحياة هو مستوى حياة الامتلاء من الروح القدس – مستوى نهر السباحة الذي لا يُعبر
هذا هو المستوى الذي يريده الرب لكل مؤمن: "امتلئوا بالروح." (أفسس 18:5) وعندما يصل المؤمن إلى هذا المستوى، ويستمتع بحياة الملء بالروح القدس، فعندئذ يظهر ثمر الروح في حياته "أشجار كثيرة جدًا." (حزقيال 7:47) بل أكثر من ذلك يصبح رائحة حياة لحياة الكثيرين من الذين يتصلون به "وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ حَيَّةٍ تَدِبُّ حَيْثُمَا يَأْتِي النَّهْرَانِ تَحْيَا." (حزقيال 9:47)
أما في علاقته بالمؤمنين فالحال يتغيّر تمامًا، فبدلاً من الحسد، والخصام، والانشقاق، وهي من صفات المؤمنين "الأطفال"... الجسديين نجد صورة أخرى يصفها بولس بالكلمات:
"مُكَلِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ، مُتَرَنِّمِينَ وَمُرَتِّلِينَ فِي قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ. شَاكِرِينَ كُلَّ حِينٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فِي اسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، ِللهِ وَالآبِ. خَاضِعِينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ فِي خَوْفِ اللهِ." (أفسس 19:5-21)
فإلى أين وصلت في اختبارك المسيحي؟
هل أنت في مستوى الطفولة الروحية؟ كدت أقول الأميّة الروحية؟
أو أنت في مستوى حياة الصلاة؟
أو أنت في مستوى حياة الخدمة؟
أم دخلت إلى نهر السباحة الذي لا يُعبر؟ نهر الامتلاء من الروح القدس؟
سلْ نفسك اليوم وافحص حياتك في محضر الله! ولا تكتفي بأقلّ من حياة الملء... حياة الري... حياة الفيضان!

المجموعة: تشرين الثاني (نوفمبر) 2021