يقول البعض إن هنالك أكثر من أربع بشائر، ورسائل بلا عدد وهم يقصدون بهذا القول أن يبيّنوا أن بشارة المسيح هي بشارة حيّة ورسالة المسيح هي رسالة ناطقة!

فالكتب المقدسة ليست تحفًا قديمة توضع في المتاحف وتُزيَّن بها المكتبات والصالونات، وقد عجبت للذين يجمعون الكتب الكثيرة ولكنهم لا يقرؤونها بل يكدّسونها للتباهي والمفاخرة! وليس الإنجيل عبارة عن تعويذة توضع تحت وسادة النائم لتطرد الأرواح الشريرة. إن إنجيل المسيح الذي يبحث عنه الناس اليوم هو الإنجيل الذي يتكلم بسلطان مُرسِلهِ فلا يستطيع أحد أن يناقضه. ورسالة المسيح هي الرسالة التي تبحث عنها البشرية وهي الرسالة الفعالة المعبّرة عن فكر مرسلها بجلاء ووضوح.
يكتب لوقا البشير في سفر أعمال الرسل هذه العبارة: "فلما رأوا مجاهرة بطرس ويوحنا ،وعرفوا أنهما إنسانان عديما العلم وعاميان، تعجّبوا. فعرفوهما أنهما كانا مع يسوع." (أعمال 13:4) فقد قرأوا الرسالة الواضحة وعرفوا اسم مؤلّفها.
ورغم كل الرسائل القويّة والبليغة التي وجّهها الرسول بولس إلى كنائس وأشخاص كثيرين فإنه يركّز على رسالة واحدة معرّفة بالإضافة إلى ضمير المتكلّمين." فيكتب إلى كنيسة كورنثوس: "أنتم رسالتنا، مكتوبة في قلوبنا، معروفة ومقروءة من جميع الناس." (2كورنثوس 2:3) وذلك بالرغم من أن هؤلاء كانت لهم بعض الضعفات والمشاكل! فما هي عناصر هذه الرسالة وما هي مواصفاتها؟

أولاً: عناصر هذه الرسالة

1- مادتها
كانت الرسائل في العهد القديم تُكتب على شرائح نباتية أو جلود. ولكن الرسائل اليوم تُصاغ بواسطة الورق والحبر يدويًا وبالطباعة بأنواع كثيرة. وما لنا وللرسائل النصيّة بواسطة الإنترنت.
- أَهدى مصنع ورق في إنكلترا رزمة من الورق الفاخر للملكة، فأُعجبت بها جدًا، وقامت بزيارة للمعمل، وسألت المدير عن المواد الأولية التي يُصنع منها هذا الورق الجميل، فأخذها إلى مستودع مليء بأكوام من الخرق البالية الرثّة، التي حوّلتها أيدٍ ماهرة إلى مثل ذلك الورق الجميل. وبحسب قول الرسول بولس، فالمؤمن هو رسالة المسيح الحقيقية. وعمل نعمة الله المخلّصة قد حوّله من مثل تلك الخرق البالية إلى مادة نقيّة فأصبح إنسانًا صانعًا سلامًا.
- وعندما تقوم ربّة البيت بتنظيف المسكن فهي تفعل ذلك لكي تجد لذّتها في السكن فيه، لا تتركه هكذا وتسكن في الساحة، وهكذا فالروح القدس سكن في المؤمن الذي تنقّى بكفّارة دم المسيح.

2- شكلها
يُقال في الأمثال: "إن الرسالة تُقرأ من العنوان." فنحن كبشر لا نستطيع أن ندخل إلى داخل قلب الإنسان أو نعرف أفكاره. ولكن كلمة الله تقول: "من ثمارهم تعرفونهم." وقال الرب أيضًا: "هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثمارًا جيدة، وأما الشجرة الردية فتصنع أثمارًا رديّة، لا تقدر شجرة جيدة أن تصنع أثمارًا رديّة، ولا شجرة رديّة أن تصنع أثمارًا جيّدة." (متى17:7-18) وهكذا فإن الظاهر يعرّف عن الباطن.

3- موضوعها
إن موضوع الرسالة هو محرّك وجودها، فإن كانت الرسالة بدون موضوع بل هي عبارة عن كلمات مصفوفة إلى جانب بعضها البعض فإنها تُهمَل وتُلقى في القمامة، وللرسائل العادية مواضيع مختلفة، ولكن الرسالة الحقيقية موضوعها واحد موحّد وهو سرّ قوّتها. في بعض التجمّعات الدينية يحاول قسم من المتكلّمين أن يركّز على أمثال وأقوال مأثورة، وآخر يركّز على قوّات ومعجزات، وغيرهم على مكتشفات العلم الحديث، وآخرون على مستخلصات الفلسفة البشريّة، وتمضي رسائلهم بدون قوة أو سلطان. ولكن الرسول بولس يدرك الموضوع الأساسي المضمون والفعّال فيقول: "لأن اليهود يسألون آية، واليونانيين يطلبون حكمة، ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوبًا: لليهود عثرة، ولليونانيين جهالة! وأما للمدعوّين: يهودًا ويونانيين، فبالمسيح قوةّ الله وحكمة الله." (1كورنثوس 23:1-24) ويقول أيضًا: "لأني لم أعزم أن أعرف شيئًا بينكم إلا يسوع المسيح وإياه مصلوبًا." (1كورنثوس 2:2) فإن كان المؤمن هو رسالة المسيح للعالم، فيجب أن يكون كل سطر فيه، بل كل جملة، وكل كلمة، تعلن يسوع المصلوب الذي يخلّص وليس سواه.

