من أكثر الأمور المُحيِّرة لكلِّ البشر على مرِّ العصور وللمؤمنين أيضًا، هو هذا السؤال: «حَتَّى مَتَى يَا اللهُ؟»

فالأمور تتعقّد كثيرًا والصلوات تُرفع بلجاجة، والوقت يطول ويصرخ الكثيرون ولا سيَّما المتألِّمين متسائلين، متى ستتدخَّل يا ربّ في أمورنا وتنهي آلامنا؟ لذلك اسمح لي عزيزي القارئ أن أناقش معك ثلاث حقائق:

أولاً: هل الله تهمّه أمورنا؟
يحاول العدوّ جاهدًا أن يزرع في قلب المتألِّم هذا الشكّ، أن الربّ لا يبالي، أو سيِّدي قد نسيني. لقد قالت صهيون مرّة: «قَدْ تَرَكَنِي الرَّبُّ، وَسَيِّدِي نسيني». وما أروع إجابة الربّ: «هَلْ تَنْسَى الْمَرْأَةُ رَضِيعَهَا فَلاَ تَرْحَمَ ابْنَ بَطْنِهَا؟ حَتَّى هؤُلاَءِ يَنْسَيْنَ، وَأَنَا لاَ أَنْسَاكِ.» (إشعياء 14:49-١٥)
قال إشعياء عن الرب إلهنا هذا القول الرائع: «فِي كُلِّ ضِيقِهِمْ تَضَايَقَ، وَمَلاَكُ حَضْرَتِهِ خَلَّصَهُمْ.» (إشعياء 9:63) إن التأمّل في حياة المسيح على الأرض تكفي لطمأنينة القلب بأنّه يهتمّ جدًّا بنفوسنا. لقد أهتمّ بحاجة الجموع الجياع وبادر بالقول: «وَلَسْتُ أُرِيدُ أَنْ أَصْرِفَهُمْ صَائِمِينَ لِئَلاَّ يُخَوِّرُوا فِي الطَّرِيقِ.» (متى 32:15) والأروع من هذا عندما كان مصلوبًا وفي عمق آلامه أظهر اهتمامه بأمّه - المطوّبة مريم - فأوصى يوحنا من فوق الصليب قائلًا: «هُوَذَا أُمُّكَ»، بل واهتمّ بلصٍّ تائبٍ فقال له: «إِنَّكَ الْيَوْمَ تَكُونُ مَعِي فِي الْفِرْدَوْسِ.» (لوقا 43:23)
لذا أشجّعك صديقي أن تترنّم واثقًا في إلهك: «الرَّبُّ يَهْتَمُّ بِي. عَوْنِي وَمُنْقِذِي أَنْتَ.»

ثانيًا: إنّي أعيِّن ميعادًا
الأمر الذي يجب ألّا يختفي عن تفكيرنا، هو أن الرب يعمل كلّ شيء بحكمةٍ فائقةٍ وبتوقيتٍ دقيق، حاشا له أن يتأخّر أو يأتي قبل الميعاد. فعندما تساءل داود في حيرته: «حَتَّى مَتَى يَا اللهُ؟» (مزمور 10:74)، كانت إجابة الرب الحازمة والسريعة في المزمور التالي: «لأَنِّي أُعَيِّنُ مِيعَادًا. أَنَا بِالْمُسْتَقِيمَاتِ أَقْضِي.» (مزمور 2:75)
فقد يظنّ البعض أن الربّ تأخّر على يوسف وتركه في السجن؛ حتى رئيس السقاة، الذي أحسن يوسف إليه، نسيه «وَلَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ رَئِيسُ السُّقَاةِ يُوسُفَ بَلْ نَسِيَهُ.» (تكوين 23:40)
لكن الأمور لم تفلت من توقيت الله الدقيق! فكان الله يخطّط لكي يُخرج يوسف من سجنه لا كعبد، بل كأميرٍ على أرض مصر، وهذا حسب التوقيت الإلهي الدقيق «إِلَى وَقْتِ مَجِيءِ كَلِمَتِهِ... أَقَامَهُ سَيِّدًا عَلَى بَيْتِهِ وَمُسَلَّطًا عَلَى كُلِّ مُلْكِهِ.» (مزمور 19:١٠٥، ٢١)
ليتنا لا نفشل عندما يتأنّى الرب علينا بحكمته، بل لنهدأ واثقين في محبّته وفي قول السيّد: «أَنَا الرَّبُّ فِي وَقْتِهِ أُسْرِعُ بِهِ.» (إشعياء 22:60)

ثالثًا: الاحتياج الضروري لنا جميعًا!
ما يتعبنا جميعًا هو القلق وعدم الانتظار! فكثيرًا تحت ضغوط ظروفنا نصلّي ونصلّي ونريد أن الربّ يعمل شيئًا وبسرعة لأنّ الأمور لا تحتمل الانتظار!
لكن عندما نثق في محبّة الرب أنه لن يتخلّى، وأن توقيته حكيمٌ دقيقٌ، هذا يجعلنا نهدأ. وحتى نكون هادئين نحتاج إلى عطية مُلحّة ألا وهي الصبر. والصبر هو القدرة على الاحتمال تحت الضغوط. ولكن من أين لنا بهذا الصبر ونحن بطبيعتنا قلقين؟ لنا في الربّ إلهنا كلّ ما نحتاجه «مُتَقَوِّينَ بِكُلِّ قُوَّةٍ بِحَسَبِ قُدْرَةِ مَجْدِهِ، لِكُلِّ صَبْرٍ وَطُولِ انَاةٍ بِفَرَحٍ.» (كولوسي 11:1) وغالبًا ما نتدرّب في درس الصبر ليس بالقراءة، لكن بدخولنا في ضيقاتٍ شديدة تحت إشراف الربّ إلهنا الحنّان «نَفْتَخِرُ أَيْضًا فِي الضِّيقَاتِ عَالِمِينَ أَنَّ الضِّيقَ يُنْشِئُ صَبْرًا.» (رومية 3:5)
فكلّ الذين نجحوا في الاحتمال والشكر والانتظار للرب كان لهم تدريب على هذا الصبر في انتظار الربّ «إِنَّمَا لِلَّهِ انْتَظِرِي يَا نَفْسِي لأَنَّ مِنْ قِبَلِهِ رَجَائِي.» (مزمور 5:62)
وما أروع الانتظار المصحوب بالصبر والثقة بلا كلل أن الرب يسمع ويستجيب، وما أروعه نجاح! «وَلكِنَّنِي أُرَاقِبُ الرَّبَّ، أَصْبِرُ لإِلهِ خَلاَصِي. يَسْمَعُنِي إِلهِي.» (ميخا ٧:٧)
صديقي يا من تتساءل «حَتَّى مَتَى يَا اللهُ». ثق تمامًا أنه قد عيَّن ميعادًا، وفي وقته لا بدّ وأن يسرع به. أرجوك لا تعطِ لعدوِّك ثغرة يلعب بالفكر المحتار، لتتشكّك في صلاح الله ومحبّته من جهتك. فحاشا للرب أنه يتباطأ في وعده، وهو لا بدّ وأن ينصف مختاريه، حتّى ولو بدا الأمر أن الربّ مُتَمهِّل عليهم. فقصده المُبَارك العظيم أن تتدرّب نفوسنا بصبر وطول أناة بفرح.

المجموعة: شباط (فبراير) 2024