ما أكثر الأوبئة والأمراض التي تحيطُ بنا... أوبئة جسدية، اجتماعية، نفسية وروحية! في مزمور 91 نرى كاتب المزمور يُساق بالروح القدس ويَتكلّم أجمل ما نَطق به إنسان لأن كلام الرب هو ربُّ الكلام.


في بداية المزمور نسمع الإنسان الساكن في ستر العلي يَتقدم بشهادته، فيقول في العدد الثاني: «أقول للرب ملجأي وحصني إلهي فأتَّكل عليه». ثم يصف تعاملات الرب مع الإنسان في العدد 9:
"لأنك قلت: «أنتَ يا ربُّ ملجأي.] جعلتَ العلِيَّ مسكنَكَ." ثم في نهاية المزمور يتكلّم كاتب المزمور بصوت الرب الذي يطمئن الإنسان بقوله: "لأنه تعلّق بي"، أي إن هذا الإنسان الذي يتعلَّق قلبه بي ويتّكل عليَّ أنجِّيه، "لأَنَّهُ تَعَلََّّقَ بِي أُنجّيهِ. أُرَفِّعُهُ لأَنَّهُ عَرَفَ اسْمِي. يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ، مَعَهُ أَنَا فِي الضِّيقْ، أُنْقِذُهُ وَأُمَجِّدُهُ. مِنْ طُولِ الأَيَّامِ أُشْبِعُهُ، وَأُرِيهِ خَلاَصِي."
أيها الأحباء، يوجد في بلاد الغرب رقم للطوارئ غير متوافر في بلادنا. فعندما نقع في مشكلة صعبة، أو نتعرّض لحريق ما، نَطلب على الهاتف رقم الطوارئ 911، وحالاً تأتي النجدة مع الإسعاف الطبي. لكن، عندما نكون في مشكلة روحية، عندنا كذلك رقم الطوارئ الروحي 911. افتحْ إلى مزمور 91 وابحثْ عن الأول الواحد الوحيد والفريد الرب يسوع المسيح واطلبْ منهُ أن يسعفك وينجّيك. فهو وحده القادر أن يُخلّصك ويُنقذك ويقف معك في الضيق. لقد تنازل لكي يرفعك. دعني أقول لكَ بأن هذا المزمور، كأيِّ كلمة من كلام الله، يجب أن يكون محور حياتنا كل حين ولا نستعمله فقط في أوقات الضيق. ففي هذا المزمور يسأل الرب ثلاثة أسئلةٍ يجب علينا أن نجيب عنها؟

1- أين تَسكن وتبيت؟
بكلامٍ آخر، ما هو عنوانك الروحي؟
حين يقول: "الساكن في ستر العلي، في ظلِّ القدير يبيت"، هنا يتكلم عن العنوان الروحي لكلِّ مؤمنٍ مكرّس، وعن الحياة التي تَسكن وسط إرادة الله في القرب منه ليلًا ونهارًا. حياته هي الرب نفسهُ، حياة الصلاة والشركة الحميمة معه... الحياة التي تُطيع الرب وشُغلها الشاغل هو الرب في كل حين، هذا هو قُدس الأقداس.
في مزمور 6:23 يقول: "إِنَّمَا خَيْرٌ وَرَحْمَةٌ يَتْبَعَانِنِي كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي، وَأَسْكُنُ فِي بَيْتِ الرَّبِّ إِلَى مَدَى الأَيَّامِ." سوف تسكن يومًا ما في بيت الرب هناك في المجد، ولكن على الأرض، هل يسكن قلبك في سماوات الشركة مع الرب؟ يقول النبي داود في المزمور 4:27 "واحدةً سألت مِن الربِّ وإياها ألتمس: أن أسكنَ في بيتِ الربِّ كلَّ أيامِ حياتي، لكي أنظُرَ إلى جمال الربِّ، وأتفرّس في هيكلهِ." هنا يسأل كاتب المزمور طلبةً واحدةً من الرب ويطلبها بشدّة "وإيّاها ألتمسُ"، التي هي السكن في بيت الرب كل أيام حياتهِ. ففي العهد القديم كان رئيس الكهنة يدخل مرة واحدة في السنة إلى قدس الأقداس ليُقدّم ذبيحة عن نفسهِ وعن الشعب ويدخل بخوف ورعدة إلى حضور الرب. لكن، بعد موت الرب يسوع المسيح على الصليب، انشقّ حجاب الهيكل وصار لنا الدخول - نحن أولاد الله - إلى قدس الأقداس، مكان الشركة الحقيقية مع الرب والحياة المقدسة المكرّسة المملوءة من روح الله... هناك البركة والحماية!
