"أُحَوِّلُ الشُّعُوبَ إِلَى شَفَةٍ نَقِيَّةٍ، لِيَدْعُوا كُلُّهُمْ بِاسْمِ الرَّبِّ، لِيَعْبُدُوهُ بِكَتِفٍ وَاحِدَةٍ." (صفنيا 9:3)
ما أصعب الكلمة التي يبدأ بها الوحي المقدس هذا الأصحاح وهي كلمة "ويل"!

والغريب أن هذه الكلمة قيلت عن أورشليم التي أطلق عليها الاسم مدينة الله – المدينة المقدسة، مدينة السلام. قيل: ويل لها لأنها انحرفت انحرافًا رهيبًا عن رسالتها إذ وُصفت بثلاثة أوصاف: "المتمرّدة، المنجّسة، الجائرة!" لم تسمع صوت الرب لم تقبل التأديب. لم تتقرّب إلى إلهها...
أدان الرب أربعة مجموعات موجودة في أورشليم: الرؤساء: أسود زائرة؛ والقضاة: ذئاب مساء؛ والأنبياء: متفاخرون أهل غُدراتٍ (غدّارين)؛ وعن الكهنة: نجّسوا القدس وخالفوا الشريعة. وبالرغم من الحالة التي وصل إليها سكان أورشليم إلا أن الرب قدّم لها وعدًا رائعًا "حينئذ أحوّل الشعوب إلى شفةٍ نقيّة، ليدعوا كلُّهم باسم الرب، ليعبدوه بكتفٍ واحدة." ولي معكم ثلاثة أمور:

أولاً: التحويلات الإلهية
"وأحوّل الشعوب إلى شفة نقية." والسؤال الذي يفرض نفسه علينا هو ماذا كانت؟ وماذا صارت؟
1- ماذا كانت؟ واضح أنها كانت نجسة. لم تذكُرْ اسم الرب، وإن ذكرته فتذكره بالباطل – وابتدأت تذكر الأصنام كاسرة بذلك وصية الرب "ولا تذكر اسم آلهة أخرى ولا يُسمع من فمك." لقد تنجّست بالخطايا اللفظية وما أكثرها! الحلف، السباب، اللعن، النميمة، الكذب...
2- ماذا صارت؟ "أحوّل الشعوب إلى شفةٍ نقيّة" طاهرة مقدسة، أي، إلى النقيض تمامًا مما كان عليه. نزع منها ذكر اسم البعليم كما حدث مع إشعياء الذي صرخ قائلاً: "ويل لي! إني هلكت، لأني إنسان نجس الشفتين، وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين... فطار إليّ واحد من السرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقط من على المذبح، ومسّ بها فمي وقال: إن هذه قد مسّت شفتيك، فانتُزع إثمك، وكُفّر عن خطيتك." لا يوجد من يغيّر ويحوّل إلا الرب يسوع الذي "ليس بأحد غيره الخلاص. لأن ليس اسم آخر تحت السماء، قد أُعطي بين الناس، به ينبغي أن نخلص." ولا شك أن الشفاه النقية هي ثمار القلوب الطاهرة. "الإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح." "من فضلة القلب يتكلم الفم." الرب يحوّلك من الشر إلى البر، وينقلك من الظلمة إلى النور، ومن الموت إلى الحياة.
حوّلَ السامرية من امرأة فاسدة إلى قديسة طاهرة، وحوّل زكّا من رجلٍ قاسٍ لا يرحم إلى شخصٍ قلبه مليء بالرحمة؛ وشاول الطرسوسي من قاتل إلى خادم للرب يحمل رسالة الحياة.

ثانيًا: أهداف قدسية
لماذا حوّل الرب الشعوب إلى شفةٍ نقية؟
1- ليذكروا اسمه: عندما تتنقّى الشفاه وتطهر تبدأ في الدعوة باسم الرب. ومكتوب "كل من يدعو باسم الرب يخلص." عجيبة هي هذه التحويلات! الشفاه التي لم تذكر اسم الرب - وإن ذكرته تذكره بالباطل - تحوّلت إلى شفاهٍ تسبّح وتفرح وتذكر اسم الرب مقدمةً ذبيحةَ التسبيح أي ثمر شفاه معترفة باسمه. يقول داود: "شفتاي تسبحانك..." بهذه الشفاه نتحدّث إلى ملك الملوك ورب الأرباب ونشكر الله ونعبده عبادة قلبية بفكر واحد.
2- ليعبدوا الرب بكتف واحدة: أي جنبًا إلى جنب. وهذه الفكرة مأخوذة من مشهد ثورين يوضع النير على كتفيهما – لنعبد الرب بكتف واحدة أي نحمل معًا نير المسيح – "احملوا نيري عيكم وتعلّموا مني... لأن نيري هيّن وحملي خفيف. فتجدوا راحة لنفوسكم..." أي نتّحد معًا في خدمة الرب... نعبده خادمين، ونخدمه عابدين. حمل بولس نير المسيح وتحمّل الآلام وكان شعاره: "لست أحتسب لشيء، ولا نفسي ثمينة عندي، حتى أتمّم بفرح سعيي والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع، لأشهد ببشارة نعمة الله."

ثالثًا: النتائج اليقينيّة
تحويل الشعوب إلى شفةٍ نقية ينتج عنها بركات عظيمة ورائعة.
1) عدم الخزي: "في ذلك اليوم لا تخزَيْن من كل أعمالك التي تعدّيتِ بها عليّ." لأني غفرت لك ولا أعود أذكر خطاياك وآثامك فيما بعد – "قد محوت كغيم ذنوبك وكسحابة خطاياك." "أنا أنا هو الماحي ذنوبك لأجل نفسي (هللويا)، وخطاياك لا أذكرها." لا نخزى عند مجيئه بل نقابله برأسٍ مرفوع "والرجاء لا يُخزي، لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا."
2) التواضع: "أنزع من وسطكِ مبتهجي كبريائك، ولن تعودي بعد إلى التكبّر في جبل قدسي." "يقاوم الله المستكبرين، وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة." والتواضع يسبّب الارتفاع "من يضع نفسه يرتفع."
3) الاتكال على الرب: نقرأ في هذا الأصحاح: "وأبقي في وسطكِ شعبًا بائسًا ومسكينًا، فيتوكّلون على اسم الرب." وماذا يقول عن المتوكّلين على الرب؟ "طوبى لجميع المتوكلين عليه." "الاحتماء بالرب خير من التوكّل على الرؤساء."
4- النقاوة: لا يفعلون إثمًا ولا يتكلمون بالكذب ولا يوجد في أفواههم لسان غشّ... صارت ليس شفاههم فقط نقية لكن قلوبهم وحياتهم بالكامل صارت طاهرة نقية مقدسة و "طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله."
5- الأمان: "يرعون ويربضون ولا مخيف". يستطيعون التغنّي مع داود:
"الرب نوري وخلاصي، ممن أخاف؟ الرب حصن حياتي، ممن أرتعب؟"

المجموعة: شباط (فبراير) 2021