كان خبراء الأرصاد الجويّة يُحذّرون الناس عبر التلفاز والراديو من إعصار مدمر سيضرب بعض المناطق، وفي تلك الليلة جاء الإنذار الأخير قائلًا: حياتك مهددة، اختبئ في ملجأ، استتر في مكان آمن، إن كنت في بيت مُتنقل أو مركبة فأنت لست آمنًا. بعدها دقّت صافرة الإنذار

مُعلنة قدوم غضب السماء، وانقطعت القوة الكهربائية وخيّم الظلام والخوف على السكان وكان صوت الزوبعة مُدوّيًا بشدة... الكل ارتعب وكأنه يوم الدينونة! وكان البعض يفكّر:
هل سينجو أم لا؟ قال واحد لنفسه: أهذه هي النهاية؟ تجاوز الإعصار سرعة 300 كم/ساعة وقلع البيوت الخشبية وتدمرت المنازل الخراسانية، وتطايرت المركبات في الجو! وكانت الزوبعة تحمل في قمعها كلّ ما تكسّر من أشجار وبيوت وأجزاء المركبات وأجساد الناس. ومن شدة الإعصار انخلعت عربات قطار الحمل الثقيلة، قذفتها الزوبعة خارج السكة وقلّبتها وبعد أن انتهت الدوامة بدت على وجوه الناجين علامات الذعر، لأنّ المنظر كان شبيهًا بساحة حرب، والبعض خرج يشكر الرب لأجل نجاته من موت محقق، وآخرون كانوا يصرخون ويفتشون على أفراد أسرهم وبدأ رجال الإنقاذ يهرعون للبلدة الصغيرة للبحث عن ناجين تحت الأنقاض.
إن هذا المشهد وصفٌ للإعصار المدمّر الذي ضرب ولاية كنتاكي والأكثر تضررًا بلدة تُدعى مايفيلد Mayfield، وكان ذلك في ليلة العاشر من ديسمبر عام 2021 وراح ضحيتها 76 نفسًا. قبل كل شيء نصلي لأجل الناجين لكي يشفيهم الرب من الصدمة لأنه القادر أن يشفي تلك الجروح النفسية ولكي ينسوا ما وراء ويمتدوا إلى قدام. ولكن ما هي الدروس التي نستخرجها من تلك الكارثة الأليمة؟

1- الإعصار الكوني
عزيزي القارئ، هل تعلم أن هناك إعصار رهيب سيأتي على كوكب الأرض؟ أقول الصدق ولا أكذب، وليس هدفي هو بث الرعب في قلبك.
إنّ يوم الدينونة قادم وهذه الأرض كلها ستزول بانفجار رهيب والعناصر الكيميائية التي فيها ستذوب وتنحّل أي كأنها ستنفجر تفجيرًا ذريًّا. أرجوك أن تقرأ 2بطرس 3 وبعد قراءة ذلك الأصحاح أصلي أن يكون قرارك هو مع القلة من الحكماء، ولا مع أغلبية المستهزئين.

2- لا نهمل ولا نتجاهل التحذير
خبراء الأرصاد الجويّة حذّروا الناس مرارًا وتكرارًا، وفي الإنذار الطارئ نبّهوا بالقول "اتخذ ملجأ لك"، ولكن من هم الذين سمعوا وأطاعوا؟ هناك من صدّقوا وخافوا واختبأوا في ملاجئ تحت الأرض أو في قبو في مبنى... إلخ. فمن أطاع التحذير نجا ومن تجاهل التحذير خسر حياته. والكتاب المقدس يحذرنا من خطيّة الإهمال الناتج عن تجاهل التحذير "كيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصًا هذا مقداره؟" بالفعل لا نجاة لكل من يتجاهل التحذير من الهلاك الأبدي ويهمل الخلاص الكامل فوق الصليب والذي يقدّمه الله مجانًا بالنعمة.

3 -الحياة قصيرة
يقول الكتاب: "ما هي حياتكم؟ إنها بخارٌ، يظهر قليلًا ثم يضمحلّ." (يعقوب 14:4) وقال الملك داود: "عرفني يا رب نهايتي ومقدار أيامي كم هي، فأعلم كيف أنا زائل." (مزمور4:39) وسؤالي لك أيها القارئ: أي واحد مِمن هلكوا في العاصفة الهوجاء، كان يُفكّر في مصيرهِ الأبدي قبل تلك الكارثة وأنه سيغادر إلى بيته الأبدي؟ باعتقادي ربما لا أحد كان يفكر بذلك. ولكن الحقيقة التي قد يتجاهلها البعض أنه لا أحد يستطيع أن يضمن حياته الأرضية ولو إلى لحظة، لذلك يجاهد الروح القدس على إقناع كل خاطئ بحاجته إلى واهب الحياة الأبدية، وأن الآن هو وقت خلاص، لئلا يموت ذلك الإنسان بدون حياة أبدية فيكون مصيره الهلاك الأبدي.

