نقرأ من إنجيل متى ما يلي: "فأجاب الملاك وقال للمرأتَيْن: [لا تخافا أنتما، فإنِّي أعلم أنَّكما تطلبان يسوع المصلوب. ليس هو ههنا، لأنَّه قام كما قال! هلمَّا انظرا الموضعَ الذي كان الربُّ مضطجعًا فيه.

واذهبا سريعًا قولا لتلاميذه: إنَّه قام من الأموات. ها هو يسبِقُكم إلى الجليل. هناك ترَونَه. ها أنا قد قلتُ لكما.] فخرجتا سريعًا من القبر بخوفٍ وفرح عظيم، راكضتَيْن لتُخبرا تلاميذه. وفيما هما منطلقتان لتُخبرا تلاميذه إذا يسوع لاقاهُما وقال: [سلامٌ لكما.] فتقدَّمتا وأمسكَتا بقدميه وسجدَتا له. فقال لهما يسوع: [لا تخافا. اذهبا قولا لإخوتي أن يذهبوا إلى الجليل، وهناك يرَونني." (5:28-10)
ونقرأ أيضًا من رسالة بولس إلى أهل أفسس إذ يقول: "الله الذي هو غنيٌّ في الرَّحمة، من أجل محبَّته الكثيرة التي أحبَّنا بها، ونحن أمواتٌ بالخطايا أحيانا مع المسيح – بالنِّعمة أنتم مخلَّصون- وأقامَنا معه، وأجلسَنا معه في السَّماويات في المسيح يسوع، ليُظهِرَ في الدّهور الآتية غنى نعمته الفائق، باللُّطف علينا في المسيح يسوع. لأنَّكم بالنّعمة مخلَّصون، بالإيمان، وذلك ليسَ منكم. هو عطيَّة الله. ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد." (4:2-9)
في هذا اليوم نحن لا نحتفل فقط كمسيحيين بقيامةِ الرب يسوع المسيح من الأموات، لكن كمسيحيين مؤمنين هناك حقيقة أكيدة وهي أنَّنا نحتفل بقيامته لأنَّنا نشترك بهذه القيامة. إذ ونحن أموات في الذنوب والخطايا أحيانا مع المسيح. وهذا الاحتفال لا يقتصر على يوم الأحد فحسب، بل من المفروض أن يكون في حياة المؤمن في كل يوم. فحقيقة القيامة تؤكِّد لنا أنَّنا إذا كنا قد طلبنا المسيح بعد أن كنَّا أمواتًا في الذنوب والخطايا فإنَّ لنا هبةَ الحياة الأبدية وكذلك لنا قوة القيامة بحسب وعده.

أولاً: أَحيانا معه
تحتفل كلُّ الطوائف بالقيامة وتشترك العائلات بوجبة الغذاء ويفرح الأولاد بالعيد. لكن ماذا بعد؟ ماذا تعني ليَ القيامة؟ نحتفلُ بقيامته لأنَّنا قبلْناه كمخلّص شخصي. إذن لدينا حياةٌ معه، ولدينا قوةُ قيامته، أي القوة نفسُها التي أقامتِ الربَّ يسوع من الموت هي مِلْكُكَ أنتَ ومِلْكي أنا. لماذا؟ حتى نعيشَ نحن حياةَ القيامة. ليس هذا فقط، بل لكي نجلسَ معه في السماويات. هذا هو المعنى العميق جدًا. ويحصل هذا ليس بمجرَّد الإيمان التصديقي التقليدي، لكن بالإيمان الحقيقي أي عندما يطلب الإنسان الغفرانَ عن خطاياه ويأتي بتوبة صادقة، يغسِله الربُّ يسوع بدمه المسفوك على الصليب. "الذي أحبَّنا وقد غسَّلنا من خطايانا بدمه. (رؤيا 5:1) هذا هو الإنسان الذي وُلد من الروح القدس. أي ليس بأعماله هو: "بل بمقتضى رحمتِه خلَّصَنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس." (تيطس 5:3) بدون أن نختبر الولادة الثانية لا نقدرُ أن نحتفلَ بالقيامة. وكما انتصر الرب يسوع على الموت، يقدر كلُّ مَن آمن واختبر غفرانه لخطاياه أن ينتصرَ هو أيضًا فيه. "وإن كان روح الذي أقام يسوع من الأموات ساكنًا فيكم، فالذي أقام المسيح من الأموات سيُحيي أجسادكم المائتة أيضًا بروحه السَّاكن فيكم." (رومية 11:8) وهنا نجد أن ما من أحد سوى المسيح يقدِّم حلًّا لمشكلة الموت.