4- الذين يقرؤونها
يظن البعض أن المسيحي يجب أن يُظهر بحياته أو بكلامه رسالة المسيح أمام المسيحيين فقط، لئلا يؤدّي ذلك إلى إثارة التعصّب والتسبّب بالحرج. ولكن الرسول بولس يبيّن في آية موضوعنا رأيًا آخر إذ تقول الآية: "معروفة ومقروءة من جميع الناس."
وفي خاتمة تعليم الرب يسوع لتلاميذه قبيل صعوده إلى السماء بعد القيامة من الأموات قال بكل وضوح: "اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها. من آمن واعتمد خَلَصَ، ومن لم يؤمن يُدَنْ." (مرقس 15:16-16)
إن هذه الإرسالية العظمى ترتّب مسؤولية مزدوجة، فهي ترتب مسؤولية كبرى على المؤمنين الحقيقيين لتبشير جميع الناس بخلاص المسيح – ومسؤولية عظمى على الذين يسمعون هذه البشارة: إن لم يؤمنوا بخلاص المسيح فسيُدانون مهما كانت ديانتهم، وأيًا من كان أنبياؤهم أو معلّموهم. فهم سيُدانون جميعًا لعدم إيمانهم بالمسيح.
لقد أعجبني قول المهاتما غاندي، الزعيم الهندي المعروف، في حديثه مع المبشّر الشهير "ستانلي جونز" حيث قال:
1) إن كنتم تأتون إلينا بقوة وسلطان دولتكم فلن نقبلكم، ولكن إن كنتم تأتون بروح مسيحكم فلسنا نستطيع أن نقاوم.
2- إن العالم يريد مسيحكم لا مسيحيتكم.
3- إن أجمل ما في المسيحية هو الصليب.
هذا وإن صليب المسيح كان قد رُفع على تلة الجلجثة لكي يراه القريب والبعيد.

ثانيًا: صفات الرسالة الحقيقية

1- إن أولى صفات هذه الرسالة هي أنها رسالة ناطقة، فهي ليست خرساء صامتة، بل تنادي بقوة لتعلن صليب المسيح بسلطان الحق الإلهي الذي أخذته بالنعمة من الذي قال: "أنا هو الطريق والحق والحياة. ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي." (يوحنا 6:14) ويصف الرسول بولس ذلك بقوله: "في كلام الحق، في قوة الله بسلاح البرّ لليمين ولليسار." (2كورنثوس 7:6)

2- هي رسالة "قويّة وفعّالة". وقوة الرسالة ليست في ذاتها، بل في مرسلها صاحب السلطان الذي يجعل من هذه الأدوات الضعيفة "كالحبر والورق" قوة تصميم وتأييد وانتصار. يتفاخر بعض الناس بالكتب الثمينة الكثيرة الموجودة في مكتباتهم وهم لم يقرأوها. وهكذا تفتخر بعض الكنائس التقليدية بعدد الأعضاء المسجلين في دفاتر عضويتها، وهم لم يفعلوا شيئًا لنشر بشارة الإنجيل.

3- هي رسالة "واضحة مكشوفة"، ليس فيها غموض ولا كتمان. كما قال الرسول بولس: "ولكن إن كان إنجيلنا مكتومًا، فإنما هو مكتوم في الهالكين، الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين، لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح، الذي هو قوة الله." (2كورنثوس 3:4-4)

4- هي رسالة ثانية "غير متزعزعة"، لا تتغيّر بسبب الظروف، ولا تسير مع التقليد والتيارات البشرية، فالسمك الميت فقط هو الذي يسير مع التيار.

5- هذه الرسالة هي رسالة "كاملة" لا يشوبها النقص والضعف والهوان. كما قال الرب يسوع: "فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل." (متى 48:5)

6- هي رسالة "جديدة" - بل متجدّدة في كل يوم، ليست عتيقة بالية قائمة على خرافات لا دليل لها، بل هي نشيطة مجدّدة بقوة الله الذي يعطي قوة لكلّ مرحلة، وزادًا للطريق بطولها، "وأما ما عتق وشاخ فهو قريب من الانحلال." (عبرانيين 13:8)

7- هي رسالة "مجيدة" وأية رسالة أوضح معنى وأعظم أثرًا وأكثر فخرًا من أن يعيش الإنسان حياة يعلن فيها لكل من حوله وفي كل الظروف عن محبة يسوع، ولطف، وحنان، وتواضع، وأمانة، وصبر، وتضحية الرب يسوع، فتكون حياتنا مرآة تعكس فضائل ذاك الذي أحبنا وفدانا، وصفاته الرائعة، وذلك ليس منا بل من فضل نعمته كما يقول الرسول بولس:
"ولكن لنا هذا الكنز في أوانٍ خزفية، ليكون فضل القوة لله لا منَّا." (2كورنثوس 7:4) عاملين بكل تواضع وإنكار للذات حسب قول الرب: "كذلك أنتم أيضًا، متى فعلتم كل ما أُمرتم به فقولوا: إننا عبيدٌ بطّالون، لأننا إنما عملنا ما كان يجب علينا." (لوقا 10:17)

المجموعة: أيلول (سبتمبر) 2021