4- الفارق بين معرفة الملجأ والوجود فيه
عزيزي القارئ، أريد أن أُوضحَ نقطةً جوهريةً تخصّنا نحن المولودين في عوائل مسيحيّة. إذا تصورنا مجموعة من أشخاص يتحادثون فيما بينهم وهم واقفين خارج ملجأ عظيم مُخصص للاحتماء من الكوارث الطبيعية، وهم يعددون بافتخار مواصفات السلامة والأمان داخله التي هي 100%، وقوة الملجأ ومدى اتساعه، وفيما هم يتكلمون سمعوا جرس الإنذار يدقّ وصوتًا يأمرهم بالاستتار داخل الملجأ، ولكنهم تهاونوا وانزعجوا من المنذر، ورفضوا الدخول فهل من نجاة من الإعصار المدمّر لمثل هؤلاء؟ ربما تشاركني الرأي... يا لعدم الحكمة! ويا للقرار المهلك لنفوسهم! ولكن إن قال أحد لنفسه: الإعصار قادم لا محالة، ماذا أفعل؟ أسمع بتواضع لصوت المنذر، وأنزل إلى ذلك الملجأ. نعم، إن مثل هذا ينجو لأنه في داخل الملجأ. هل وصلت لك الفكرة يا قارئي الكريم؟
إنّ المعرفة العقلية بضرورة الوجود داخل الملجأ لا تُخلّص، ولكن الوجود في داخل الملجأ ينقذ ويحمي. فما أريد توضيحه هو أن أغلبيتنا نحن المسيحيون نعرف معلومات عن يسوع بأنه المُخلص الوحيد والبعض يردّد قانون الإيمان في الكنيسة، ولكن هل دخلنا بالإيمان إلى داخل الملجأ الحقيقي يسوع المسيح ربنا؟ ليفحص كل واحد منا إيمانه.

5- يسوع هو الملجأ الوحيد، لماذا؟
لأن دعوته للخلاص هي دعوة شخصية لك: "من يقبل إليّ لا أخرجه خارجًا." إنه لن يسألك عن ديانتك أو طائفتك أو أصلك.
لأن يسوع وحده حمل في جسده خطايانا واحتمل كل دينونتنا التي نستحقها فوق الصليب من أجل حبه الشديد لك ولي أيضًا (انظر إشعياء 53 ويوحنا 16:3 و1بطرس 24:2)
لأن قرار العفو بحق الخطاة الذين بسبب خطاياهم قتلوا ابن الله صادر من عنده (يوحنا 24:5؛ رومية 1:5)
لان محبة يسوع التي أظهرها لنا في الصليب، هذه المحبة بعينها سكبها في قلوبنا بروحه القدوس وبها زالت مخاوفنا ومنحتنا سلامًا مع الله.
لأن أحد أسماء الرب يسوع "المنقذ" الذي سينقذنا من الغضب الآتي.
لأن يسوع يضمن سلامة كل من يسمع جرس الإنذار من الدينونة الأبدية ويهرب إليه. ففي عبرانيين 18:6 يرد تعبير بمنتهى الروعة في إحدى الترجمات بمعنى "نحن الذين هربنا إلى الملجأ"، فشكرًا للرب لأنه ملجأنا وحمانا الوطيد.
يسوع هو الملجأ الوحيد لأنه "ليس بأحد غيره الخلاص." (أعمال 12:4)
ولأجل جميع النقاط التي ذكرناها نستطيع أن نضم صوتنا بيقين الإيمان مع الرسول يوحنا قائلين: "لنا ثقة في يوم الدين." (1يوحنا 17:4) ‎وكمؤمنين عالمين بقدوم الدينونة المرعبة، ماذا نفعل؟ علينا أن نقنع الناس بالدخول بالإيمان إلى الملجأ الوحيد يسوع المسيح ربنا.

6- الثقة حتى في ساعة الخطر
إنّ المؤمن الحقيقي في المسيح يسوع لا يرتعب ولا يتزعزع إيمانه في الكوارث مهما كانت، لأنه يدرك بثقة واطمئنان بقدرة الله على حفظه بسلام. فلا أخطار تستطيع أن تفصله عن المسيح (انظر رومية 35:8-38) لأننا ارتبطنا بالمسيح بمحبته الأبدية واتحدنا به اتحادًا أبديًا لا ينفصم. ويكون لسان حالنا وقت الخطر كما قال داود: "الرب صخرتي وحصني ومنقذي... وقرن خلاصي وملجأي."
إنّ وعود الرب لنا كثيرة ومطمئنة "ويكون الرب ملجأ للمنسحق. ملجأ في أزمنة الضيق." (مزمور 9:9) وأيضًا مزمور 46 الذي أستطيع أن أسمّيه نشيد "المطمئن في ملجأ إله الخلاص."

المجموعة: شباط (فبراير) 2022