والحقيقة الثانية مركزيّة أيضًا كما قال عنها C.S. Lewis إذ نجدها في سفر أعمال الرسل وخاصةً في رسالة التلاميذ إذ كانوا يذكُرون دائمًا موضوعَ القيامة من الموت. فمَن منَّا لم يذهب قطُّ إلى مأتَمٍ أو لم يَبْكِ على أحبّاء له؟ ومَن منَّا لن يموت؟ نجتازُ جميعُنا في هذه المحنة خاصةً في هذه الأيام بالذّات، ومهما حاول الإنسان إنكارَ حقيقة الموت وإبْعادَها عنه. ألمْ نرَ كيف أنَّه وبسبب فيروس الكورونا مات أكثر من 15 مليون نفس في العالم! هذا الفيروس الذي لا نقدر أن نراه بالعين المجرَّدة! وتسارعت من بعده شركات صُنْع الأدوية العديدة لتركيب لقاح ضدّه كـ Moderna وكذلك Pfizer فتناوله الملايين حفاظًا على أرواحهم من الموت! لكن ما لبثَ أن تَبِع هذا الفيروس Delta Variant وOmicron! وشبح الموت ما زال يلاحق الناس. هل تعلم يا أخي بأنَّ عددَ الناس الذي أُصيبوا بالفيروس حتى الآن هم أكثر من 500 مليون شخص المسجَّلين في قوائم المصابين حول العالم؟
ثم انظُر ماذا يحدث في أوكرانيا وروسيا من حربٍ مُستعِرة والناس يُغشى عليهم من خوف ما سيأتي على المسكونة! فيعيشون في هاجس احتمال وقوع حربٍ عالمية ثالثة نووية هذه المرّة، ونحن نرى الدول تنقسم بين حِلْف الشرق وحِلْف الغرب! فما هو البديلُ في هذه الحالة؟ وهل لدى الإنسان رجاء؟ يُدوِّنُ الرئيس السابق بوش الأب في مذكَّراته بأنَّه حين حضر كنائبٍ للرئيس مأتَم (بريجينيف) الأمين العام التنفيذي للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي آنذاك، وفي حضور القادة الشيوعيين أجمعين والعائلة، تعجَّب كيف أنَّ زوجة بريجينيف قامت من كرسيِّها وقبل أن يُغلقوا الصّندوق تقدَّمتْ نحو النعش ورسَمت إشارةَ الصليب على وجهها أمامَ كلِّ الحاضرين! أجل، يا أخي، ليس لديها جواب سوى صليب المسيح.
لقد أخطأ الفراعنةُ في القديم حين ظنّوا بأنَّهم عن طريق تحنيطِ الجسد يستطيعون الحفاظَ على أمواتهم إلى الأبد. أوَليس هذا تمامًا ما يفعله الدّين والتديّن فيحنّط الأموات روحيًا؟ لأنَّ كلَّ تديُّنٍ قائمٍ على الأعمال والوصايا وليس على أساس عمل النعمة في الإنسان، لن يُجدي نفعًا. ألم يقُلِ الملاك إلى كنيسة ساردس: "أنا عارفٌ أعمالك، أنَّ لك اسمًا أنَّك حيٌّ وأنت ميتٌ." (رؤيا 1:3) وكذلك العِلم أيضًا لم ولن يستطيع أن يحلَّ مشاكل الدنيا حتى ومهما تقدَّم. فنرى الناس يصرفون الأموال الطائلة من أجل الحفاظ على أجسادهم وهم في حالة اللَّاوعي في درجة 120 تحت الصفر على أمل أن يستطيع العلماء في المستقبل إرجاعهم إلى الحياة من جديد... يستطيعون إطالةَ عمرِ الإنسان؟ نعم، بواسطة الأدوية والعقاقير بعض الشيء، لكنَّهم لا يقدرون على إيجاد فاكسين ضدَّ الموت. الرب يسوع وحده أعطاك بدمه وبروحه القدرة على أن تحيا، وكذا السلطان على الخوف من الموت. وهكذا يصبح الموت جسرَ عبورٍ للحياة مع المسيح إلى الأبد. قال بولس الرسول: ليَ الحياة هي المسيح والموتُ هو ربْح. (فيليبي 21:1) الإنسان العصري لا يجيدُ إلَّا صناعةَ الموت وليس الحياة. لأنَّه ميّت روحيًا وعندَه قدرةٌ تدميرية هائلة.

