سلسلة ثمر الروح: 2- الفرح
"وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ..." (غلاطية 22:5)
طُلب من فنانَيْن أن يرسما لوحتين لتعبرا عن هدوء النفس واطمئنانها وسرورها.

فرسم أحدهما قصرًا كبيرًا وجميلًا، فيه حدائق غنّاء وبرك مياهٍ صافية، ومزوّدة بأروع وأفخم الأثاث وجميع الأطايب والاحتياجات، ويقوم الخدم والعبيد بخدمة ساكنيه... وكل شيء فيه ينمّ عن السعادة والراحة والبهجة.
أما الثاني فقد رسم منظر شلالٍ تهبط المياه من مرتفعات عالية، وتهبّ عليه عواصف عاتية تقلع الأشجار من جذورها، والجوّ مكفهرٌّ عابسٌ، وصوت الرعود والبروق تخيف المرء. ورسم صخرة في وسط هذا المكان بها فتحة صغيرة يسكن فيها عصفور يصدح ويغنّي ولا يهمّه ما يحدث حوله... وكتب تحتها: الفرح والهدوء واطمئنان النفس وسط أصعب الظروف.
ظن الأول أن الفرح والسعادة هما بما نملك، أما الثاني فرأى أن الفرح والسعادة، لا يتوقّفان على الظروف بل كيف نتعامل معها وكيف نحتمى في الرب صخر الدهور.
إن رسالة الرسول بولس إلى كنيسة فيلبي هي رسالة الفرح رغم أنه كتبها من السجن. ووردت كلمة "فرح" في هذه الرسالة 16 مرة، وكلٌ منها تكلّمنا عن الفرح من زاوية معينة:
يكلمنا الأصحاح الأول عن الفرح في الألم، والثاني عن الفرح في الخدمة، والثالث عن الفرح في الإيمان، والرابع عن الفرح في العطاء. لذلك نجد الرسول بولس يقول: "افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضًا افرحوا." والمؤمن الحقيقي قلبه مملوء بالفرح مهما كانت الظروف من حوله، لماذا؟

لأن فرح المؤمن:

1– لا يرتبط بالظروف بل بالرب نفسه
"افرحوا في الرب..." ويذكر الرسول بولس اختباره فيقول: "كَحَزَانَى وَنَحْنُ دَائِماً فَرِحُونَ. كَفُقَرَاءَ وَنَحْنُ نُغْنِي كَثِيرِينَ. كَأَنْ لاَ شَيْءَ لَنَا وَنَحْنُ نَمْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ." (2كورنثوس 10:6)
ويذكر حبقوق النبي اختباره أيضًا في هذا الصدد فيقول: "فَمَعَ أَنَّهُ لاَ يُزْهِرُ التِّينُ وَلاَ يَكُونُ حَمْلٌ فِي الْكُرُومِ يَكْذِبُ عَمَلُ الزَّيْتُونَةِ وَالْحُقُولُ لاَ تَصْنَعُ طَعَاماً... فَإِنِّي أَبْتَهِجُ بِالرَّبِّ وَأَفْرَحُ بِإِلَهِ خَلاَصِي ..." (حبقوق 17:3–19) وكأن حبقوق يقول: فرحى لا يتوقّف على الحالة الاقتصادية أو على ما أملكه، بل على الرب.
بيل جيتس، رئيس شركة ميكروسوفت، أغنى رجل في العالم من عام 2005 إلى 2011، قال لرجال الإعلام: نعم، أنا أغنى رجل، ولكنني لست أسعد رجل. لا أنام نومًا هادئًا، ولا أعيش براحتي، بل أعيش وسط حراسة مشدّدة، ولا أتخيّل كيف سأغادر هذا العالم دون أن يكون معي دولارًا واحدًا في حوزتي."
الفرح والسعادة لا يرتبطان بما نملك بل بالرب نفسه ومدى علاقتنا به.

