استوقفتني هذه الآية الكريمة من سفر التكوين: "فَعَادَ إِسْحَاقُ وَنَبَشَ آبَارَ الْمَاءِ الَّتِي حَفَرُوهَا فِي أَيَّامِ إِبْرَاهِيمَ أَبِيهِ، وَطَمَّهَا الْفِلِسْطِينِيُّونَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ، وَدَعَاهَا بِأَسْمَاءٍ كَالأَسْمَاءِ الَّتِي دَعَاهَا بِهَا أَبُوهُ" (تكوين 18:26).

وقبل أن أستطرد في الحديث، لا بد لي أن أقول إن كلمة ”الفلسطينيين“ التي ستتكرّر في هذه الرسالة لا تعني الفلسطينيين عامة ولا الذين يعيشون اليوم في غزة وما حولها،

وإنما تعني أولئك الذين ادّعوا المسيحية ولكنهم طمّوا آبار التعاليم النقية المؤسسة على الكلمة الإلهية، واستبدلوها بتعاليمهم وتقاليدهم الكنسية. أقول هذا حتى لا يحدث سوء فهم لما قصدت أن أقول.

حفر إبراهيم الآبار ليوفر للناس ماء حيًا يروي عطشهم وينعش نفوسهم، وطمّ الفلسطينيون هذه الآبار.

ومنذ أيام الرسل حاول الفلسطينيون طمّ الآبار التي حفرها رسل المسيح بإرشاد الروح القدس.

وقد أعلن بطرس الرسول هذا بكلماته: "وَلكِنْ، كَانَ أَيْضًا فِي الشَّعْبِ أَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، كَمَا سَيَكُونُ فِيكُمْ أَيْضًا مُعَلِّمُونَ كَذَبَةٌ، الَّذِينَ يَدُسُّونَ بِدَعَ هَلاَكٍ. وَإِذْ هُمْ يُنْكِرُونَ الرَّبَّ الَّذِي اشْتَرَاهُمْ، يَجْلِبُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ هَلاَكًا سَرِيعًا" (2بطرس 1:2).

كما أعلن بولس الرسول أيضًا حدوث الانحراف عن تعاليم المسيح في أيامه بكلماته: "لأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَكُمْ بِدَعٌ أَيْضًا" (1كورنثوس 19:1).

وكذلك أعلن يوحنا الرسول وجود أضداد للمسيح في أيامه فقال: "أَيُّهَا الأَوْلاَدُ هِيَ السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ. وَكَمَا سَمِعْتُمْ أَنَّ ضِدَّ الْمَسِيحِ يَأْتِي، قَدْ صَارَ الآنَ أَضْدَادٌ لِلْمَسِيحِ كَثِيرُونَ. مِنْ هُنَا نَعْلَمُ أَنَّهَا السَّاعَةُ الأَخِيرَةُ" (1يوحنا 18:2).

من هنا صار واجبًا حتميًا على كل خادم أمين للمسيح أن ينبش الآبار القديمة، آبار التعاليم النقية المؤسسة على الكلمة الإلهية.

1- أنبش

بئر الخلاص بالإيمان بالنعمة الإلهية

تقول كلمة الله التي بلا غشّ: "لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَال كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ" (أفسس 8:2-9).

كلمات مضيئة كالنور الوهّاج في قلب الظلام: بئر ملآن بالماء الحي الذي يروي عطش الظمآن، ويعطي لمن يريد الخلاص الضمان والاطمئنان.

ثم جاء أناس وطمّوا هذه البئر بحجارة إضافة الأعمال الصالحة لصليب المسيح لنوال الخلاص.

وإضافة الأعمال الصالحة أيًا كانت هذه الأعمال لما عمله يسوع المسيح بموته على الصليب لخلاص الهالكين... إهانة كبرى للمسيح وكمال عمله، الذي أكد كماله بكلماته وهو على الصليب حين قال "قد أُكمل" (يوحنا 30:19).

فيا خادم المسيح، أنبش بئر الخلاص بالإيمان وحده... بالنعمة الإلهية.

2- أنبش بئر الوعظ الصريح ضدّ الخطية

كتب بولس الرسول إلى تيموثاوس قائلاً: "اكْرِزْ بِالْكَلِمَةِ. اعْكُفْ عَلَى ذلِكَ فِي وَقْتٍ مُنَاسِبٍ وَغَيْرِ مُنَاسِبٍ. وَبِّخِ، انْتَهِرْ، عِظْ بِكُلِّ أَنَاةٍ وَتَعْلِيمٍ. لأَنَّهُ سَيَكُونُ وَقْتٌ لاَ يَحْتَمِلُونَ فِيهِ التَّعْلِيمَ الصَّحِيحَ..."
(2تيموثاوس 2:4-3)؛ وقت ينطبق عليهم فيه ما قاله إشعياء النبي: "الَّذِينَ يَقُولُونَ لِلرَّائِينَ: لاَ تَرَوْا، وَلِلنَّاظِرِينَ: لاَ تَنْظُرُوا لَنَا مُسْتَقِيمَاتٍ. كَلِّمُونَا بِالنَّاعِمَاتِ..." (إشعياء 10:30-11)، ونحن نعيش في هذا الوقت! والله يريدك أن توبّخ الخطية... أن تعظ بشدة ضدّ الشذوذ الجنسي مردّدًا الكلمات: "لاَ تَضِلُّوا... َلاَ مَأْبُونُونَ (الرجال الذين يأخذون مكان الأنثى في ممارسة الجنس) وَلاَ مُضَاجِعُو ذُكُورٍ... يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ" (1كورنثوس 9:6).

