هذه العبارة وردت في سفر أيوب 4:9. والتاريخ يشهد بوضوح لهذه الحقيقة الخطيرة التي يتجاهلها الكثيرون، بل أقول معظم الناس. فهم يسيرون بحسب آرائهم وأفكارهم ويتجاهلون إرادة الله، كما لا يبالون بالإنذارات الكثيرة التي في الكتاب المقدس.

فهم لا يقرأون كلام الله. وإن قرأوه أو أخبرهم أحدٌ به لا يبالون. وهدفنا من هذا المقال هو أولاً إنذار المؤمنين لئلا يقعوا في هذه الخطيئة فيحرمون أنفسهم من الفرح الروحي والتمتّع بالشركة مع الرب. وهو أيضًا لغير المؤمنين لإنذارهم لكي يتوبوا ويرجعوا إلى الله الذي يرحب بالخاطئ التائب. والآن سنعطي ثلاثة أمثلة من التاريخ تدلّ على هذه الحقيقة، أنه ليس هناك من تصلّب عليه وسلم.

أولاً – فرعون ملك مصر
كان بنو إسرائيل عبيدًا في أرض مصر. "فاستعبد المصريون بني إسرائيل بعنف، ومرّروا حياتهم بعبودية قاسية في الطين واللِّبن (أي الطوب) وفي كل عملٍ في الحقل. كل عملهم الذي عملوه بواسطتهم عنفًا." (خروج 13:1-14) فلما صرخوا إلى الله من العبودية صعد صراخهم إلى الله. فأقام الرب موسى وهارون ليُخرِجوا الشعب من أرض مصر. وأمرهما أن يدخلا إلى فرعون ويقولا له أن يُطلق الشعب ليعبدوا الرب في البرية. ولكن فرعون قسّى قلبه. "فقال فرعون: [من هو الرب حتى أسمع لقوله فأُطلق إسرائيل؟ لا أعرف الرب، وإسرائيل لا أطلقه.]" (خروج 2:5) قسّى فرعون قلبه وتصلّب على الرب. فضرب الرب مصر بضربات كثيرة، مدوّنة لنا في سفر الخروج 7-12 وقد لخّصها كاتب مزمور 105 في الأعداد 29-36. قال حكماء فرعون له أن يطلق الشعب قائلين: "ألم تعلم بعد أن مصر قد خربت؟" (خروج 7:10) ولكن فرعون استمرّ في عناده وقساوة قلبه. قال صموئيل النبي لشاول، أول ملك لإسرائيل: "هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة، والإصغاء أفضل من شحم الكباش. لأن التمرّد كخطية العرافةِ، والعناد كالوثن والترافيم. لأنك رفضت كلام الرب رفضك من الملك." (1صموئيل 22:15-23) رأينا أن مصر خربت بسبب عناد وتصلّب فرعون. ولكن ماذا حدث لمصر، ولفرعون؟ مات ابنه البكر وكل أبكار المصريين. ليس ذلك فقط، بل "دفع الرب فرعون وقوّته في بحر سوف." (مزمور 15:136) "غاصوا كالرصاص في مياهٍ غامرة." (خروج 10:15)
أيها القارئ العزيز، إن الهدف من هذا المقال هو الإنذار بخطورة العصيان، أي تصلّب القلب. إن كنت مؤمنًا مخلّصًا بالنعمة فاحذر من أن تستهين بعدم الطاعة، بل في كل الظروف الصعبة والسهلة لتكن طاعة الرب طاعة كاملة بدون تردّد أو تساؤل. ليت الرب يعيننا جميعًا لكي نتحاشى خطيئة العصيان في الأمور الكبيرة والصغيرة.

ثانياً: نبوخذنصر ملك بابل
كانت بابل أعظم إمبراطورية في العالم في ذلك الوقت. وكان نبوخذنصّر أعظم ملوكها. ليت القارئ العزيز يدرس ما جاء عنه في سفر دانيال. والآن سأقتبس بعض ما جاء عنه في الوحي المقدّس. في دانيال 37:2-38 قال له دانيال: "أنت أيها الملك ملكُ ملوكٍ، لأن إله السماوات أعطاك مملكةً واقتدارًا وسلطانًا وفخرًا. وحيثما يسكن بنو البشر ووحوش البَرِّ وطيور السماء دفعها ليدك وسلّطك عليها." لكن نبوخذنصّر تكبّر جدًّا. ولما رفض شدرخ وميشخ وعبدنغو أن يسجدوا للتمثال الذي عمله قال لهم نبوخذنصّر أنهم إن لم يسجدوا للتمثال الذي عمله "ففي تلك الساعة تُلْقَوْن في وسط أتون النار المتّقدة. ومن هو الإله الذي ينقذكم من يديّ؟" (دانيال 15:3) وفي دانيال 4 فسّر له دانيال حلمه وقال له: "أنت يا أيها الملك، الذي كبرت وتقوّيت، وعظمتكَ قد زادت وبلغت إلى السماء، وسلطانك إلى أقصى الأرض." ونصحه أن يفارق خطاياه بالبرّ وآثامه بالرحمة (انظر دانيال 4). وإذ كان ذات يوم يتمشّى على قصر مملكة بابل وقال: "أليست هذه بابل العظيمة التي بنيتها لبيت المُلك بقوة اقتداري، ولجلال مجدي؟" (ع 30) في تلك اللحظة جاء الحكم عليه فانحطّ مثل الحيوانات... حقًّا، من تصلّب عليه فسَلِم؟

ثالثاً: هيرودس الملك
وهو هيرودس أغريباس الذي كان ملكًا على اليهود عام 37-44م، وكان يحب اليهود ويكره المسيحيين، وهو حفيد هيرودس الكبير الذي أعطى نفسه هذا اللقب، وهو الذي أمر بقتل أطفال بيت لحم. يخبرنا الوحي المقدس في أعمال الرسل 12 أنه مدّ "يديه ليسيء إلى أناسٍ من الكنيسة، فقتل يعقوب أخا يوحنا بالسيف. وإذ رأى أن ذلك يرضي اليهود، عاد فقبض على بطرس" ووضعه في السجن ناويًا أن يقدمّه للشعب. ولكن الله أخرج بطرس من السجن بطريقة معجزية (راجع أعمال الرسل 12)، وذلك استجابة لصلوات المؤمنين. كان يجب على هيرودس أن يتواضع ويدرك إرادة الله، لكنه أمر بقتل الحراس.
بعد ذلك حدث في يومٍ معيّن أن هيرودس لبس الحلّة الملوكية وجلس على كرسي المُلك وكان يخاطب الشعب، فصرخ الشعب: "هذا صوت إلهٍ لا صوت إنسان!" وهنا نرى إلى أي درجة ازدادت كبرياؤه. ففي الحال ضربه الرب "لأنه لم يعطِ المجد لله. فصار يأكله الدود فمات." في لحظة جاء خرابه. يا لها من موعظة... من الحلّة الملوكية إلى الدود! حقًّا قبل الكسر الكبرياء وقبل السقوط تشامخ الروح. مخيف هو الوقوع في يدي الله الحيّ!
فرعون، نبوخذنصّر، هيرودس، كل هؤلاء أعطاهم الله سلطانًا ولكنّهم تقسّوا وتصلّبوا فلم يسلموا. دعونا نحن المؤمنين نعيش بالوداعة والتواضع متمثّلين بمخلّصنا الرب يسوع المسيح الذي قال: "تعلّموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم."

المجموعة: تموز (يوليو) 2021