توقفت طويلاً عند الأعداد الأولى من الأصحاح الثلاثين من سفر صموئيل الأول، وأعطيت لخيالي العنان لتصوّر ما حدث في بلدة صقلغ.

عاد داود ورجاله إلى صقلغ فوجدوا أن العمالقة قد غزَوْا صقلغ، وسبَوْا النساء اللواتي فيها ومنهنّ امرأتا داود، أخينوعم اليزرعيلية وأبيجايل...

وأحرقوا صقلغ بالنار... كان المنظر بشعًا ومخيفًا! النساء والبنون والبنات أخذهم العمالقة سبايا... ومن فرط بشاعة المنظر "رَفَعَ دَاوُدُ وَالشَّعْبُ الَّذِينَ مَعَهُ أَصْوَاتَهُمْ وَبَكَوْا حَتَّى لَمْ تَبْقَ لَهُمْ قُوَّةٌ لِلْبُكَاءِ" (1صموئيل 4:30).

وهنا نقرأ آية ذهبية تبهر العيون، تقول:

"فَتَضَايَقَ دَاوُدُ جِدًّا لأَنَّ الشَّعْبَ قَالُوا بِرَجْمِهِ، لأَنَّ أَنْفُسَ جَمِيعِ الشَّعْبِ كَانَتْ مُرَّةً كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى بَنِيهِ وَبَنَاتِهِ" (1صموئيل 6:30). وتتحدّث هذه الكلمات عن الأزمات الخارجية. وتستمرّ الآية فتذكر الكلمات: "وَأَمَّا دَاوُدُ فَتَشَدَّدَ بِالرَّبِّ إِلهِهِ". وهنا الحديث عن القوة الإلهية.

وأنت يا خادم الإنجيل، قد تمرّ بأزمات خارجية خلال خدمتك، وعليك أن تتشدّد بالرب إلهك كما تشدّد داود النبي.


الأزمات الخارجية التي قد تواجهك

 أزمة مالية:  قد تمر يا خادم الإنجيل بأزمة مالية؛ مواردك المالية تجفّ، ولا تجد سبيلاً للصرف على احتياجات أسرتك.

 أزمة عائلية: مع الأزمة المالية قد تمرّ بأزمة عائلية، فتحدث خلافات بينك وبين زوجتك... أو يحدث تمرّد ضدّك من بناتك وأولادك... ويصبح جو بيتك ميدانًا لصراع مؤلم ومؤسف.

 أزمة كنسية: في قلب هذا الصراع، تثور أزمة في كنيستك، ويطالب بعض الأعضاء أو أكثرية منهم إلى فصلك عن الكنيسة التي أسستها بتعبك وجهادك.

 أزمة صحية: في قلب هذه العواصف، تضعف صحتك وتصير غير قادر على القيام بمسؤولياتك.

 ماذا تفعل وقد أحاطت بك الأزمات؟!

إنك تتضايق جدًا... تمامًا كما تضايق داود حين قال الشعب برجمه.

ولعلّك تقول مع الشاعر:

لو كان همٌّ واحد لاحتملته

ولكنه همٌّ وثانٍ وثالث

 هل تتوقّف عند هذا الحد وتستسلم للضيق النفسي والتدهور الجسدي والروحي؟!

أقول لك، يا خادم الإنجيل:

 كلا!

فمع الأزمات الخارجية هناك القوة الإلهية.


القوة الإلهية التي تشددك

 "وَأَمَّا دَاوُدُ فَتَشَدَّدَ بِالرَّبِّ إِلهِهِ".

الرب العظيم القادر على كل شيء، وأنت في جانب... والأزمات الخارجية المحيطة بك في جانب آخر..

لا شك أنك، والرب معك، تصير في الجانب الظافر المنتصر.

مرّ بولس الرسول في أزمات أقسى من كل الأزمات التي ذُكرت، فكتب إلى ابنه وتلميذه تيموثاوس يقول:

"أَنْتَ تَعْلَمُ هذَا أَنَّ جَمِيعَ الَّذِينَ فِي أَسِيَّا ارْتَدُّوا عَنِّي، الَّذِينَ مِنْهُمْ فِيجَلُّسُ وَهَرْمُوجَانِسُ"
(2تيموثاوس 15:1).

