قال المسيح لرسله قبل ذهابه للصليب: "كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنِّي أَضْرِبُ الرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ خِرَافُ الرَّعِيَّةِ".  (متى 31:26)

وتعني هذه الكلمات أن خدام الإنجيل يتعرّضون للشك كما يتعرّض سائر المؤمنين، وهناك أسباب للشك وإليك بعض هذه الأسباب.

1- قال أحد خدام الإنجيل: شككت بسبب الريح الشديدة والأمواج التي ضربت كنيستي

كانت كنيستي تنمو من أسبوع لأسبوع في هدوء وسلام. كانت الخدمة فيها كأيام السماء على الأرض. وفجأة قام عضو متقدّم في كنيستي بإعلان الحرب ضدي، وتبعه عدد غير قليل من أعضاء الكنيسة... وانقسمت الكنيسة وضاعت مجهودات الشهور والسنين، ودخل الشك قلبي!

شككت في دعوة الله لي، وشككت في قدرة الله على حماية كنيسته، وغرقت في بحر الشك العميق إلى أن وجدت العلاج في كلمة الله وقرأت قصة شك بطرس حين سار على الماء.

"وَلِلْوَقْتِ أَلْزَمَ يَسُوعُ تَلاَمِيذَهُ أَنْ يَدْخُلُوا السَّفِينَةَ وَيَسْبِقُوهُ إِلَى الْعَبْرِ حَتَّى يَصْرِفَ الْجُمُوعَ. وَبَعْدَمَا صَرَفَ الْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ مُنْفَرِدًا لِيُصَلِّيَ. وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ كَانَ هُنَاكَ وَحْدَهُ. وَأَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ قَدْ صَارَتْ فِي وَسْطِ الْبَحْرِ مُعَذَّبَةً مِنَ الأَمْوَاجِ... وَفِي الْهَزِيعِ الرَّابعِ مِنَ اللَّيْلِ مَضَى إِلَيْهِمْ يَسُوعُ مَاشِيًا عَلَى الْبَحْرِ. فَلَمَّا أَبْصَرَهُ التَّلاَمِيذُ مَاشِيًا عَلَى الْبَحْرِ اضْطَرَبُوا قَائِلِينَ: إِنَّهُ خَيَالٌ. وَمِنَ الْخَوْفِ صَرَخُوا! فَلِلْوَقْتِ كَلَّمَهُمْ يَسُوعُ قِائِلاً: تَشَجَّعُوا! أَنَا هُوَ. لاَ تَخَافُوا. فَأَجَابَهُ بُطْرُسُ وَقَالَ: يَا سَيِّدُ، إِنْ كُنْتَ أَنْتَ هُوَ، فَمُرْني أَنْ آتِيَ إِلَيْكَ عَلَى الْمَاءِ. فَقَالَ: تَعَالَ . فَنَزَلَ بُطْرُسُ مِنَ السَّفِينَةِ وَمَشَى عَلَى الْمَاءِ لِيَأْتِيَ إِلَى يَسُوعَ. وَلكِنْ لَمَّا رَأَى الرِّيحَ شَدِيدَةً خَافَ. وَإِذِ ابْتَدَأَ يَغْرَقُ، صَرَخَ قِائِلاً: يَارَبُّ، نَجِّنِي!. فَفِي الْحَالِ مَدَّ يَسُوعُ يَدَهُ وَأَمْسَكَ بِهِ وَقَالَ لَهُ: يَا قَلِيلَ الإِيمَانِ، لِمَاذَا شَكَكْتَ؟" (متى 22:14-31).

لقد هاجم الشك بطرس بسبب الريح الشديدة. ولولا يد الرب التي أنقذته لغرق في البحر. أما بولس فقد مرّ في ظروف قاسية لكنه لم يسمح للشك أن يسيطر عليه لأنه وثق في وقوف الرب معه، فكتب إلى تيموثاوس يقول: "أَنْتَ تَعْلَمُ هذَا أَنَّ جَمِيعَ الَّذِينَ فِي أَسِيَّا ارْتَدُّوا عَنِّي" (2تيموثاوس 15:1). وعاد يقول: "فِي احْتِجَاجِي الأَوَّلِ لَمْ يَحْضُرْ أَحَدٌ مَعِي، بَلِ الْجَمِيعُ تَرَكُونِي. لاَ يُحْسَبْ عَلَيْهِمْ. وَلكِنَّ الرَّبَّ وَقَفَ مَعِي وَقَوَّانِي، لِكَيْ تُتَمَّ بِي الْكِرَازَةُ، وَيَسْمَعَ جَمِيعُ الأُمَمِ، فَأُنْقِذْتُ مِنْ فَمِ الأَسَدِ".