فالرب يَدعوك لتحتمي فيه، "الساكن في ستر العلي، في ظلِّ القدير يبيت." ونستطيع القول: "إذا سِرتُ في وادي ظلِّ الموت لا أخاف شرًا"، لأنك في ظلِّ من هو أقوى من ظلِّ الموت. هُنا لا أقصد الموت الجسدي، لأنه في ظل القدير لك حياة أبدية وشركة لا تنقطع مع الرب، حتى في ظروف المرض أو الموت. في عبرانيين 19:10-22 تقول كلمة الله: «فَإِذْ لَنَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ ثِقَةٌ بِالدُّخُولِ إِلَى [الأَقْدَاسِ] بِدَمِ يَسُوعَ، طَرِيقًا كَرَّسَهُ لَنَا حَدِيثًا حَيًّا، بِالْحِجَابِ، أَيْ جَسَدِهِ، وَكَاهِنٌ عَظِيمٌ عَلَى بَيْتِ اللهِ، لِنَتَقَدَّمْ بِقَلْبٍ صَادِق فِي يَقِينِ الإِيمَانِ، مَرْشُوشَةً قُلُوبُنَا مِنْ ضَمِيرٍ شِرِّيرٍ، وَمُغْتَسِلَةً أَجْسَادُنَا بِمَاءٍ نَقِيٍّ». فالرب يَدعوك لا إلى قُدس أقداس أرضي أو مكان جُغرافي بل إلى حياة الطاعة والشركة التي تملأ النفس بسلامه العجيب. لذلك، فكلُّ واحد من أولاد الله له الحقّ أن يدخل إلى قدس الأقداس. لا تُعاند الرب وتأكّد اليوم أنَّكَ واحد من أولاد الله. قل له: إني أُريد أن أحتمي في محضرك، حرِّرني وطهِّرني وغيِّرني لكي أكون إنسانًا حسب قصدك. إملأني وقدّسني وأدخلني قُدس أقداسك، هناك أعرف كيفَ أسكن وأبيت وأطمئن وأنام.
عزيزي، هل تدرك معنى هذه الحياة؟ إنها الحياة الفُضلى! لا يوجد أطيب وأحلى من هذه الحياة! قال عنها أحد الأشخاص: «لا يوجد مكان في العالم أحلى وأغلى وأعلى من أن يكون الإنسان عند أقدام الرب». هناك يقول الرب سأُرفِّعكَ لأنك عرفت اسمي، "لأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِي أُنَجِّيهِ... يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ، مَعَهُ أَنَا فِي الضِّيقْ، أُنْقِذُهُ وَأُمَجِّدُهُ".
تَعال إلى الرب لتكون في المسيح وفي ملْءِ المسيح، في محضر الله حيثُ قدس الأقداس الروحية. أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لأحد تلاميذه: "إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلًا." (يوحنا 23:14)الرب يُناديك إلى الحياة العميقة معه: "هأنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ، إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي." (رؤيا 20:3) اِسمع صوت الرب يقول: "الساكن في ستر العلي في ظل القدير يبيت." تعال إليه فهو يُناديك ويفتح ذراعيهِ نحوك. هناك تُقيم في بيتٍ حصين، هناك تعرف كيفَ تُصلّي وتَصنع مع الرب التاريخ، وتقدر أن تطمئن.
أقول للرب: "ملجأي وحصني إلهي فأتكل عليه." في مزمور 1:27 يقول المرنم: "اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟ الرَّبُّ حِصْنُ حَيَاتِي، مِمَّنْ أَرْتَعِبُ؟" ففي ضيقك وخوفك وحُزنك وضعفك اختبئ في الرب حيثُ راحة النفس والاحتماء في ستر القدير.

