مقدمة: سفر يونان هو سفر تاريخي، وقصة يونان هي قصة واقعية حقيقية، حدثت تمامًا كما هي مدوّنة في الكتاب المقدس.

أشار إليها الرب يسوع المسيح الصادق الأمين بأنها حدثت فعلاً. ادّعى البعض من غير المؤمنين أنها لا يمكن أن تكون حقيقية لأن الحوت في ظنهم، لا يستطيع أن يبتلع إنسانًا. ولكن التاريخ والواقع أثبت أنه ممكن وقد حدث أكثر من مرة، وقد دوَّن ذلك رجل الله الراحل كريستوفر ويليس الذي كان مرسلاً في الصين ومديرًا لغرفة الكتاب (Book Room) في هونغ كونغ، دوّنه في كتابه "دروس من يونان النبي". وأهم من هذا كله هو ما قاله الرب يسوع (انظر متى 39:12-41؛ 4:16؛ ولوقا 29:11-32) بالإضافة إلى هذا كله لنلاحظ أن الكتاب المقدس يقول: "وأما الرب فأعدّ حوتًا عظيمًا ليبتلع يونان." (17:1) والآن سنتكلم عن ثلاثة من الدروس الثمينة:

الدرس الأول - الخادم والطاعة
الطاعة هي شرط أساسي للخادم الأمين. إن كان هذا شرطًا بالنسبة للناس عامة فكم بالأولى يجب أن يكون شرطًا أساسيًا بالنسبة لخدام الرب. جاء في مزمور 20:103 قول داود "باركوا الرب يا ملائكته المقتدرين قوة. الفاعلين أمره عند سماع صوت كلامه." لقد سقط شاول أول ملك لإسرائيل إذ تصرّف طبقًا لأفكاره لا لما أمر به الرب. فقال له صموئيل: "هُوَذَا الاسْتِمَاعُ أَفْضَلُ مِنَ الذَّبِيحَةِ، وَالإِصْغَاءُ أَفْضَلُ مِنْ شَحْمِ الْكِبَاشِ. لأَنَّ التَّمَرُّدَ كَخَطِيَّةِ الْعِرَافَةِ، وَالْعِنَادُ كَالْوَثَنِ وَالتَّرَافِيمِ. لأَنَّكَ رَفَضْتَ كَلاَمَ الرَّبِّ رَفَضَكَ مِنَ الْمُلْكِ." (1صموئيل 22:15-23) عدم الطاعة هو عناد ويعادل عبادة الأوثان. وقد أدّى إلى تدهور مستمر في تاريخ يونان، إذ تتكرّر فيه كلمة "نزل"... فعدم الطاعة يؤدي إلى تدهور مستمر. نزل أولاً إلى يافا، ثم نزل في السفينة، ثم إلى جوف السفينة، ثم طُرح من السفينة فنزل إلى أعماق البحر حيث رأى أسافل الجبال. وهنا لا بدّ أن نقول كلمة لازمة. كان كثيرون يتهكمون قائلين: "هل هناك جبال في أعماق البحر؟" ولكنهم لا يقدرون أن يتهكموا الآن، لأن علماء جغرافيا المحيطات Oceanography اكتشفوا جبالاً في أعماق البحر، وأحد هذه الجبال، لو كان على اليابسة لكان أعلى من جبال الهمالايا في الارتفاع.
ثم ابتلعه حوتٌ من البحر أعدّه الرب، "فكان يونان في جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ." (يونان 17:2) يا للعار، لقد كان تصرف الملاحين الوثنيين أنبل من تصرف النبي يونان. هذا ما تعمله خطية عدم الطاعة، ولا سيما لمن اختارهم الرب لأعمال معيّنة.
لم يُرد يونان أن يقدم الرسالة إلى أهل نينوى لأنهم إذا تابوا يسامحهم الرب. قد يشك البعض في أنه نبيّ. حقًّا ما أبعد أفكاره عن فكر الرب. قال: "علمت أنك إله رؤوف ورحيم بطيء الغضب وكثير الرحمة ونادم على الشر." وهذا صحيح، وكان يجب أن يفرح يونان بذلك. ماذا يكون مصير يونان وكل واحد منا إن لم يكن الرب رحيمًا ورؤوفًا؟ ولكن يونان خاف على كرامته أكثر مما اهتم بمصير 120 ألف من الناس. وهذا يأتي بنا إلى صفة أخرى يجب أن تكون في الخادم. رأينا أنه يجب أن يكون مطيعًا. والآن نرى أنه يجب أن يكون له فكر سيده، كما جاء في فيلبي 5:2 "فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضًا." وأخيرًا نرى أن يونان لم يفرح بنجاح رسالته، ولكنه فرح إذ أعدّ الرب يقطينة لتظلِّل رأسه (يونان 5:4-6).

