"أما يسوع فقال: [اتركوها! لماذا تزعجونها؟ قد عملت بي عملاً حسنًا...]" (مرقس 6:14)
لم يدافع المسيح عن نفسه عندما قادوه إلى الصليب، بل سار صامتًا إلى الموت كما قيل عنه:

"ظُلم أما هو فتذلّل ولم يفتح فاه. كشاةٍ تُساق إلى الذبح، وكنعجةٍ صامتةٍ أمام جازيها فلم يفتح فاه." (إشعياء 7:53) ولكنه مع ذلك وقف موقف الدفاع عن الآخرين فسترهم بحبّه، وحجب عنهم شرّ الآخرين بنعمته، وسأتناول في هذا المقال ثلاثة مواقف دافع فيها المسيح عن المظلومين وربح قضاياهم:

1- المسيح في موقف دفاع عن امرأة أُمسكت في زنا
ذات صباح ذهب المسيح إلى الهيكل، وجاء إليه جميع الشعب فجلس يعلّمهم، كان مشغولاً بإنارة عقول وقلوب شعب نشر الظلام رداءه الأسود عليه، وهناك "قدّم إليه الكتبة والفريسيون امرأة أُمسكت في زنًا. ولما أقاموها في الوسط قالوا له: [يا معلّم، هذه المرأة أُمسكت وهي تزني في ذات الفعل، وموسى في الناموس أوصانا أن مثل هذه تُرجم. فماذا تقول أنت؟] قالوا هذا ليجرّبوه، لكي يكون لهم ما يشتكون به عليه." (يوحنا 2:8-6) كان المسيح مشغولاً بإشاعة النور، وكان الكتبة والفريسيون مشغولون بتدبير المؤامرات.
رجال دين ومتآمرون... يا للتناقض!
أتوا إليه بامرأة أمسكوها وهي تزني في ذات الفعل، ومن عجب أنهم لم يحضروا معهم شريكها في الجريمة، مع أن الناموس يقول: "وإذا زنى رجل مع امرأة، فإذا زنى مع امرأة أبيه، فإنه يُقتل الزاني والزانية." (لاويين 10:20) "إِذَا وُجِدَ رَجُلٌ مُضْطَجِعًا مَعَ امْرَأَةٍ زَوْجَةِ بَعْلٍ، يُقْتَلُ الاثْنَانِ: الرَّجُلُ الْمُضْطَجِعُ مَعَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةُ. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ إِسْرَائِيلَ." (تثنية 22:22) ولكن هؤلاء الفريسيين لم يُحضروا الرجل الشريك في الجريمة... إذًا فلم يكن قصدهم إطاعة الناموس بل الإيقاع بالمسيح. "قالوا هذا ليجرِّبوه لكي يكون لهم ما يشتكون به عليه." وكان الموقف دقيقًا، فإذا قال المسيح: "ارجموها"، ظهر واضحًا أن لا فرق بينه وبين موسى، فبأيِّ جديد أتى إليهم؟ وإذا قال "لا ترجموها" اتّهموه بنقض وعصيان الناموس واشتكوا عليه.
لكن المسيح انحنى إلى أسفل وكان يكتب بأصبعه على الأرض، وفي ظنِّي أنه كان يكتب خطاياهم. كان يحرّك ضمائرهم الميتة.
"ولما استمرّوا يسألونه، انتصب وقال لهم: [من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر!] ثم انحنى أيضًا إلى أسفل وكان يكتب على الأرض."
وكلمات المسيح ترينا أنه ليس لأحد من البشر أن يدين البشر. "لا تدينوا لكي لا تُدانوا، لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تُدانون، وبالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم." (متى 1:7-2) فالبشر جميعًا "في الموازين هم إلى فوق" حتى قال أحدهم مرة: "يوجد شيء جميل في أردأ مَن فينا، ويوجد شيء رديء في أفضل مَنْ فينا، حتى أن أحدنا لا يستطيع أن يتكلّم ضدّ أحدنا."
ويمكننا أن نتصوّر أن أحد الفريسيين تقدّم ومعه حجر ليرجم المرأة الزانية، لكنه نظر إلى الأرض فرأى خطيته وقد سجّلها المسيح بأصبعه "زاني"، وإذ بالحجر يسقط من يده ويخرج... وإذ بفريسيٍّ ثانٍ يتقدّم فيقرأ خطيّته مكتوبة بأصبع المسيح على الأرض "مرائي"، وهكذا "فلما سمعوا وكانت ضمائرهم تبكّتهم، خرجوا واحدًا فواحدًا، مبتدئين من الشيوخ إلى الآخرين."
أجل، ليس في قدرة إنسانٍ بشريّ أن يحكم على إنسان بشري، "لأنه لا فرق إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله." ويهدأ وقع أقدام المنصرفين... "وبقي يسوع وحده والمرأة واقفة في الوسط."
أجل، هو وحده الذي له السلطان أن يدين، لأنه وُلد بلا خطية، ولم يفعل خطية، ولكنه لم يدنْ المرأة في هذا الموقف، لأنها قابلته في زمن النعمة... "لأنه لم يرسل الله ابنه إلى العالم ليدين العالم، بل ليخلُص به العالم." (يوحنا 17:3) وسعيد هو الإنسان الذي يتقابل مع المسيح الآن في عصر النعمة الذي نعيش فيه "هوذا الآن وقت مقبول. هوذا الآن يوم خلاص." (2كورنثوس 2:6) "فلما انتصب يسوع ولم ينظر أحدًا سوى المرأة، قال لها: [يا امرأة، أين هم أولئك المشتكون عليك؟ أما دانك أحد؟] فقالت: [لا أحد، يا سيد!] فقال لها يسوع: [ولا أنا أدينك. اذهبي ولا تخطئي أيضًا.]" (يوحنا 10:8-11) أجل، غفر خطاياها، وأعطاها قدرة للحياة النظيفة الطاهرة الخالية من النجاسة. "إذًا إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة: الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديدًا." (2كورنثوس 17:5)