2- مَن يُنجيك من الخطر المُميت؟
هُناك مواعيد كثيرة ليتنا نَفهمها بمعناها الروحي. هُنا يتكلم صاحب المزمور بأن الرب يَحفظنا. مِن الممكن أن نمرض أو نموت لكن الرب يحفظ أرواحنا ونفوسنا. أول شيء يُنجّيك منه الرب هو فخّ الصياد. فالشيطان عدوك الأول، يضع لكَ فخاخًا لكي يصطادك. وأنت بمفردك لا تستطيع أن تهرب من مملكته لأنه رئيس هذا العالم. فالله هو الذي يُنجّيك من فخِّ هذا الصيّاد. هناك فخاخ مختلفة، ففي 2تيموثاوس 25:2-27 يقول: "عَسَى أَنْ يُعْطِيَهُمُ اللهُ تَوْبَةً لِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ، فَيَسْتَفِيقُوا مِنْ فَخِّ إِبْلِيسَ إِذْ قَدِ اقْتَنَصَهُمْ لإِرَادَتِهِ." يومًا ما في السماء، حينَ تلتقي مع الرب، ستكتشف الفخاخ التي نجّاك منها الرب. فإبليس يحاول أن يصطاد حتى المؤمنين بأنواع فخاخ مختلفة. في أمثال 23:7 يقول: "حَتَّى يَشُقَّ سَهْمٌ كَبِدَهُ. كَطَيْرٍ يُسْرِعُ إِلَى الْفَخِّ وَلاَ يَدْرِي أَنَّهُ لِنَفْسِهِ." هُنا يحكي الكتاب المقدس عن الإنسان الذي وقع في فخّ الزنى والشهوة. فمنذ البدء، إبليس قتّال للناس، يضع لهم فخاخ الشهوة والمال والكبرياء، لكن وعد الرب للمؤمن هو أن يُنجِّيه من فخِّ الصيَّاد. في مزمور 7:124-8 يقول: "انْفَلَتَتْ أَنْفُسُنَا مِثْلَ الْعُصْفُورِ مِنْ فَخِّ الصَّيَّادِينَ. الْفَخُّ انْكَسَرَ، وَنَحْنُ انْفَلَتْنَا. عَوْنُنَا بِاسْمِ الرَّبِّ، الصَّانِعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ." لذلك يستحقّ الرب أن تُعطيه حياتك، فلا تخشى من الوبأ الخطِر، ولا من سهم يطير في النهار، ولا من خوف الليل، ولا من وبأ يسلك في الدُجى. هل تعلم أن مرضَي الطاعون والملاريا هما وباءان يطيران في الليل؟ في أفسس 16:6 يقول الكتاب: «حَامِلِينَ فَوْقَ الْكُلِّ تُرْسَ الإِيمَانِ، الَّذِي بِهِ تَقْدِرُونَ أَنْ تُطْفِئُوا جَمِيعَ سِهَامِ الشِّرِّيرِ الْمُلْتَهِبَةِ». فالرب يحفظك من السهام المُلتهبة، ومن الخوف على أحبائك، ونفسك، ومُستقبلك، ومصيرك، ويحفظك من خوف الليل، ومن الأيام المُظلمة بل "هو مؤتي الأغاني في الليالي."
يقول كاتب المزمور في عدد 4 "بِخَوَافِيهِ يُظَلِّلُكَ، وَتَحْتَ أَجْنِحَتِهِ تَحْتَمِي. تُرْسٌ وَمِجَنٌّ حَقُّهُ». وفي متى 37:23 نتذكر الرب حينَ نَظرَ إلى أورشليم وبكى عليها: "يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا." لقد أتى الرب ليجمع أولاد أورشليم تحت جناحيه كالدجاجة. كم من الملوك دخلوا أورشليم بالسيف ليقتلوا أبناءها، لكن هذا الملك الرب يسوع، دخلها لكي يموت من أجل أبنائها وهكذا فعل لأجلك، ولا زال وعده لكَ: بخوافيَّ أُظلِلُك وتحت أجنحتي تحتمي من الخطر المُميت ومن الوباء الخطر.
هل تعلم ما هو الخطر المُخيف في هذه الأيام؟ إنه حالة عدم الاكتراث بنعمة الله ومحبته الأبدية. فتعال إلى الرب لكي يَشفيك، ويحميك في هذه الأيام الأخيرة، ويُعطيك هذا القلب النقي حتى تستطيع مساعدة الناس من حولك، وفي بلادنا، ولا سيما أهل الإيمان، فيسقط عن جانبك ألف، وربوات عن يمينك... إليكَ لا يقرب إنما بعينيكَ تنظر وترى مجازاة الأشرار.