ثانيًا: أقامَنا معه
ولكن بعد أن أحيانا معه كمؤمنين نختبر أيضًا الاتحاد معه بموته وقيامته لهذا يقول: "لأنه إن كنَّا قد صرنا متَّحدين معه بشبه موته، نصير أيضًا بقيامته. عالمين هذا أنَّ إنساننا العتيق قد صُلب معه ليُبطلَ جسد الخطية كي لا نعود نُستعبد أيضًا للخطية." (رومية 5:6-6) يتكلم هنا وبكل وضوح عن التقديس والنصرة على الخطية. فبعد أن يمنحَك الحياةَ تصبح قادرًا على أن تختبرَ الاتحادَ معه، وتتَّخذَ موقفًا ضدَّ الخطية. أي تموت عن الخطية وتنفصل عنها كلّيًّا. وهذا يتطلَّب أن تضعَ نفسك كلَّ يوم على المذبح المقدّس وتقول أسلِّمُك حياتي من جديد فاملأْها بروحك القدوس مِلئًا يوميًا. سمعان بطرس أصبح شخصًا مختلفًا بالكلّيَّة بعد يوم الخمسين وحلول الروح القدس على التلاميذ، ولم يختبرْ قوةَ قيامة المسيح إلَّا حين امتلأ من الروح القدوس. وهذه العبارة أقولُها لكلِّ مؤمن. يمكنك يا أخي اختبار قوة قيامة المسيح إذا اتَّحدْتَ معه. تمامًا كما يقول الرسول في (أفسس 22:4-23) "أن تخلعوا من جهة التصرُّف السابق الإنسان العتيق الفاسد بحسب شهوات الغرور، وتتجدّدوا بروح ذهنكم، وتلبَسوا الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق." هذه هي الحياةُ التي يدعوك إليها الرب حياة الاتِّحاد معه. حين توفي أينشتاين Einstein الفيزيائي العبقري البريطاني في العام 1955 في مستشفى برينستون في ولاية نيوجرسي قام الطبيب توماس هارفي باستئصال دماغه لِيُجروا عليه المزيد من الأبحاث فحفظوه في مادة فورمالين Formalin على أمل أن يستطيعوا أن يستخدموه في عملية زرع في المستقبل مع دماغ إنسان آخر. لكن حتى العام 2013 لم يستطيعوا فعل ذلك. فوضعوه في المتحف فيما بعد. لكن هل تعلم أن أينشتاين العبقري كان ذا مزاج متقلِّب متأرجح لا يُحسدُ عليه! أما روح المسيح فيحوِّلكَ إلى صورته هو، كما يقول في (كولوسي 12:3-13) "فالبسوا كمختاري الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات، ولطفًا، وتواضعًا، ووداعة، وطول أناة، محتملين بعضكم بعضًا، ومسامحين بعضكم بعضًا إن كان لأحدٍ على أحدٍ شكوى. كما غفر لكم المسيح هكذا أنتم أيضًا". هذا هو فكرُ المسيح الذي يصبحُ لنا. وعندها فقط يرى الناس فينا يسوع.