 (2تيموثاوس 16:4-17)

فيا خادم الإنجيل، إذا هاجمتك الريح الشديدة وزلزلت أركان كنيستك، فلا تسمح للشك أن يفترسك، بل ثق في وجود الرب معك واعلم أن الرب مصدر قوتك.

2- قال خادم آخر من خدام الإنجيل: شككت إذ رأيت نجاح الأشرار الذين حولي

هذا هو السبب الذي ملأ قلب آساف في القديم بالشك في عدالة الله، فكتب يقول: "إِنَّمَا صَالِحٌ اللهُ لإِسْرَائِيلَ، لأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ. أَمَّا أَنَا فَكَادَتْ تَزِلُّ قَدَمَايَ. لَوْلاَ قَلِيلٌ لَزَلِقَتْ خَطَوَاتِي. لأَنِّي غِرْتُ مِنَ الْمُتَكَبِّرِينَ، إِذْ رَأَيْتُ سَلاَمَةَ الأَشْرَارِ" (مزمور 1:73-3).

رأى آساف أن الأشرار ليسوا في تعب الناس... رأى أنهم تقلّدوا الكبرياء، ورأى أنهم يقولون: "كيف يعلم الله وهل عند العلي معرفة؟"... رأى أنهم مستريحون من كل الجهات.

ودخل الشك قلبه، وكادت تزل قدماه.

لكن الرب عالج شك آساف فأدخله مقادسه. وهناك رأى آخرة الأشرار. وعندئذ قال: "حَقًّا فِي مَزَالِقَ جَعَلْتَهُمْ. أَسْقَطْتَهُمْ إِلَى الْبَوَارِ... اضْمَحَلُّوا، فَنُوا مِنَ الدَّوَاهِي" (مزمور 17:73-19).

زال الشك من قلب آساف، فرجع إلى الرب بتواضع معترفًا بغباوته وقال: "وَأَنَا بَلِيدٌ وَلاَ أَعْرِفُ. صِرْتُ كَبَهِيمٍ عِنْدَكَ. وَلكِنِّي دَائِمًا مَعَكَ. أَمْسَكْتَ بِيَدِي الْيُمْنَى. بِرَأْيِكَ تَهْدِينِي، وَبَعْدُ إِلَى مَجْدٍ تَأْخُذُنِي. مَنْ لِي فِي السَّمَاءِ؟ وَمَعَكَ لاَ أُرِيدُ شَيْئًا فِي الأَرْضِ" (مزمور 22:73-25).

أدرك أن مشكلة نجاح الأشرار لا يجب أن تمسّ إيمانه أو تقوده للشك في عدالة الله.

فيا خادم الإنجيل، لا تسمح للشك أن يعذبك عندما ترى نجاح وسلامة الأشرار، واذكر كلمات داود: "لاَ تَغَرْ مِنَ الأَشْرَارِ، وَلاَ تَحْسِدْ عُمَّالَ الإِثْمِ، فَإِنَّهُمْ مِثْلَ الْحَشِيشِ سَرِيعًا يُقْطَعُونَ، وَمِثْلَ الْعُشْبِ الأَخْضَرِ يَذْبُلُونَ. اتَّكِلْ عَلَى الرَّبِّ وَافْعَلِ الْخَيْرَ. اسْكُنِ الأَرْضَ وَارْعَ الأَمَانَةَ. وَتَلَذَّذْ بِالرَّبِّ فَيُعْطِيَكَ سُؤْلَ قَلْبِكَ" (مزمور 1:37-4).