3- مَن يرفعك من الوادي المَـــقيت؟
يصف الكتاب المقدس المؤمن في هذا العالم في مزمور 84 «طُوبَى لأُنَاسٍ عِزُّهُمْ بِكَ. طُرُقُ بَيْتِكَ فِي قُلُوبِهِمْ. عَابِرِينَ فِي وَادِي الْبُكَاءِ، يُصَيِّرُونَهُ يَنْبُوعًا». نحن في وادي البكاء، ولكن الذي يرفعنا هو الله. وتذكّر تلكَ الكلمات الرائعة: "لأنه تعلّق بي أنجّيه."
يقول في عدد 12: "على الأسد والصلِّ تطأ. الشبل والثعبان تدوس." المقصود بالأسد والثعبان إبليس نفسه الحية القديمة، والأسد الذي بزئيره يُخيف الكل، لكن الله يستطيع أن يمنحك سلطانًا روحيًا لتدوس على كلِّ قوى العدو، على الشيطان الذي يحاول أن يُخيفك ويُخيف الكنيسة، لكن وعد الرب ثابت بأن أبواب الجحيم لن تقوى عليك وعلى الكنيسة. قل له: يا رب، سأقف في الثغرة وأُكرِّس حياتي لكَ. ما أحلى هذه الكلمات التي ترفع الإنسان:
"لأنه تعلَّق بي أُنجِّيه، أُرفعّهُ لأنه عرفَ اسمي." "يردّ نفسي يهديني إلى سبل البر من أجل اسمهِ." ما أعظم هذا الاسم! وإذ تحمل اسم الرب فهو لن يتركك حتى وإن ضللت الطريق، يَردّك ويهديك من أجل اسمهِ. وعندما تتعلّق به وتتواضع وتنكسر أمام الرب سيرفعك إلى فوق.
هل يوجد مثل الرب الذي يترك الـ 99 في الحظيرة ليبحث عن الخروف الضال، وعندما يجده يحمله على منكبيهِ (كتفيهِ) فرحًا؟! إنه الراعي الصالح الذي بذل نفسه عن الخراف! يا لهُ من راعٍ صالح الذي عندما يجد الخروف الضال المسكين لا يَضربه بالعصا لأنه ابتعد، بل يَرفعه من الوحل ويضعه على [منكبيه] دلالة على العظمة والسلطان والأمان! فالخروف لا يستطيع أن يعيش بدون راعٍ، لأنه يعرف أن يَضلّ، ولا يعرف أن يرجع ويُطعم نفسه، أو يدافع عن نفسه، كذلك نحن "كُلّنا كغنمٍ ضللنا. مِلنا كل واحد إلى طريقهِ." فبدون الرب لا نستطيع أن نفعل شيئًا. نحتاج إلى عصا الراعي لتُدافع عنا، وإلى عكازه لكي يدعمنا حينما نضعف.
يقول الكتاب في إشعياء 17:38 "... وَأَنْتَ تَعَلَّقْتَ بِنَفْسِي مِنْ وَهْدَةِ الْهَلاَكِ، فَإِنَّكَ طَرَحْتَ وَرَاءَ ظَهْرِكَ كُلَّ خَطَايَايَ." قل له: "يا رب أنا أتعلّق بكَ لأنك تعلّقتَ بنفسي، وأقمتني من وهدة الهلاك، وطرحت وراء ظهرك كل خطاياي." الرب يحملك على الأذرع الأبدية ويوصي ملائكته بكَ لكي يحفظوك في كل طرقك. تعال إلى الرب وتواضع أمامه لكي تختبر عنايته وبركاته الأبدية، وتَربح النفوس مِن حولك. تعَلِّم من الرب نفسه الذي قال: "تعلّموا مني لأني وديع ومُتواضع القلب، فتجدوا راحةً لنفوسكم."
تعالَ إلى الرب وقُل له: سامحني على الماضي، طهّرني، اغسلني، حرّرني، غيّرني وأسكِنّي في بيتك وقدسك يا أيها القدوس. أنا أقبل موت يسوع المسيح لأجلي على الصليب. تربّع على عرش حياتي واجعلني ذلك الإنسان الجديد الذي تريدني أن أكونه فأحيَا معك ولك إلى الأبد. آمين.

المجموعة: حزيران (يونيو) 2022