2- المسيح في موقف دفاع عن امرأة اشتكت أختها
المنظر في بيت عنيا، وهي قرية قريبة من أورشليم تتميّز بهدوئها وسحرها الجميل، "وفيما هم سائرون دخل قرية، فقبلته امرأة اسمها مرثا في بيتها. وكانت لهذه أخت تُدعى مريم، التي جلست عند قدمَي يسوع وكانت تسمع كلامه. وأما مرثا فكانت مرتبكة في خدمة كثيرة. فوقفت وقالت: [يا ربّ، أما تبالي بأن أختي قد تركتني أخدم وحدي؟ فقل لها أن تعينني.]" (لوقا 38:10-40)
والصورة ترينا أختين: إحداهما مرثا التي كانت الكبرى فيما يبدو، وقد دعت المسيح وتلاميذه إلى بيتها، وأمام إعداد الطعام لهذا العدد الكبير أحسّت بالارتباك... وملأها الهمّ... وسادها الاضطراب.
والانشغال في خدمة كثيرة لا بدّ أن يولّد الهمّ والاضطراب، لذلك فإن أفضل ما تعمله المرأة حين تحسّ بثورة أعصابها هو الاختلاء مع الرب ومع كلمته لفترة تستردّ فيها هدوءها.
ولكن مرثا فقدت أعصابها من ضغط ارتباكها وهمّها واضطرابها، وخرجت لتعكّر صفو جلسة المسيح الهادئة بشكواها إذ وقفت قائلة: "يا رب، أما تبالي بأن أختي قد تركتني أخدم وحدي؟ فقل لها أن تعينني!"
إن اضطرابنا قد يدفعنا لاتهام الرب بعدم المبالاة بمتاعبنا، مع أننا بسماحنا لضغوط الحياة علينا نفقد هدوءنا واتزاننا. وهنا أتصوّر أن مريم رفعت عينيها إلى الرب وكأنها تتوسّل إليه أن يدافع عنها – لقد تعلّمت الهدوء عند قدميه، وشربت من ينبوع الاتزان في محضره... فلم تثرْ ولم تحتجّ. وانبرى الرب للدفاع عنها فقال: "مرثا، مرثا، أنتِ تهتمّين وتضطربين لأجل أمور كثيرة، ولكن الحاجة إلى واحد. فاختارت مريم النصيب الصالح الذي لن يُنزع منها." (لوقا 41:10-42)
وفي هذا الدفاع المجيد كشف الرب سرّ الهمّ والاضطراب... كما كشف سرّ الهدوء والسلام... فعندما نختاره نصيبًا صالحًا... ونجلس في محضره نتعلّم كلماته الثمينة، يغمرنا السلام... وعندما تلفّنا الحياة بمشاغلها المتشابكة نفقد في غمرة همومنا سلامنا وهدوءنا. فليت كل نفس تتعلّم هذا الدرس وتقول: "نصيبي هو الرب، قالت نفسي، من أجل ذلك أرجوه" لتستمتع بالهدوء في عالم يسوده الاضطراب والقلق.