3- قال خادم آخر: شككت بسبب حدوث آلام وكوارث للمؤمنين لا أفهم غرضها ووجود عوائص وآيات كتابية عسرة الفهم

رأى أحد خدام الإنجيل امرأة تقف قرب شاطئ البحر في ليلة عاصفة وهي تحتضن طفلها، ووقف يراقب المنظر حتى رأى المرأة وقد جرفتها أمواج البحر فماتت مع طفلها... وهزّ المنظر إيمانه إذ لم ينقذ الله هذه المرأة وطفلها... وملأ الشك عقله وقلبه في محبة الله وقدرته فاستقال من خدمته.

وقد نسي هذا الخادم المسكين أن الله القادر على كل شيء ترك ابنه معلّقًا على الصليب حتى الموت، ليس عن عجز وإنما لإكمال تدبير الفداء. فوراء كل مأساة غرض إلهي لن نفهمه في هذه الأرض.

وهناك خدام تصادفهم عوائص وآيات عسرة الفهم في الكتاب المقدس، فيملأ الشك قلوبهم ويتركون خدمتهم.

وهؤلاء الخدام نسوا تمامًا كلمات بطرس الرسول: "وَاحْسِبُوا أَنَاةَ رَبِّنَا خَلاَصًا، كَمَا كَتَبَ إِلَيْكُمْ أَخُونَا الْحَبِيبُ بُولُسُ أَيْضًا بِحَسَبِ الْحِكْمَةِ الْمُعْطَاةِ لَهُ، كَمَا فِي الرَّسَائِلِ كُلِّهَا أَيْضًا، مُتَكَلِّمًا فِيهَا عَنْ هذِهِ الأُمُورِ، الَّتِي فِيهَا أَشْيَاءُ عَسِرَةُ الْفَهْمِ، يُحَرِّفُهَا غَيْرُ الْعُلَمَاءِ وَغَيْرُ الثَّابِتِينَ، كَبَاقِي الْكُتُبِ أَيْضًا، لِهَلاَكِ أَنْفُسِهِمْ" (2بطرس 15:3-16). في الكتاب المقدس أشياء عسرة الفهم، وموقف الخادم الأمين إزاءها هو أن يلجأ إلى الرب ويطلب منه توضيحها، لأنه وعد قائلاً: "اُدْعُنِي فَأُجِيبَكَ وَأُخْبِرَكَ بِعَظَائِمَ وَعَوَائِصَ لَمْ تَعْرِفْهَا" (إرميا 3:33).

على رأس قائمة الذين ملأ الشك قلوبهم "توما الرسول" إذ رفض شهادة بقية الرسل عن قيامة المسيح... كانت قيامة الرب أعظم من أن تصدق وقد ملأ الشك قلب توما إزاءها ولكنه بقي مع رفقائه من الرسل. وقد ظهر الرب وعالج شك توما حتى هتف بعد تيقنه من قيامة المسيح قائلاً له: "ربي وإلهي" (يوحنا 28:20).

فإذا هاجمك الشك فلا تترك جماعة المؤمنين، بل انتظر معهم، وسيعالج الرب حالتك ويملأك إيمانًا.

اذكر يا خادم الإنجيل، أننا طالما كنا على الأرض فمعرفتنا محدودة سواء كانت بالنسبة لمآسي الحياة، أو لمحتويات الكتاب المقدس الكريم "فَإِنَّنَا نَنْظُرُ الآنَ فِي مِرْآةٍ، فِي لُغْزٍ، لكِنْ حِينَئِذٍ وَجْهًا لِوَجْهٍ. الآنَ أَعْرِفُ بَعْضَ الْمَعْرِفَةِ، لكِنْ حِينَئِذٍ سَأَعْرِفُ كَمَا عُرِفْتُ. أَمَّا الآنَ فَيَثْبُتُ: الإِيمَانُ وَالرَّجَاءُ وَالْمَحَبَّةُ، هذِهِ الثَّلاَثَةُ وَلكِنَّ أَعْظَمَهُنَّ الْمَحَبَّةُ" (1كورنثوس 12:13-13).

شريكك في الخدمة المقدسة

القس لبيب ميخائيل

 

المجموعة: 2012