"وَأَمَّا مُوسَى فَكَانَ يَرْعَى غَنَمَ يَثْرُونَ حَمِيهِ كَاهِنِ مِدْيَانَ، فَسَاقَ الْغَنَمَ... وَجَاءَ إِلَى جَبَلِ اللهِ حُورِيبَ.

وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ بِلَهِيبِ نَارٍ مِنْ وَسَطِ عُلَّيْقَةٍ... وَالْعُلَّيْقَةُ لَمْ تَكُنْ تَحْتَرِقُ." (خروج 1:3-2)
كثيرًا ما يضعف إيماننا نحن المؤمنين الحقيقيين ونعتقد أن الله بعيدٌ عنا... فليُعِنْ الرب ضعف إيماننا ونعلم جيدًا وباستمرار بأنه ليس بعيدًا عنا بل معنا في كل الأحوال.
ظهر ملاك الرب لموسى بلهيب نار من وسط عليقة - والعليقة لا تحترق - فمال لينظر هذا فناداه الله من وسط العليقة قائلًا: "لا تقترب إلى ههنا. اخلع حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ، لأَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ." وهناك كلّمه الرب: "إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مَذَلَّةَ شَعْبِي... وَسَمِعْتُ صُرَاخَهُمْ... إِنِّي عَلِمْتُ أَوْجَاعَهُمْ، فَنَزَلْتُ لأُنْقِذَهُمْ... وَأُصْعِدَهُمْ مِنْ تِلْكَ الأَرْضِ إِلَى أَرْضٍ جَيِّدَةٍ..." والعلّيقة تشير إلى الشعب الذي كان يحترق من نار العبودية تحت يد فرعون "وَلكِنْ بِحَسْبِمَا أَذَلُّوهُمْ هكَذَا نَمَوْا وَامْتَدُّوا." (خروج 12:1) لأن الله كان لهم "ملجأ وقوة عونًا في الضيقات وُجد شديدًا." (مزمور 1:46)
لماذا ظهر الرب بلهيب نار والعليقة لا تحترق؟
- لأن شعب الرب كان في نار العبودية فظهر في هذا المنظر العجيب ليكون مثل شعبه.
- بعد أن خرج الشعب من أرض مصر وأصبحوا أمام البحر الأحمر وفرعون وجنوده خلفهم وعلى جانبيهم جبال كان الرب لهم عمود سحابٍ نهارًا ليظلّلهم وعمود نارٍ ليلاً... ونجد أنه انتقل ملاك الله السائر أمام عسكر إسرائيل وسار وراءهم وانتقل عمود السحاب من أمامهم ووقف وراءهم... في هزيع الصبح أشرف الرب على عسكر المصريين... وخلع بكر مركباتهم وقاتل عن شعبه ضدّ المصريين... كان الرب مع شعبه في البحر الأحمر يشاركهم ظروفهم ويقاتل عنهم ضد جيوش فرعون.
- ثم بعدما خرج الشعب من البحر الأحمر وساروا في البرية لمدة أربعين سنة كانوا يسكنون في خيام... وبعد أن عبروا نهر الأردن وجاءوا إلى الجلجال كانت أول مدينة أمامهم هي أريحا، فنجد في يشوع 13:5 "وَحَدَثَ لَمَّا كَانَ يَشُوعُ عِنْدَ أَرِيحَا أَنَّهُ رَفَعَ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ، وَإِذَا بِرَجُل وَاقِفٍ قُبَالَتَهُ، وَسَيْفُهُ مَسْلُولٌ بِيَدِهِ... وَقَالَ لَهُ: «هَلْ لَنَا أَنْتَ أَوْ لأَعدَائِنَا؟» فَقَالَ: «كَلاَّ، بَلْ أَنَا رَئِيسُ جُنْدِ الرَّبِّ. الآنَ أَتَيْتُ."
لقد أتى رئيس جند الرب وفي يده سيفه المسلول - لكي يكون نظير شعبه الذي سيحارب الأعداء... فأشارك شعبي نفس ظروفهم وأحارب معهم.
- ثم بعد أن دخلوا الأرض وعاشوا فيها وأصبح سكنهم في بيوت... ولما شرع داود أن يبني بيتًا ليضع فيه تابوت الرب، أرسل له الرب ناثان النبي قائلاً: "لأني لم أسكن في بيت منذ أصعدت بني إسرائيل من مصر إلى هذا اليوم بل كنت أسير في خيمة..." وأعلن له الرب عن ابنه سليمان أنه "هو يبني بيتًا لاسمي..." وهكذا عندما وجد الرب أن شعبه قد سكن في بيوت شاركهم في سكناهم وبنى سليمان هيكلاً للرب.
وهكذا وجدنا الرب أنه شارك شعبه في نار العليقة، ثم في مياه البحر الأحمر، ثم في سكناه في خيمة وسط خيامهم، ثم نزوله نهر الأردن، ثم في محاربته معهم في حروبهم، ثم في سكناه في بيت نظير سكناهم في بيوت.
لكن الأعظم من كل هذه ليست مشاركة الرب شعبه في ظروفهم، بل عندما شاركنا في جسم بشريتنا "وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ.." وهكذا "فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ." (عبرانيين 14:2)
"الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ." (فيلبي 6:2-8)
ألسنا جميعًا صغارًا عن جميع ألطافه وعن جميع الأمانة التي صنعها معنا؟!
ليكن لسان حالنا جميعًا:
"إِنْ كَانَ وَاحِدٌ قَدْ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ، فَالْجَمِيعُ إِذًا مَاتُوا. وَهُوَ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ كَيْ يَعِيشَ الأَحْيَاءُ فِيمَا بَعْدُ لاَ لأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لِلَّذِي مَاتَ لأَجْلِهِمْ وَقَامَ." (2كورنثوس 15:5)

المجموعة: آب (أغسطس) 2023