إن المسيح لم يحمل آثام البشرية وآلامها ومآسيها على قلبه فحسب، بل حمل عنها كذلك صليب العار. إن الذين ساقوا المسيح أمامهم كالحمل الوديع الصامت - كما تنبّأ عنه إشعياء النبي في الأصحاح 53 - لم تعد الدنيا تسعهم بسبب نشوة الفرح التي أعمت قلوبهم لظنهم أنهم انتصروا عليه؛ حيث بدا لخيالهم أن يُمثّلوا به كما يحلو لهم إرضاء لشياطين الحقد والكراهية التي عملت في قلوبهم.

ها هو ابن الإنسان يحمل صليبه وهو مرهق وتعب بسبب انعدام الراحة والنوم وبسبب الحالة النفسيّة التي عاناها بسبب السخرية والجلد واللطم. فيحمل صليبه لكنه يسقط أرضًا مرات عدة، ويقوم بعد كل سقطة بصعوبة بالغة ثم يتابع السير حتى يسقط أخيرًا ولم يتمكّن من النهوض. ولم تشأ كبرياء أعدائه مساعدته في حمل الصليب لئلا يلحقهم من جراء ذلك جزءٌ من العار، بل سخَّروا سمعان القيرواني القادم من الحقل كي يحمل صليبه، فحمله إلى الجلجثة حيث صُلب المسيح عليه بمسامير الحقد والقسوة. وهكذا يبرهن القيرواني أنه يشارك المسيح حِمله ورسالته. وما أحرانا أن نتعلّم هذا الدرس كي لا نقف من المسيح المحب والمتألم لأجلنا موقف المتفرّج بل موقف العامل والمشارك بإيمان وإخلاص وخدمة وكرازة حتى النهاية.
وهكذا فالمحبة تُصلب من قِبَل أعدائها، لكنها بالرغم من كل ذلك فهي المنتصرة الظافرة حتى بآلامها ونزيفها. وإذ يموت الرب يسوع المسيح على صليبه ويسلّم الروح، تغطّي الظلمة وجه الأرض، وتلفّ الصليب بردائها الحالك السواد، ثم تحدث زلزلة عظيمة تشقّقت الصخور بسببها وتفتّحت القبور وقام بعضٌ من أجساد الراقدين مما جعل الرعبَ يدبّ في قلوب أعداء المسيح لذلك سارعوا للاعتراف بأنه بالحقيقة كان ابن الله.
- أجل، وإن كانت المحبة تمرّ بمراحل مخاض لا بدّ لها من النصرة والظفر. فالمسيح لم يربح العالم إلا بالمحبة المتألمة. لقد قام المسيح وقامت معه الحقيقة تلك التي ستبقى المنفذ الوحيد إلى الحياة السعيدة الموفورة، وإلى الظفر والغلبة على الذات، وإلى الصدق والأمانة في حمل الرسالة - رسالة الكرازة بالإنجيل – إنجيل المحبة التي لا يقوى على قهرها إنسان، إنجيل القوة المتمثّلة بالمحبة.
- أيها القارئ المحبوب، تلك هي مشاهد مختصرة من مأساة الصليب في اندحاره وانتصاره الأبدي. وتلك هي المحبة الخالدة، المحبة المتألمة لأجلك كيلا تموت بل لكي تحيا. فهلا جعلت في حدث الصليب قصةً لحياتك وتبعت خطى ذلك الجبار، أن تكون صامدًا أمام الحق وأن تجري في ضميرك قيامةٌ للقيم والفضائل الإنسانية، وأن تبقى حياتك مشعل نورٍ وهدى على درب الحياة للآخرين.

المجموعة: نيسان (إبريل) 2021