القس يعقوب عماريعندما نتواجد في كل صباح أحد في الكنيسة، فنحن نستذكر قيامته ونستعيد الذكرى من جديد بأن المسيح قد قام.
وعندما يرحل للأبدية عزيز من أحبتنا المفديين بدم يسوع، ونحضر لنواسي بتقديم التعازي، فبالأولى نقول:

"المسيح قام" بدل أن نقول "الله يرحمه" إذ بعد الموت لا مكان للرحمة، لأن فرصة الرحمة هي في حياة الإنسان لا بعد موته. هذه حقيقة يغفل عنها كثيرون. فالإنجيل يقول: "وُضع للناس أن يموتوا مرةً ثم بعد ذلك الدينونة." (عبرانيين 27:9)
عندما عبّر اللص التائب عن توبةٍ وندم طالبًا من المسيح الرحمة بقوله: "أذكرني يا رب متى جئت في ملكوتك." رد عليه: "الحق أقول لك: [إنك اليوم تكون معي في الفردوس.]"
والمطّلعون على قصة لعازر والغني في إنجيل لوقا أصحاح 16 يدركون جيّدًا أن لا رحمة بعد الموت.
لا يوجد سند كتابي واحد في كل الكتاب المقدس يشير إلى إمكانية الحصول على الرحمة بعد الموت. فهي خدعة شيطانية لإشغال الناس عن التوبة خلال حياتهم ويأملون بما يُقام من صلوات بعد موتهم لتُغفر خطاياهم.
نحن اليوم في موسم عيد، وفي كل عيد قيامة أستمتع بأن أشارك أحبتي في الكنائس الشرقية فأردّد معهم وبذات اللحن الجميل: "المسيح قام من بين الأموات، وداس الموت بالموت، ووهب الحياة للذين في القبور." ما أبهجها من كلمات، وما أعمق ما تعنيه، واللحن الشرقي يزيدها روعة وجمالًا!
تميّز المسيح بميزات لا يمكن أن يشاركه بمثلها أحد، ومنها ولادته من عذراءٍ لم يمسسها رجل. ميزةٌ حملت في طيّاتها سرًّا غاب عن أذهان كثيرين خارج الوسط المسيحي، فحسبها البعض مجرّد معجزة تُظهر قدرة الله في صنع ما شاء من معجزات. وغاب عن هؤلاء أن معجزة الميلاد العذراوي بقيت في سرّ الكتمان لأكثر من نصف قرن دون أن يعلم بها الناس طيلة حياة العذراء حفاظًا على سمعتها... وبقي في ظنهم أن يسوع هو ابن يوسف (راجع هذا في إنجيل لوقا 23:3 و20:4-22).
فالمسيح في رحلته من السماء إلى الأرض من خلال ميلاده كان زائرًا هبط في أحشاء العذراء لينجز مهمة لا يمكن لغيره أن يُنجزها.
أستذكر هنا جلسة مع شيخٍ صديق أشرت إليها يومًا في مقال سابق. جاء الصديق مع رفاقٍ له في مناسبة عيد للقيامة للتهنئة بالعيد. خلال الجلسة صار الحديث عن أبينا إبراهيم حين طلب الله منه ليمتحنه أن يقدّم ابنه ذبيحة على المذبح في جبل المريّا في القدس. وبينما كان السكين بيدِ إبراهيم يهمُّ لنحرِ ابنه إسحاق، ناداه الله ألا يفعل... فوقع السكين من يده ونظر وإذ بكبش في الغابة أمامه مربوط بجذع شجرة، فأخذ الكبش وقدّمه بدل ابنه...
هنا سألت صديقي: ما تفسيرك يا شيخنا الكريم في أن القرآن أعطى صفة العظمة لحيوان بقوله: "وافتديناه بذبح عظيم"؟
فردّ الشيخ: الكبش عظيم لأنه لم يكن من أغنام الأرض، بل نزل على سيدنا إبراهيم من السماء. وكل ما نزل من السماء فهو عظيم!
