يُعتبر بطرس أحد تلاميذ يسوع المسيح الذي رأى ببصيرةٍ روحية في المسيح حجرَ الزاوية "الحجر الذي رفضه البناؤون قد صار رأس الزاوية." (مزمور 22:118) وأنه ابن الله الحيّ الوحيد الذي تُبنى عليه الكنيسة.

لقد غيَّر المسيح اسمَه "سمعان" إلى صفا (بالآرامية) أو بطرس [بيتروس] (باليونانية) وكلاهما بمعنى حجر أو صخرة صغيرة. إنه،
رجلُ المحبّة لأن "المحبة تستر كثرةً من الخطايا." (1بطرس 8:4) وكان هذا جوابًا لسؤالٍ قديم "كم مرةٍ يخطئ إليّ أخي؟" قال له يسوع: إلى ما لا نهاية.
ورجل الخدمة الذي جُلدَ بفرحٍ، وشريكُ المجدِ العتيد أن يُستعلَن كما في حادثة التجلّي، وشاهدٌ لآلام المسيح "شركاء الطبيعة الإلهية"، أي صلاح الله؛ وهي عملية اختبارية تبدأ بالخلاص وتنتهي بأعمال صالحة من فضيلةٍ إلى أخرى. ورجل الرعاية "ارعوا رعية الله التي بينكم... ارعَ غنمي"، ورجل التواضع عند غسل الأرجل، ويرجَّح أنه كان تلميذًا ليوحنا المعمدان وجاء به أندراوس أخاه إلى يسوع. والمسيح ينظر إليك ويقول لك: "أنت بطرس، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها. وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات." (متى 18:16-19) هل فهمت؟

أولًا: دعوته
دعا يسوع بطرس ثلاث مرات: فأولًا دعاه ليكون مؤمنًا، ودعاه ثانية ليكون تلميذًا ثم دعاه ليكون رسولًا. ولقد ساعد حماس بطرس وغيرته على أن يكون متقدِّمًا بين التلاميذ مقرَّبًا إلى يسوع. لم يكن سقوطه السريع دلالة على شيءٍ من الشكّ كما فعل باقي التلاميذ، إنما كان ضعفًا بشريًّا عالجته نظرةَ عتابٍ من سيِّده فخرج إلى خارج وبكى بكاءً مرًّا. ولنتتبع أقواله المشهورة لسيده:
"اخرجْ من سفينتي يا رب، لأني رجلٌ خاطئ!" ومشيه على المياه واعترافه العلني بأنه ابن الله (متى 16:16). كما أن قوله لمسيح الله: "حاشاك يا رب (أن تُصلَب)! لا يكون لك هذا." كان متأثِّرًا بفكرة مُلك المسيح الأرضي وقوّة المسيّا، لكنه كان متمسّكًا بالرب يسوع من قوله: "يا رب، إلى من نذهب؟ كلام الحياة الأبدية عندك." وعند غسل الأرجل صرخ قائلًا: "ليس رجليّ فقط بل أيضًا يديَّ ورأسي!" نعم، "أنت بطرس، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي" قاصدًا إيمانه بأنه ابن الله (أعمال 14:2-36). وفتح باب البشارة المفرحة للأمم واليهود على حدّ سواء "مفاتيح ملكوت السماوات". وصُلب منكَّس الرأس شهادة لسيده. لذلك في الليلة التي كان هيرودس مزمعًا أن يسلّمه للموت نام واثقًا في الوعد "ولكن متى شخت فإنك تمدّ يديك وآخر يمنطقك، ويحملك حيث لا تشاء." (يوحنا 18:21)

ثانياً: اعترافه
هناك معرفة حقيقية بالله التي تنتج نموًّا روحيًّا ونفسيًّا ثم معرفة المعلمين الكذبة "ذوي الأمجاد" التي تدعو إلى الحرية المطلقة وعقائد باطلة عن الحرية أي ما دمت حصلت على الخلاص فلا مانع على الفرد أن يحيا على هواه مما ينتج حياة منحطة ويستهزئ بمجيء الرب الثاني. إن كلمة "افتُديتم" في (1بطرس 18:1)، تفيد أن الفدية مال يدفع مقابل حرية العبد، وقد دفعها الله عنا في المسيح ليحررنا من طغيان الخطية إذ بذل نفسه لأجلنا. هناك جدال يتصل بذات الله أو ما نسميه بالتنزيه الإلهي "أنا الرب وليس آخر. لا إله سواي..." (إشعياء 5:45)، وبين الحلول الإلهي، فنحن ندرك بالفطرة أننا بالله نحيا ونتحرّك وهو الخالق وضابط الكل وطبيعته الإلهية تحلّ بشكل ما في خليقته. والتجسُّد هو الحلّ ليكشف الله عن ذاته ومحبَّته واختار على نفسه أن يحمل جسدًا يتَّحد مع طبيعتنا البشرية لنخلص من شرّها وإثمها، ولنتّحد مع طبيعته الجديدة. "قال الرب (أي الله) لربي (أي المسيا): [اجلس عن يميني.]" فالكلمتان المترجمتان في الأصل لهما معنيين مختلفين جعل داود يدعو المسيا "ربي" ومن نسله. "الذي فيه أيضًا (أي الروح القدس) ذهب فكرز (ليس المسيح بل نوح هنا) كارزًا للبر (1بطرس 5:2) للأرواح التي في السجن (الآن) - وهم قوم كرز لهم نوح وسمعوا لكن رفضوا الرسالة، أرواحًا في السجن (الهاوية) وينتظرون الدينونة الأخيرة – إذ عصت قديمًا... إذ كان الفلك يُبنى." (1بطرس 19:3-20)