"فِي احْتِجَاجِي الأَوَّلِ لَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ مَعِي، بَلِ الْجَمِيعُ تَرَكُونِي. لاَ يُحْسَبْ عَلَيْهِمْ. وَلكِنَّ الرَّبَّ وَقَفَ مَعِي وَقَوَّانِي، لِكَيْ تُتَمَّ بِي الْكِرَازَةُ، وَيَسْمَعَ جَمِيعُ الأُمَمِ، فَأُنْقِذْتُ مِنْ فَمِ الأَسَدِ. وَسَيُنْقِذُنِي الرَّبُّ مِنْ كُلِّ عَمَل رَدِيءٍ وَيُخَلِّصُنِي لِمَلَكُوتِهِ السَّمَاوِيِّ. الَّذِي لَهُ الْمَجْدُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ. آمِينَ" (2تي 16:4-18).

هكذا وجد بولس الرسول في قوة الرب، قوة له... عندما رأى نفسه واقفًا وحده وقد ارتد عنه جميع الذين في أسيّا. ولم يحضر أحد معه في احتجاجه أمام السلطات.

ومرّ بولس في أزمة صحيّة كتب عنها لكنيسة كورنثوس الكلمات: "وَلِئَلاَّ أَرْتَفِعَ بِفَرْطِ الإِعْلاَنَاتِ، أُعْطِيتُ شَوْكَةً فِي الْجَسَدِ، مَلاَكَ الشَّيْطَانِ لِيَلْطِمَنِي، لِئَلاَّ أَرْتَفِعَ"
(2كورنثوس 7:12). وكتب عنها إلى كنائس غلاطية: "وَلكِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي بِضَعْفِ الْجَسَدِ بَشَّرْتُكُمْ فِي الأَوَّلِ. وَتَجْرِبَتِي الَّتِي فِي جَسَدِي لَمْ تَزْدَرُوا بِهَا وَلاَ كَرِهْتُمُوهَا، بَلْ كَمَلاَكٍ مِنَ اللهِ قَبِلْتُمُونِي، كَالْمَسِيحِ يَسُوعَ" (غلاطية 13:4-14).

وفي أزمته الجسدية كتب يقول: "مِنْ جِهَةِ هذَا تَضَرَّعْتُ إِلَى الرَّبِّ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ أَنْ يُفَارِقَنِي. فَقَالَ لِي: تَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ" (2كو 8:12-9).

وإذ اختبر بولس كفاية نعمة الله استطرد يقول: "فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ الْمَسِيحِ. لِذلِكَ أُسَرُّ بِالضَّعَفَاتِ وَالشَّتَائِمِ وَالضَّرُورَاتِ وَالاضْطِهَادَاتِ وَالضِّيقَاتِ لأَجْلِ الْمَسِيحِ. لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ".

 (2كورنثوس 9:12-10)

في أزمته الصحية وجد بولس القوة في النعمة الإلهية.

واجتاز بولس أيضًا أزمة مالية، كتب عنها للقديسين في فيلبي الكلمات: "ثُمَّ إِنِّي فَرِحْتُ بِالرَّبِّ جِدًّا لأَنَّكُمُ الآنَ قَدْ أَزْهَرَ أَيْضًا مَرَّةً اعْتِنَاؤُكُمْ بِي الَّذِي كُنْتُمْ تَعْتَنُونَهُ... لَيْسَ أَنِّي أَقُولُ مِنْ جِهَةِ احْتِيَاجٍ، فَإِنِّي قَدْ تَعَلَّمْتُ أَنْ أَكُونَ مُكْتَفِيًا بِمَا أَنَا فِيهِ. أَعْرِفُ أَنْ أَتَّضِعَ وَأَعْرِفُ أَيْضًا أَنْ أَسْتَفْضِلَ. فِي كُلِّ شَيْءٍ وَفِي جَمِيعِ الأَشْيَاءِ قَدْ تَدَرَّبْتُ أَنْ أَشْبَعَ وَأَنْ أَجُوعَ، وَأَنْ أَسْتَفْضِلَ وَأَنْ أَنْقُصَ. أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي. غَيْرَ أَنَّكُمْ فَعَلْتُمْ حَسَنًا إِذِ اشْتَرَكْتُمْ فِي ضِيقَتِي" (فيلبي 10:4-14).

في وسط احتياجات بولس المالية، ومساعدة كنيسة فيلبي له، لم يفرح بالعطية المالية بل قال: "إني فرحت بالرب جدًا"، وقال للفيلبيين: "فَيَمْلأُ إِلهِي كُلَّ احْتِيَاجِكُمْ (ليس بحسب احتياجكم بل) بِحَسَبِ غِنَاهُ فِي الْمَجْدِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ" (فيلبي 19:4).

فيا خادم الإنجيل، إن مررتَ في أزمات خارجية، فتشدّد بالرب، وهو بكل يقين سيمنحك القوة الإلهية.

 

زميلك في الخدمة المقدسة،

القس لبيب ميخائيل

 

المجموعة: 2011