تحتوي صلاة موسى في المزمور 90 على خلاصة اختباراته الروحية التي اكتسبها في مسيرته الطويلة مع الرب، وقيادته شعب إسرائيل في برية سيناء.

وقد وصف أحدهم حياة موسى في ثلاثة مراحل بقوله:
"إن الله اختار رجلًا عمره أربعين سنة، كان يظن نفسه شيئًا في قصر فرعون، وأخفاه في البرية أربعين سنة، فجعله لا شيء، كراعي غنم! ومن ثم استخدمه أربعين سنة، فعلّمه كيف يستطيع صُنع رجل عظيم من لا شيء."
لم يكن موسى نبيًا فقط، بل يُعتبَر بامتياز، أحد أعظم القادة في جميع العصور، إذ قاد شعبًا يتراوح تعداده، ما بين مليون ونصف إلى ثلاثة ملايين نسمة لمدة أربعين سنة، في برية قاحلة بلا ماء ولا طعام، ولا موارد أساسية للحياة. وقد خاض حروبًا مع جيوش ممالك قوية مجهّزة للحرب، فهزمها. ويمكننا أن نتعلّم من صلاة موسى واختباراته ثلاثة دروس روحية هي:

ثبات شخصية الله
يقول رجل الله، إ و توزر: "إن ما يأتي إلى أذهاننا عندما نفكّر في الله هو الأمر الأكثر أهمية بالنسبة لحياتنا". إن صورة الله في أذهاننا مهمة جدًا لتكوين نظرتنا إلى العالم وإلى حياتنا. يبدأ موسى صلاته بالتركيز على صفات شخصية الله وكمالاته، "يا رب، ملجَأً كنتَ لنا في دور فدور. من قبل أن تولدَ الجبال، أو أبدأت الأرض والمسكونة منذ الأزل إلى الأبد أنت الله." (مزمور 1:90) العبادة الحقيقية تبدأ بالتأمّل في شخصية الله وصفاته، فهو الكائن المطلق، الأزلي الموجود بذاته قبل الخليقة، بلا بداية ولا نهاية، وتلك الصفات تنطبق على ابن الله يسوع. "[أنا هو الألف والياء، البداية والنهاية] يقول الرب الكائن والذي كان والذي يأتي، القادر على كل شيء." (رؤيا 8:1) هذا الإله هو ملجأ وصخرة لأولاده، وقد اختبر موسى والشعب القديم في رحلة البرية هذه الصفات كمصدر للعزاء، والأمان وتسديد الاحتياج. لقد سبق لموسى أن سأل الله عن اسمه عند العليقة المتوقّدة بالنار، فكان جواب الله بثلاث كلمات: "أهيه الذي أهيه... أرسلني إليكم." (خروج 14:3) ولم يفهم موسى معنى ذلك الاسم، بل قبله بالإيمان، وقد استغرق الأمر أربعين سنة من التيه في البرية الموحشة، واختبار حضور الله في أقسى ظروف الحياة اليومية، حتى يفهم موسى مع الشعب، ويعرف عمليًا معنى اسم الله: "أهيه الذي أهيه." فكلمة [أهيه] تحتوي جوهر طبيعة الله، وملخص كل صفاته وكمالاته، ومعناها أن الله أزلي، وكلّي القدرة والعلم والوجود. هذا الإله هو ملجأ موسى وشعب إسرائيل وكل المؤمنين عبر العصور. فعبارة "أهيه الذي أهيه" هي كل ما نحتاجه كمؤمنين.

محدودية الخليقة
كما رأينا، فإن الحقيقة الوحيدة الثابتة في هذا الكون، هي شخص الله في صفاته وكمالاته المطلقة الأزليّة. وكل ما سواه من عناصر الخليقة هو متحوّل، ومتغيّر، ومحدود بالمكان والزمان، وفي النهاية يفنى ويزول. يقول موسى في الأعداد 3-6: "تُرجِع الإنسان إلى الغبار وتقول: [ارجعوا يا بني آدم]." ويتابع موسى مقارنة أزلية الله بمحدودية الخليقة بالنسبة للوقت، فألف سنة في عينَيّ الرب كيومٍ واحد، أو كهزيعٍ من الليل، أي بضع ساعات من الليل. ويتابع استخدام كلمات تدلّ على قِصر حياة الإنسان على الأرض، مثل سنة، أي غفوة قصيرة. ويشبّه سرعة زوال حياة الإنسان بسرعة زوال العشب وزهره، حيث يزهر العشب صباحًا ويُقطع ويجفّ مساءً. يؤكد كاتب المزمور 102 أن الله وحده ثابت وأزلي وكلّ ما عداه متحوِّل وفانٍ: "... إلى دهر الدهور سنوك. من قِدَمٍ أسّست الأرض، والسماوات هي عمل يديك. هي تبيد وأنت تبقى، وكلّها كثوب تبلى، كرداءٍ تغيِّرُهُنّ فتتغيّر." (مزمور 24:102-26)

دعوة للحكمة والتعقُّل
في العدد 10 يذكر موسى رقمًا تقريبيًا حول متوسِّط عمر الإنسان في زمنه، "أيام سنينا هي سبعون سنة، وإن كانت مع القوّة فثمانون سنة، وأفخرها تعبٌ وبليّة، لأنها تُقرَض سريعًا فنطير." وتجاه ذلك، يسأل موسى الله في صلاته أن يمنح عبيده حكمة لحساب أيام حياتهم على الأرض، ومعرفة قصرها وسرعة زوالها في عدد 12: "إحصاءَ أيامنا هكذا علّمنا فنُؤتى قلب حكمةٍ." يمكن تعريف الحكمة عمومًا بأنها: "حسن تطبيق المعرفة في مواقف الحياة المتنوّعة." أما الحكمة الإلهية "فهي مقدرة يمنحها لنا الله لرؤية الأمور من منظور إلهي والتجاوب مع الأمور بحسب مبادئ الكتاب المقدس". في رسالته الأولى يؤكد بطرس الرسول اقتراب نهاية كل شيء، ومقابل ذلك يدعو المؤمنين للتعقُّل والحكمة والصحو وممارسة حياة الصلاة والمحبة:
"وإنما نهاية كل شيء قد اقتربت فتعقّلوا واصحوا للصلوات." (1بطرس 7:4) فـأهمّ دروس صلاة موسى في المزمور 90 هي الحكمة والتعقُّل تجاه حقيقة ثبات الله وفناء الخليقة، ومعرفة أن حياتنا قصيرة جدًا، ينبغي استثمارها في خدمة الرب وتمجيده.

المجموعة: آب (أغسطس) 2022