ثالثًا: تجربته
في بستان جثسيماني حادثتان حولتا التلاميذ من أتباع ضعفاء إلى قادة فعالين: الأولى قبلة يهوذا الخائن، والثانية اعلان يسوع لصالبيه عن لاهوتية "أهيه الذي أهيه" بقوله: "أنا هو." (يوحنا 6:18) أي، أنا الكائن الدائم إله آبائكم "يهوه" (خروج 14:3)، وغلبهم سلطانه الواضح فسقطوا.
ثم جاء دور إنكار بطرس لسيده في بيت حنانيا وقيافا. أنكره أولًا أمام جارية وأمام أحد الخدام وأمام جارية أخرى قامت بالحراسة بدلًا من الأولى. ثم مرة أخرى ورّط نفسه بوجوده وسط زمرة الخدم ثم أمام جارية ادَّعت أن لغته تشبه لغة الجليليين ثم كان دور ملخس الذي قطع أذنه. "كلكم تشكون فيّ" بمعنى الطعم الذي يوضع في الفخ ليجرّ رِجل الطير في ساعات الضعف، وصاح الديك. كان هناك أكثر من ديك أحدهما في الليل والآخر عند الفجر، واكتفى الإنجيليون الثلاثة بالصياح الأول بعد إنكاره مرتين؛ والثاني الذي نبّه بطرس والتفت الرب إلى بطرس وساقه إلى البكاء والندم أما مرقس فذكر كليهما من باب التفضيل.
والتجربة الثانية يذكرها بولس الرسول في أنطاكية عندما صار بطرس يأكل مع الأمم خائفًا من أهل الختان وراءى معه باقي اليهود وكأن المسيح "مات بلا سبب" (غلاطية 11:2)، ولذلك على الأمم أن يختتنوا والنتيجة "قد سقطتم من النعمة." (غلاطية 4:5) لأنه لا يمكنكم أن تخلصوا بالأعمال والختان والسبت وأدرت ظهرك لنعمة الله.
ادّعى شخص أنه مسيحي، لكنه بات ينكر تعليمها ويشك في تعليمها وصحتها. تقابل مع أحد الأتقياء فسأله: يا صديقي في أية خطية كنت منغمسًا في الآونة الأخيرة، فنكس الشاب رأسه ومضى في طريقه.

رابعاً: رسالته
في خطاب يوم الخمسين أعلن بطرس أن حلول الروح القدس الذي تنبّأت عنه الأسفار القديمة تمّ الآن في الافتقاد الروحي، وتتميم قصد الله، وجعل يسوع "ربًا ومسيحًا" أي السيد والله المتجسِّد "تعيّن" أي استعلنت ربوبيته وخلاصه للناس (رومية 4:1). واستشهد بطرس بنبوة يوئيل عن وقوع أحداث فلكية مقترنه باليوم العظيم، فقد زعم الجهال بأن الكواكب والسيارات والشموس خلقت لمنفعة الساكنين على الأرض بعكس ما ورد في سفر التكوين والأصحاح الأول حيث ورد أن الأنوار السماوية كانت آيات ومعجزات للفصل بين الفصول، وخسوف القمر، والنجوم المذنبة، والشهب في نظام الطبيعة، وأن أي خللٍ يؤدي إلى ظلام الشمس والقمر والآيات السماوية والأرضية من دم ونار وبخار "وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها". وحث المؤمنين على حياة القداسة والمحبة، ليصبحوا كالمسيح، وينكرون ذواتهم، ويبتعدوا عن فساد العبادة الوثنية. أكّد بطرس أيضًا أن الآلام تبيّن الطاقة الكامنة فينا ضد الخطية وتوجّهنا إلى تركها ومواجهتها في المستقبل. هنا يمكن أن نميز بين الخطية والخطية المميتة. الخطية المميتة هي التي لا نعترف بها للرب، أو "الذين يأخذون بالسيف يهلكون"، أو التجديف على الروح القدس، أو الكذب على الروح القدس، أو خطايا المرتد بعد معرفته عن المسيح وعدم قبول الخلاص (عبرانيين 6) أو اتّباع التعاليم الغنوسية المزيّقة والمضلّلة المناقضة لشخص الرب يسوع المسيح الذي جاء في الجسد. إنها جميعها تتعلّق بالتجسّد الذي افتتح به يوحنا الحبيب رسالته الأولى 22:2.
والآن لا تظن أنك أفضل من بطرس، ولذلك الرب يسوع المسيح يشير إليك قائلًا: "أنت بطرس... ومتى رجعت ثبِّت إخوتك، فماذا يكون ردّك؟ "يا ربّ، أنت تعلم أني أحبك".

المجموعة: آب (أغسطس) 2022