"أنا هو الباب. إن دخلَ بي أحدٌ فيَخلُص ويدخُلُ ويخرُجُ ويجدُ مرعًى." (يوحنا 9:10)

يعلن الرب يسوع هنا أنه باب الحظيرة الذي لا بدّ أن تدخل منه الخراف، وقد كانت الحظيرة في ذلك الوقت عبارة عن أرض مُحاطة بحوائط من ثلاث جهات، وفي الجهة الرابعة فتحة الدخول، وكان الراعي بعد أن يُدخِل الخراف ينام في هذه الفتحة، وهي التي تسمّى "الباب"، فلا يمكن أن تخرج واحدة من الرعيّة دون أن تمرّ بجسد الراعي، ولا يمكن أن يدخل وحشٌ مُفترس إلّا ويمرّ بجسد الراعي أيضًا. إنّها صورة لليقظة الدائمة، والمحبّة الباذلة والشجاعة التي لا تهاب الموت. ولكن لماذا شبَّه المسيح نفسه بالباب؟

أولًا - هو باب الخلاص
يقول الرب يسوع: "أنا هو الباب. إن دخلَ بي أحدٌ فيخلُص..." فهو باب الخلاص ولا يوجد بابٌ غيره، وهو يقول عن نفسه: "أنا هو الطريق والحقّ والحياة. ليس أحدٌ يأتي إلى الآب إلّا بي." (يوحنا 6:14) فهو الطريق الوحيد ولا توجد طرقٌ سواه. فهو ليس طريقًا من الطرق أو بابًا من الأبواب ولكنه الباب الوحيد والطريق الوحيد، لذلك يقول عنه الرسول بطرس: "لَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ." (أعمال 12:4)
لقد شعر أيّوب بالفجوة الكبيرة التي تفصل بينه وبين الله نتيجة خطيّته فصرخ: "ليسَ بينَنا مُصالِحٌ يضعُ يده على كلينا." (أيوب 33:9) وجاء المسيح ليربط الأرض بالسماء وليعلن لنا عن حبّ الآب السماوي، لذلك يقول عنه الرسول بولس: "لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ." (1تيموثاوس 5:2) فهو باب الوساطة والخلاص ولا توجد أبواب أخرى غيره. إنني أدعوك للدخول من هذا الباب حتى تنال الخلاص وتكون لك العلاقة السليمة مع الله.

ثانياً – هو باب الحرية
يقول الرب يسوع: "إن دخلَ بي أحدٌ فيخلُص ويدخُل ويخرُج". "ويدخل ويخرج" يعني الحرّيّة، فهذا التعبير يُطلَق على الحريّة التي يتمتّع أهل البيت. الضيف يدخل بحساب ويخرج بحساب، ولكن أهل البيت يتصرّفون بحرّيّة كاملة.
إن يسوع وحده هو باب الحريّة، حريّة الفكر والإرادة والحياة بأكملها، فهو الذي قال: "وتعرفون الحقَّ، والحقُّ يُحرِّرَكُم." (يوحنا 32:8) وقال أيضًا: "فإن حرَّركُمْ الابن فبالحقيقةِ تكونونَ أحرارًا." (يوحنا 36:8)
والحرية التي يمتّعنا بها المسيح هي حرّية البالغين الناضجين. فالطفل الصغير نخاف عليه من الخروج والدخول كما يقول سليمان الحكيم: "وأنا فتىً صغيرٌ لا أعلمُ الخروجَ والدخول." (1ملوك 7:3) فالمسيح يعطينا أن نعيش نوعيّةً ناضجة من الحياة، ويخلّصنا من قيودِ الشرّ والخطيّة التي تقود إلى الدمار والتحطيم.

ثالثاً – هو باب الشبع
يقول المسيح: "يدخل ويخرج ويجد مرعى..." فهو باب الشبع لأنه الراعي الصالح الذي قال عنه داود: "الرب راعيّ فلا يعوزني شيء. في مراعٍ خضرٍ يربضني." (مزمور 1:23-2) إن الخطية لا يمكن أن تُشبِع الإنسان لأنها أشبعت جانبًا واحدًا فهي تدمّر كل الحياة بعد ذلك، وإن أسعدت الإنسان لحظات فهي تحطّمه طوال العمر، فالشبع الحقيقي في المسيح "الذي يُشبع بالخير عمرك." (مزمور 5:103) ويقول عنه المرنّم: "أمامك شِبع سرور." (مزمور 11:16) ليس شبعًا فقط ولكن شبع سرور، ويقول عنه أيضًا: "تفتح يدك فتُشبع كلَّ حيٍّ رضًا." (مزمور 16:145) ليس غنى، فالغنى سيزول، ولكن رضا. فهو يعطينا ما لا يمكن للعالم أن يقدّمه لنا. إنه يشبع فكر الإنسان ونفسه وروحه وكلّ حياته.

رابعاً – هو باب الراحة والحماية
كان الراعي يقف عند باب الحظيرة، ويضع العصا بمستوى منخفض ليضيق الباب، فتدخل الخراف واحدة واحدة، فيُعِدّها ويطمئنّ عليها، ثم ينام على الباب. وهنا تجد الخراف الراحة والحماية. وراعينا المبارك يفعل معنا هذا، فنحن شعبه وغنم مرعاه ويقول عنّا: "من يمسُّكم يمَسُّ حدقَةَ عينِهِ." (زكريّا 8:2) ويقول على فم إشعياء: "لا تخفْ لأنِّي فديتُكَ. دعوتُك باسمِك. أنتِ لي. إذا اجتزْتَ في المياهِ فأنا معك... واللهيبُ لا يُحرِقُك." (إشعياء 1:43-2)
عزيزي القارئ، إذا كنت قد دخلت من هذا الباب فلماذا الخوف والقلق والاضطراب؟ إن حياتك ومستقبلك بين يديه. اسمعه وهو يقول: "وأما أنتُمْ فحتّى شعورُ رؤوسِكُمْ جميعُها محصاةٌ. فلا تخافوا!" (متى 30:10-31)

المجموعة: شباط (فبراير) 2024