3- المسيح في موقف دفاع عن امرأة أزعجها المحيطون بها
المنظر مرة أخرى في بيت عنيا، ودفاع المسيح هذه المرة في القضية الثانية لمريم أخت لعازر، ففي القضية الأولى دافع عنها ضدّ شكوى أختها، وفي القضية الثانية دافع عنها ضدّ تأنيب المحيطين بها... كان الرب قد أقام لعازر من الأموات، وأحسّت مريم بجميله العظيم إذ أعاد إلى البيت فرحه وبهجته، فجاءت بقارورة طيب ناردين خالص كثير الثمن، وكسرت القارورة وسكبته على رأسه. كانت خدمتها خالصة كخدمة المرأة الشونمية وكخدمة يوسف الرامي. وكانت خدمة مكلّفة "من ناردين... كثير الثمن." كخدمة داود الذي قال: "حاشا لي أن أقدّم محرقات مجانية." وعندما تكون خدمتنا نقيّة، خالصة من الأغراض والمصالح البشرية لا بد أن يدافع المسيح عن قضايانا. "قفوا وانظروا خلاص الرب الذي يصنعه لكم اليوم... الرب يقاتل عنكم وأنت تصمتون." (خروج 13:14-14)
وعندما سكبت مريم الطيب على رأس المسيح، امتلأ البيت من رائحة الطيب، "وكان قوم مغتاظين في أنفسهم فقالوا: "[لما كان تلف الطيب هذا؟] لأنه كان يمكن أن يُباع بأكثر من ثلاثمئة دينار ويُعطى للفقراء.] وكانوا يؤنبونها."
وتبدو مقاييس الناس في طريق يختلف تمامًا عن مقاييس الرب، فالواقع أن خدمة الرب وتمجيده، وتقديم الإنجيل للناس، أفضل ألف مرة من إطعام أفواه الأشرار بالخبز، ولكن بعض الذين لا حكمة لهم لا يدركون هذا الحق الثمين. وقد دافع المسيح عن مريم "فقال: اتركوها! لماذا تزعجونها؟ قد عملت بي عملاً حسنًا! لأن الفقراء معكم في كل حين، ومتى أردتم تقدرون أن تعملوا بهم خيرًا. وأما أنا فلست معكم في كل حين." ومع دفاعه المجيد، كافأ موقفها وخدمتها بكلماته الحلوة: "الحق أقول لكم: حيثما يُكرز بهذا الإنجيل في كل العالم يُخبَر أيضًا بما فعلته هذه تذكارًا لها." (مرقس 9:14)
فهل سلّمت قضاياك للرب؟ ليكن شعارك كشعار داود: "أصرخ إلى الله العليّ، إلى الله المحامي عني. يرسل من السماء ويخلّصني." (مزمور 2:57-3)

المجموعة: تشرين الثاني (نوفمبر) 2022