2– مرتبط باختبار خلاصه
تصوّروا معي إنسانًا محكومًا عليه بالإعدام، وفي طريقه للمشنقة، يركض أحد الحراس ومعه قرار العفو من رئيس البلاد وإيقاف تنفيذ الإعدام... كم سيكون فرح هذا الشخص؟! هكذا الخاطئ الذي سينال الخلاص؟ إنه سيغنّي ويقول: "ميّت وأحياني... حررني يسوع..."
قيل عن زكا العشّار بعد أن ناداه المسيح: "نزل وقبله فرحًا."
وقيل عن الخصي الحبشي بعد أن نال الخلاص واعتمد: "ومضى في طريقه فرحًا."
ويقول النبي إشعياء: "فرحًا أَفْرَحُ بِالرَّبِّ. تَبْتَهِجُ نَفْسِي بِإِلَهِي، لأَنَّهُ قَدْ أَلْبَسَنِي ثِيَابَ الْخَلاَصِ. كَسَانِي رِدَاءَ الْبِرِّ..." (إشعياء 10:61)

3- ومرتبط بالامتلاء بالروح القدس
لأن ثمر الروح القدس هو محبة، فرح..."
ملأ الحزن قلب التلاميذ بعدما صُلب الرب يسوع المسيح، وشعروا بالإحباط والفشل، ولكن بعد القيامة وحلول الروح القدس عليهم يوم الخمسين امتلأوا قوة وتغيّر حالهم فقيل عنهم: "وَكَانُوا كُلَّ يَوْمٍ يُواظِبُونَ فِي الْهَيْكَلِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ. وَإِذْ هُمْ يَكْسِرُونَ الْخُبْزَ فِي الْبُيُوتِ كَانُوا يَتَنَاوَلُونَ الطَّعَامَ بِابْتِهَاجٍ..."
إن فرح المؤمن ينبع من عمل الروح القدس في داخله الذي يعزّي قلبه وقت الحزن والألم فيفرح، ويشجّعه وقت الفشل ويقوّيه وقت الضعف فيفرح، لأن "فرح الرب هو قوتكم."

4– يرتبط برجائه في مجيء المسيح الثاني
الكنيسة هي عروس المسيح، والمسيح هو العريس، والكنيسة تتطلع بشوق وحنين إلى مجيء المسيح عريسها، فهي تحيا على هذا الرجاء فرحة. "لِنَفْرَحْ وَنَتَهَلَّلْ وَنُعْطِهِ الْمَجْدَ، لأَنَّ عُرْسَ الْخروفِ قَدْ جَاءَ، وَامْرَأَتُهُ هَيَّأَتْ نَفْسَهَا... وَقَالَ لِيَ: «اكْتُبْ: طُوبَى لِلْمَدْعُوِّينَ إِلَى عَشَاءِ عُرْسِ الْخروفِ». وَقَالَ: «هَذِهِ هِيَ أَقْوَالُ اللهِ الصَّادِقَةُ.] (رؤيا 7:19–9) لذلك تقول العروس: آمين. تعال أيها الرب يسوع.

5 – فرح المؤمن مرتبط بالضمانات الإلهية:
أي بالمواعيد الإلهية، كيف لا يفرح المؤمن وله أعظم الكنوز وأعظم الذخائر وأروع الحراسات وكلها بضمان مواعيد الله فيقول: "كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلَهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ، اللَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلَهِيَّةِ، هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بالشهوة." (2بطرس 3:1-4) هناك ضمانات لكل الظروف والأحوال فكيف لا نفرح ولا نتهلل؟!

6– فرح المؤمن يرتبط بثمر حصاد الخدمة:
"الذاهب ذهابًا بالبكاء حاملًا مبذر الزرع مجيئًا يجيء بالترنّم حاملًا حزمه." (مزمور 6:126)
أرسل الرب تلاميذه للخدمة، للتبشير والكرازة والشفاء، فيقول الكتاب: "فرجع السبعون بفرح قائلين حتى الشياطين تخضع لنا."
فرح المؤمن هو في نجاح الخدمة، وربح النفوس للمسيح، فيحصد فرحًا هنا وهناك.
الختام: فرح العالم وقتي وسطحي، أما فرح الرب دائم وعميق، لا يستطيع أحد أن ينزعه من قلوبنا. لا يتأثر بالظروف ولكنه مبني ومؤسس على اختبار خلاصنا وفيضان الروح القدس فينا، ورجائنا في مجيء المسيح مدعومًا بالمواعيد الإلهية؛ لذلك نخدم ونحن فرحين.

المجموعة: نيسان (إبريل) 2022