الدرس الثاني - الشعوب والتوبة
يخبرنا الكتاب المقدس عن دخول الخطيئة إلى العالم، وأن الجميع زاغوا وفسدوا. ولكن الله يتمهّل على الإنسان ويعطيه فرصة للتوبة، لأنه لا يُسرّ بموت الشرير بل بأن يرجع الشرير عن طريقه ويحيا. ولكن متى انتشر الشر في أمة بأسرها ووصل إلى حدٍّ معيّن ورفض التوبة، فإن الله يعاقب هذا الشعب، بل قد يهلكه تمامًا. هذا حدث أولاً في أيام نوح (تكوين 6-8) إذ أهلك الإنسان بالطوفان. ولم ينجُ سوى ثمانية أشخاص، هم نوح وعائلته. ثم حدث لسدوم وعمورة في أيام لوط، "وكان أهل سدوم أشرارًا وخطاة لدى الرب جدًا." (تكوين 13:13) قال الرب يسوع أن هذه الأيام الأخيرة ستكون مثل أيام نوح ومثل أيام لوط! ولنا في قصة يونان إنذارًا لنا في هذه الأيام.
قال الرب ليونان: "قم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة ونادِ عليها لأنه قد صعد شرهم أمامي." (يونان 2:1) إن الله يرى ويعرف كل ما يحدث في كل وقت وفي كل مكان في هذا العالم، ولكن الله يحب الإنسان، لذلك هو يتأنّى ويعطيه فرصة للتوبة. وفعلاً "آمن أهل نينوى بالله ونادوا بصوم ولبسوا مسوحًا من كبيرهم إلى صغيرهم." حتى أن ملك نينوى ندم وتواضع وقال: "لعلّ الله يعود ويندم ويرجع عن حموّ غضبه." وفعلاً عفا الرب عنهم (يونان 5:3-10). والآن نقول بكل أسف أن أيامنا تشبه أيام نوح. إذ الناس لا يبالون بكل الإنذارات، ولا يصدقون أن الله سيعاقب على الخطايا، بل كثيرون لا يؤمنون بوجوده. كما أنها تشبه أيام سدوم وعمورة، إذ انتشر الشذوذ الجنسي – بل نقول بكل أسف أنه أصبح مقبولاً رسميًا في معظم الدول التي تُسمّى مسيحية بالرغم مما جاء في الكتاب المقدس (اقرأ رومية 18:1-28؛ 1كورنثوس 9:6-11)
والآن يتكلم الرب وينذر بواسطة وباء "كورونا فيروس". تقوم الحكومات بمحاولات لعلاج هذا الوباء والوقاية منه، لكنها تنسى أن أحسن علاج هو في التوبة والتواضع والرجوع عن الشر والفساد. كما يجب أن نعترف بذنوبنا، كأفراد وكمجتمع. يجب الاعتراف بالظلم والكبرياء والغش والفساد في الكلام والعمل. يجب الابتعاد عن الإباحية والشذوذ الخلقي. إن الله يرحم الشعب متى تاب عن هذه الشرور، حتى وإن كان وثنيًّا وسلك بالعدل والأمانة. هذا ما حدث لنينوى ولكل شعبها.
البقية في العدد القادم

المجموعة: كانون الثاني (يناير) 2021