هل تنادي بشدة رافعًا صوتك ضدّ هذه الخطية، أم تسير في موكب الذين طمّوا الحق الإلهي بخصوصها، بالمناداة بإنجيل كاذب يعطي طمأنينة كاذبة لغير التائبين وغير الراجعين بكل قلوبهم إلى الرب؟

يا خادم الإنجيل، "اِرْفَعْ صَوْتَكَ كَبُوق وَأَخْبِرْ شَعْبِي بِتَعَدِّيهِمْ، و... بِخَطَايَاهُمْ" (إشعياء 1:58).

3- إنبش بئر حياة القداسة العملية

تؤكد كلمة الرب رغبة قلبه أن يعيش شعبه حياة القداسة العملية لأن الرب اختارنا في المسيح ”لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ“
(أفسس 3:1-4).

”بَلْ نَظِيرَ الْقُدُّوسِ الَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ. لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ" (1بطرس 14:1-16).

الله يطالب المؤمنين بأن يعيشوا حياة القداسة... أي حياة الاعتزال عن الشر والأشرار.

لكن الفلسطينيين طمّوا بئر حياة القداسة العملية بإنجيل سهل، يكفي فيه أن يتقدم الواحد إلى الأمام بعد العظة، ليقول له خادم الإنجيل المزيّف لقد خلصت، ووُلدت ولادة ثانية...

يا خادم الإنجيل، أنبش بئر حياة القداسة العملية. قلْ للنساء اللواتي يحضرن كنيستك أن يكنّ متعقلات في زينتهن وملابسهن.. هذا ما فعله بولس، إذ قال: "وَكَذلِكَ أَنَّ النِّسَاءَ يُزَيِّنَّ ذَوَاتِهِنَّ بِلِبَاسِ الْحِشْمَةِ، مَعَ وَرَعٍ وَتَعَقُّل، لاَ بِضَفَائِرَ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ لآلِئَ أَوْ مَلاَبِسَ كَثِيرَةِ الثَّمَنِ، بَلْ كَمَا يَلِيقُ بِنِسَاءٍ مُتَعَاهِدَاتٍ بِتَقْوَى اللهِ بِأَعْمَال صَالِحَةٍ"
(1تيموثاوس 9:2-10).

وقال الرسول بطرس أيضًا للنساء: "وَلاَ تَكُنْ زِينَتُكُنَّ الزِّينَةَ الْخَارِجِيَّةَ، مِنْ ضَفْرِ الشَّعْرِ وَالتَّحَلِّي بِالذَّهَبِ وَلِبْسِ الثِّيَابِ، بَلْ إِنْسَانَ الْقَلْبِ الْخَفِيَّ فِي الْعَدِيمَةِ الْفَسَادِ، زِينَةَ الرُّوحِ الْوَدِيعِ الْهَادِئِ، الَّذِي هُوَ قُدَّامَ اللهِ كَثِيرُ الثَّمَنِ..." (1بطرس 1:3-5).

فيا خادم الإنجيل، أنبش بئر حياة القداسة العملية، وقُدْ شعبك من الرجال والنساء أن يعيشوا حياة القداسة العملية.

4- أنبش بئر المناداة بالدينونة الأبدية

الدينونة حقيقة مؤكدة. "وُضِعَ لِلنَّاسِ أَنْ يَمُوتُوا مَرَّةً ثُمَّ بَعْدَ ذلِكَ الدَّيْنُونَةُ" (عبرانيين 27:9).

ويوم الدينونة هو يوم العقاب لغير التائبين والرافضين لخلاص المسيح الثمين، إذ يقول لهم:

"وَمَاذَا تَفْعَلُونَ فِي يَوْمِ الْعِقَابِ، حِينَ تَأْتِي التَّهْلُكَةُ مِنْ بَعِيدٍ؟ إِلَى مَنْ تَهْرُبُونَ لِلْمَعُونَةِ، وَأَيْنَ تَتْرُكُونَ مَجْدَكُمْ؟" (إشعياء 3:10).

مواعظ هذه الأيام مخدرات لتهدئة مخاوف الخطاة دون أن تقودهم إلى التوبة الحقيقية عن الخطية والإيمان بالرب يسوع المسيح لنوال الحياة الأبدية.

أما أنت يا خادم المسيح الأمين فعليك أن تُذكّر سامعيك أن هناك يومًا للدينونة.

لما وقف بولس السجين أمام القاضي الروماني فيلكس... تكلم بولس إلى قاضيه عن الدينونة. "وَبَيْنَمَا كَانَ يَتَكَلَّمُ عَنِ الْبِرِّ وَالتَّعَفُّفِ وَالدَّيْنُونَةِ الْعَتِيدَةِ أَنْ تَكُونَ، ارْتَعَبَ فِيلِكْسُ" (أعمال 25:24).

فهل تعظ للذين يحضرون اجتماعات كنيستك عن الدينونة العتيدة أن تكون؟ وهل ارتعب الذين سمعوا كلماتك وتابوا ورجعوا إلى الرب؟!

لما وعظ ”جوناثان إدواردز“ عظته المعروفة "الخطاة في يد إله غضبان" نزل الحاضرون تحت مقاعد الكنيسة ليختبئوا من غضب الله عليهم بسبب آثامهم وفجورهم.

فيا خادم المسيح أنبش الآبار القديمة وليبارك الرب خدمتك ويعطيك ثمرًا لمجده.

زميلك في الخدمة المقدسة

القس لبيب ميخائيل

 

المجموعة: 2010