السؤال: بعض الناس يظنون أن المسيحية تقيّد حرية الفرد لأنها تعارض أمورًا كالإجهاض أو الطلاق أو قتل بعض المرضى الميؤوس من شفائهم.

الجواب: إنه أمر غريب حقًا أن تُتّهم المسيحية بأنها تقيّد الحرية الشخصية. هذا اتهام مجافٍ تمامًا للحقيقة. فالحقيقة هي أن المسيح هو الذي أعطانا الحرية الحقيقية، وحقٌّ له أن يقول: "إنكم إن ثبتّم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي وتعرفون الحق والحق يحرركم." (يوحنا 31:8-32) وحقٌّ أيضًا أن يقول: "فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا." (يوحنا 36:8)
فهو الذي عرّفنا معنى الحرية، الحرية الحقيقية من الخطية وعبوديتها، الحرية من العادات الذميمة، الحرية من الذات، وهو قد عرّف المرأة معنى الحرية من قيود التخلّف والعبودية للرجل كما كانت قبل المسيح.
لكن المشكلة في هذه الأيام أن الناس لا يعرفون معنى الحرية، البعض يظن أن الحرية هي التخلّص من السلطة، فالإنسان في هذه الأيام أساء فهم الحرية الحقيقية وحوّلها إلى فوضى بل إلى رخصة للدعارة فثار على كل سلطة. ثار الإنسان على كل سلطة وُضعت عليه، فرأينا الأولاد يثورون على سلطة الآباء ويخرجون من بيوتهم ويهيمون على وجوههم ويتشردون في الشوارع ويجوعون ويعيشون في الفساد لمجرد أنهم يريدون أن يتخلصوا من سلطة الآباء. وثار الكبار على معنى الزواج المسيحي وعلى سلطة الله في هذا الزواج، فتعايشوا معًا رجالاً ونساء أو رجالاً ورجالاً، أو نساء ونساء في زنى وشذوذ، واعتبروا هذا حرية. وثار الناس على سلطة الدولة فحطوا المباني الحكومية وأهانوا الدولة وداسوا الأعلام، كما حدث ويحدث في أماكن كثيرة في العالم. وثاروا على الكنيسة، وثاروا قبل كل شيء وأساسًا لكل هذا على الله فأرادوا أن يتخلّصوا من كل سلطة إلهية عليهم فصاروا في عبودية حقيقية.
البعض الآخر يظن أن الحرية هي أن يعمل الإنسان أي شيء يعنّ له في أي مكان وفي أي ظروف، ولست أدري لماذا إذًا يطيعون قواعد المرور بكل دقّة، فلا يتخطّون الإشارة الحمراء، أتراه الخوف من العقاب! لو أن الأجرام في السماء تحرّرت من أفلاكها لتصادمت وأدّى ذلك إلى كوارث لا يمكن تصوُّر مداها. لو أن القطار تحرر من القضبان التي يسير عليها لأدّى ذلك إلى خراب وموت. لو أن السائق تجاهل قواعد المرور لتعاقبت الحوادث والكوارث. هم ظنوا أن فكر الإنسان الساقط أحكم من إرادة الله كلي الحكمة، فبدل أن يطيعوا ويتمسّكوا بوصية الله تمسّكوا بوصايا الناس لأنهم أخطأوا فهم الكتاب وأخطأوا فهم الحرية.
والبعض الآخر يظن أن الحرية هي أن تفعل أي شيء طالما هذا الشيء لا يضرّ الآخرين، ولعل هؤلاء أقلّ إباحية بعض الشيء من سابقيهم، لكنهم يظنون أن الخطية في أساسها ليست هي الإساءة إلى الآخرين، بل هي موجّهة إلى الله أولاً "إليك وحدك أخطأت والشر قدّام عينيك صنعت لكي تتبرّر في أقوالك وتزكو في قضائك." (مزمور 4:51) ظنوا أنهم يرفعون من شأن المرأة إذا هم حرروها من مسؤولية البيت والروابط العائلية، تطلّق متى شاءت، وتتخلّص من جنينها متى عنّ لها ذلك، وهم في واقع الأمر أساءوا إلى المرأة، وخفّضوا من شأنها أكثر من أي شيء آخر، أو أكثر من أي شخص آخر.