أُصيبَ إدوارد مور كينيدي وهو ابن الساناتور إدوارد كينيدي بسرطان نادر في رجله يدعى Osteosarcoma وهو في الثانيةَ عشْرةَ من عمره ، ممَّا اضطرَّ الأطباء إلى بتْر ساقِه، ووضْع ساقٍ اصطناعية له. وحين كَبُرَ أصبح ساناتور أيضًا. تكلم عن والده يومَ وفاته فقال بأنَّه كان يشجعه دائمًا على التسلُّق معه فوق التلال الثلجية، إلا أنَّه كان يتعثَّر كثيرًا. وفي إحدى المرَّات حمَلَه أبوه على منكبيْه والدّموع تملأ مآقيه وقال له: سأحمِلُك ولْنتسلّق معًا. وهكذا صعِدا إلى أعلى الجبل. هذا مثل يوضِّح لنا بالضبط ما يحصل معنا حين نتَّحد نحن في يسوع المسيح إذ نستطيع عندئذٍ أن نتسلَّق إلى القمم. مثلما قال الرسول: "لأعرفَه، وقوة قيامته، وشركة آلامِه، متشبهِّا بموته." (فيلبي 10:3)

ثالثًا: أجلسنا معه
إنَّ العالم مليءٌ بضجيجٍ لا ينقطع، لهذا ينقلُكَ الربُّ إلى السماويات. حين صعد رائدُ الفضاء James Irwin إلى القمر بالمركبة الفضائية أبولو 15، نظرَ من النافذة إلى الأرض فوجدَها صغيرةً جدًا. هكذا المؤمنُ أيضًا حين يجلس مع الرب ويتمتَّع بالشركة معه، تتغيَّر نظرتُه إلى هموم العالم وأزَماتِه لأنَّه يراها بمنظار المسيح. وهذا بالضبط ما تعنيه كلمات الرسول: "وأجلَسنا معه في السماويات في المسيح يسوع." (أفسس 6:2) وتعبير "أجلَسنا" هو في الماضي. فمِن حقّ المؤمن أن ينظرَ من وجهة النَّظر السماوية، وهكذا تصغُر الأمورُ الأرضية في عينيه حين يقضي وقتًا في:

1- الشركة وحضوره العجيب: لأنَّنا إذا فعلنا نقدر أن نضع كلَّ مشاكلنا وضيقاتِنا أمامَ عرشه بالصلاة، فتغدو عندها صغيرةً، ونحنُ في منأىً عن نار العدو.
2- الكلمة ومواعيد الحبيب: الكلمة تحفظُك. سألتُ أحد الركَّاب الجالسين بجانبي في الطائرة في رحلة من بيروت إلى عمان مرَّة: لماذا الرحلة على متن خطوط الشرق الأوسط تأخذ وقتًا أقصر من الرحلة من عمان إلى بيروت على متن الخطوط الأردنية يا ترى؟ هل لديك عِلْم؟ قال: لأنَّ مَسار هذه الخطوط يختلف عن مسار الخطوط الأردنية فهذه تحلّق فوق سوريا. بينما الأردنية فهي تعتمد مسارًا آخر أطول وأبعد بسبب الحرب. لكن لا تخفْ يا حكيم، نحن الآن في أمان إذ نحلِّق فوق سوريا على ارتفاع 50 ألف قدم ولا يمكن أن تطالَنا المدافع. وهنا شكَرْتُه ورحتُ أفكر كيف أنَّ الارتفاع يُشعرُنا بالأمان. هكذا أيضًا مواعيد الرب في كلمته المقدسة تحافظ علينا ونحن في أمان.
3- قيامة خلفَ كلِّ صليب: هناك قيامة خلفَ كلِّ صعوبة. لأنّه مكتوب:
"كلُّ الأشياء تَعمل معًا للخير للذين يحبّون الله الذين هم مدعوون حسَب قصدِه." (رومية 28:8) وهذا هو وعدُه لكلِّ واحد منا. نعم، هو وحده الذي يجعل القفرَ غديرَ مياهٍ متدفِّقة. فهل نحن حقًا نعيشُ حياةَ القيامة يوميًّا؟

المجموعة: نيسان (إبريل) 2023