تحتوي قصة خلق آدم وحواء في سفر التكوين 26:1-29 على مبدأ مهمّ في عالمنا المعاصر،

هو مبدأ الوكالة، وتفويض السلطة. حيث خلق الله الإنسان في صورته ومثاله وفوّضه لممارسة سلطانه على خليقته وإخضاعها، والمحافظة عليها، تكوين 15:2. وهذا يعني إظهار مجد الله وصورته في كل الخليقة. فما هو معنى الوكالة، وما هو واجب الوكيل، وكيف يُحاسَب؟
الوكيل
هو الشخص الذي يتمّ تفويضه من قِبَل شخصٍ آخر، على إدارة ممتلكاته بالنيابة عنه، وممارسة سلطانه في إدارة أملاكه، واتّخاذ قرارات لصالح المالك، وحتى التوقيع باسمه. والشرط المطلوب من الوكيل هو أن يدير أملاك موكّله بأمانة، واجتهاد، وحكمة، ويكون خاضعًا للمحاسبة في أية لحظة.

مجال وكالة الإنسان
لقد خلق الله الإنسان على صورته وشبهه، ليتمتّع بالشركة الدائمة معه. وفوّضه ليكون شريكًا له في إدارة خليقته، وبذلك يمثل حضوره، ويعكس مجده في كل الخليقة. يعبِّر إشعياء عن قصد الله من خلقه الإنسان بقوله في الفصل 6:43-7 "اِيتِ ببنيّ من بعيد، وببناتي من أقصى الأرض. بكلّ من دُعي باسمي ولمجدي خلقته وجبلته وصنعته." وتشمل وكالة الله للإنسان: حياته التي هي نسمة نفخها الله في أنفه (تكوين 7:2)، وجسده، وصحته، وكل مواهبه ومهاراته وقدراته، ووقته وممتلكاته المادية. وتشمل ثانيًا مسؤوليته عن باقي المخلوقات وعناصر الطبيعة. لقد منح الله الإنسان كل تلك البركات، وهي ليست ملكًا له، بل لله. يذكر يعقوب في رسالته أن: "كلّ عطية صالحة وكلّ موهبة تامّة هي من فوق، نازلة من عند أبي الأنوار، الذي ليس عنده تغيير ولا ظلّ دوران." (يعقوب 17:1) يتطلّب مبدأ الوكالة من كل إنسان أن يكون مسؤولًا عن كيفيّة تصرّفه ببركات الله كوكيل صالح، مفوَّض من الله، ومؤتَمَن على تلك البركات، وليس مالكًا لها، وأن يكون مستعدًّا لتقديم حسابٍ عنها في أيّة لحظة.

الوقوف أمام أحد كرسيَّين
يكتب بطرس في رسالته 1بطرس 17:4، أن أولاد الله هم أوّل من سيخضع للمحاسبة أمام الله: "لأنه الوقت لابتداء القضاء من بيت الله. فإن كان أوّلًا منّا، فما هي نهاية الذين لا يطيعون إنجيل الله؟"
أما في 2كورنثوس 10:5 فنرى بولس يحثّ المؤمنين بأن يكونوا مرضيّين أمام الله لأنه: "لا بدّ أننا جميعًا نُظْهَر أمام كرسي المسيح، لينال كلّ واحدٍ ما كان بالجسد بحسب ما صنع خيرًا كان أم شرًّا." فسوف يقف جميع المؤمنين، أولاد الله أمام كرسيّ المسيح يومًا ما، ليس للدينونة وتقرير مصيرهم الأبدي، بل لمحاسبتهم على أمانتهم في حياتهم الروحية على الأرض، وكيفيّة استخدامهم لمواهبهم وأوقاتهم، وأموالهم، في تمجيد المسيح، وامتداد ملكوته. يوضّح الرسول بولس في 1كورنثوس 11:3-15 بأن مقياس محاسبة المؤمنين، هو مقدار أمانتهم في خدمة المسيح. فالبعض سوف يكافؤون على أمانتهم، والبعض سوف يخسرون المكافأة أو الإكليل، ولكنهم لا يخسرون خلاصهم، بل كما ورد في 1كورنثوس 15:3 "إن احترق عمل أحدٍ فسيخسر، وأما هو فسيخلص، ولكن كما بنار."
أما الأشخاص الذين رفضوا خلاص المسيح، فسوف يقفون يومًا ما أمام العرش العظيم الأبيض: عرش الدينونة، وسوف يُحاسَبون على إضاعة فرصة حياتهم على الأرض، لأنهم لم يتوبوا، ولم يخلصوا من الدينونة الأبدية. يوضّح يوحنا في سفر الرؤيا تلك الحقيقة القاسية، والمصير النهائي للواقفين أمام عرش الدينونة بقوله: "ورأيت الأموات صغارًا وكبارًا واقفين أمام الله، وانفتحت أسفار، وانفتح سفر آخر هو سفر الحياة، ودين الأموات ممّا هو مكتوب في الأسفار بحسب أعمالهم… وكلّ من لم يوجد مكتوبًا في سفر الحياة طُرِح في بحيرة النار." (رؤيا 12:20، 15)

خلاصة القول
إننا كبشر لا نملك شيئًا ممّا وضعه الله تحت تصرّفنا من بركات، بل نحن وكلاء فقط، وسوف يأتي اليوم الذي نقف فيه جميعًا أمام الله لتقديم حساب عن وكالتنا. كمؤمنين، سوف نقف أمام كرسي المسيح للمحاسبة على مقدار أمانتنا في خدمته. أما غير المؤمنين، فسوف يقفون أمام عرش الدينونة الأبيض لكي يُدانوا، ويُطرحون في بحيرة النار، لأنهم أضاعوا فرصة حياتهم، ولم يتوبوا وينالوا خلاص المسيح المجانيّ الذي قدّمه على الصليب.

المجموعة: شباط (فبراير) 2024