فقلت: هل تعلم يا شيخنا أن ذلك الكبش العظيم هو رمز للمسيح؟
قال: كيف؟
قلت: الكبش - كما تفضّلت - نزل من السماء ولم يكن من أغنام الأرض، فاكتسب صفة العظمة. والمسيح في رأيك، من أين جاء؟! فهو لم ينبت من الأرض، هو كلمة الله النازل من عند الله. لم يولد من تزاوج رجل بامرأة، بل هبط إلى أحشاء عذراء نقية ليتمّم مهمةً ويعود لمكان سكناه في السماء... ولما أكمل ما جاء لأجله عاد إلى السماء التي منها جاء.
وهناك تشابُه آخر بين ما قام به الكبش، وما قام به المسيح: فالكبش فدى إسحاق. مات الكبش وعاش إسحاق. والمسيح كذلك مات ليفدي البشرية. فمن قَبِلَ فداءَه نال حياة أبدية. فالتماثل بين المسيح وكبش إبراهيم واضح.
عزيزي القارئ، بعد قيامة المسيح، قام بعدة ظهورات لتلاميذه، فظهر أولًا لمريم المجدلية وهي تبكي عند القبر في فجر الأحد لأنها لم تجد جثمانه في القبر وظنت أن أحدًا أخذه، وتتساءل أين وضعوه؟ فظهر لها المسيح وناداها باسمها وقال لها أن تذهب وتخبر بقيامته.
وظهر المسيح لجماعة التلاميذ في العليّة التي اعتادوا اللقاء فيها، وكانت مقفلة بحزم بسبب الخوف من اليهود، فدخل المسيح عليهم دون أن يُفتح له الباب، فحيَّاهم وأراهم أثر المسامير في يديه ورجليه وطعنة الحربة في جنبه. ونادى توما الذي سبق أن شكّك بخبر القيامة، فقام توما خجلًا وسجد بين يديه وقال له: "ربي وإلهي!" فقال له يسوع: "لأنك رأيتني يا توما آمنت! طوبى للذين آمنوا ولم يروا."
وظهر في مشهد آخر في قمة الروعة لتلميذَي عمواس أثناء عودتهما إلى القرية، وكانا في حيرة مما سمعاه عن قيامته ولم يتأكّدا من صحة الخبر، وتظاهر يسوع وكأنه عابر طريق، ولم يعرفاه، ولاحظ العبوس على وجهيهما، فتساءل عن السبب وأجاباه، فشاركهما وشرح لهما نبوءات وردت عن المسيح في أسفار التوراة، فاستمتعا بحديثه... ولما حاول أن يفترق عنهما في طريق آخر، ألزماه أن يكون ضيفًا عليهما فقَبِلَ. وعند تقديم الطعام، مسك الرغيف وكسر، ثم اختفى! ... فأدركا أنه هو، فقاما في الحال ورجعا إلى أورشليم ليخبرا باقي التلاميذ بما جرى... مشهدٌ جميلٌ ممتعٌ لكلِّ من يتوقّف عنده ويتأمّل.
قبل أسابيع رحلت إلى المجد رفيقة عمري وشريكتي في الخدمة، وبكيت وذرفت الدمع سخيًّا. وفي لحظةٍ تذكّرت بكاء إبراهيم على رحيل سارة رفيقة دربه... وتذكّرت بكاء داود على رحيل صديقه الحميم يوناثان... وتذكّرت بكاء يسوع أمام قبر لعازر حبيبه، فتعزّيت!
وأثناء كتابتي هذه عن قيامة المسيح مرّت أحداث قيامته في ذاكرتي فزادتني عزاء...
إن قيامة المسيح تحيي الرجاء في القلوب! نحبّه ونعتزّ بالانتماء إليه لنكون من شعبه. المسيح قام، وبقيامته أنار لنا الحياة والخلود!

المجموعة: نيسان (إبريل) 2021