تحرّر الرجل من أمر الوحي القائل: "وأما أنتم الأفراد فليحب كل واحد امرأته هكذا كنفسه..." (أفسس 33:5) تحرّرَ من هذا الأمر فابتدأ يظن أن له سلطانًا على الزوجة لأنه رأس المرأة فأذلّها واحتقرها وأساء إليها، ونسي أن الرب يقول أن تحب امرأتك كنفسك. وقال: "أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحبّ المسيح أيضًا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها." (أفسس 25:5) فقد أحب المسيح الكنيسة فبذل نفسه لأجلها. المسيح الذي هو رأس الكنيسة لم يحاول أن يسخر منها أو أن يحتقرها، لكنه أحبّ الكنيسة، أحبها حتى بعد أن أخطأت، ولم يرَ فيها عيبة.
والمرأة أيضًا تحرّرت من أمر الوحي القائل: "أما المرأة فلتهب رجلها." (أفسس 33:5) "أيتها النساء اخضعن لرجالكنّ كما للرب." (أفسس 22:5) وظنّت المرأة أن الخضوع والطاعة يعنيان أنها أقلّ شأنًا من الرجل، ونسيت أن الله الابن أطاع الله الآب وخضع له، مع أنه لا يقلّ عنه أبدًا، بل هما الاثنان واحد، وهم واحد في الجوهر وفي الطبيعة.
وتحرّر الاثنان، الرجل والمرأة من قول المسيح: "وأما أنا فأقول لكم إن مَنْ طلّق امرأته إلا لعلّة الزنى يجعلها تزني، ومَنْ يتزوّج مطلّقة فإنه يزني." (متى 32:5) فتحطّم البيت المسيحي وأدّى ذلك بالطبيعة إلى تصدّع المجتمع كله، لأن البيت هو الوحدة التي يتكوّن منها المجتمع كله. هذه هي حقيقة عرفها الشيطان منذ القديم فوجدناه لا يجرّب آدم ليسقطه قبل أن يتزوّج حواء، لكنه جرّب آدم وحواء بعد زواجهما لأن الشيطان لا يهمّه كثيرًا أن يُسقط فردًا واحدًا وإنما يريد أن يحطّم البشرية كلها، وسبيله إلى ذلك هو أن يهدم البيت فيتداعى المجتمع كله.
نسي الإنسان وصية الله السادسة "لا تقتل" (خروج 13:20) فأباح لنفسه أن يقتل الجنين في بطن أمه، وأن يقتل المريض الميؤوس من شفائه، وعاد الإنسان ليستخدم ذات الأسلوب الذي استخدمه آدم بعد سقوطه حين ناداه الله: "... أين أنت؟" (تكوين 9:3) فحاول آدم أن يبرّر نفسه أمام الله "فقال آدم: [المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت." (تكوين 12:3) وبرّرت حواء نفسها "فقالت المرأة: الحية غرّتني فأكلت." (تكوين 13:3) وكما حاول آدم وحاولت جواء أن يبرّرا نفسيهما أمام الله، يحاول أبناء آدم اليوم أن يبرّروا أنفسهم فيقولون لله هذه هي الحرية التي أعطيتنا إياها، إننا نتصرّف لأننا أحرار، أو يقولون إن الجنين ليس حيًّا أو إن الرحمة هي في قتل الميؤوس من شفائهم، وهم يعلمون أنهم ينادون بأمور باطلة لكي يبرروا خطأهم. فالجنين حيّ من أول لحظة، والرحمة الحقيقية ليست في قتل إنسان، ولكن في أن نعين هذا الإنسان لنخفّف من آلامه ولنقدّم له الحرية الحقيقية، نقدّم له المسيح الذي يعينه في مرضه ويقوده في موكبه حتى وإن كان في وادي ظلّ الموت.

المجموعة: أيلول (سبتمبر) 2021