نقرأ في سفر الجامعة الكلمات: "الذباب الميت ينتن ويخمّر طيب العطار" (جامعة 1:10).
الذباب حشرة طائرة، جعل منها أهل عقرون إلهًا أسموه "بعل زبوب"، أي "إله الذباب". وقد ضرب الرب المصريين في أيام موسى بإرسال الذباب إلى بيوتهم، "فدخلت ذبان كثيرة إلى بيت فرعون وبيوت عبيده. وفي كل أرض مصر خربت الأرض من الذبان" (خروج 24:8).

لكن كاتب سفر الجامعة يقول أن الذباب الميت ينتن ويخمّر طيب العطار. فأول ما يفعله الذباب الميت أنه ينتن طيب العطار. فبدلاً من رائحة الطيب الزكية تنبعث رائحة نتنة، وبدلاً من الطيب الخالص الكثير الثمن (مرقس 3:14) نجد الخمير، والخمير رمز الشر والخبث (1كورنثوس 8:5).
والآن إلى ماذا يشير الذباب الميت في حياة خادم الإنجيل، الذي هو "العطار"؟

1- الذباب الميت يشير إلى الجهل
استطرد كاتب الجامعة كلماته عن الذباب الميت فقال: "جهالة قليلة أثقل من الحكمة ومن الكرامة" (جامعة 1:10). وبعض خدام الإنجيل جهلة، يجهلون الكنوز المخبوءة في الكتاب المقدس... يجهلون التعاليم الأساسية للمسيحية الكتابية... وبسبب هذا الجهل يعجزون عن الوقوف أمام تيار الارتداد الذي ساد عصرنا.
يا خادم الإنجيل، أطع كلمات بولس الرسول: "اعكف على القراءة والوعظ والتعليم" (1تيموثاوس 13:4). اقرأ قصص حياة الخدام العظام الذين سبقوك! اقرأ قصة حياة تشارلز فني، ودوايت لايمان مودي، وهدسون تايلور، ويوحنا وسلي، وتشارلس وسلي، وتعلّم سر نجاحهم. اقرأ كتب التاريخ، وكتب مختلف العلوم، لتتعلم شيئًا عن كل شيء... ولا تعطِ مكانًا لذباب الجهل في عقلك.

2- الذباب الميت يشير إلى كلام الهزل
كم من خدام سقطوا في فخ "كلام الهزل"، وصارت زياراتهم للبيوت ليقص الواحد منهم آخر "النكت والفكاهات"، وهم يعتقدون أنهم بذلك يربحون عواطف رعيتهم، وقد نسوا كلمات الرسول بولس إلى القديسين في أفسس: "وأما الزنا وكل نجاسة أو طمع فلا يسمّ بينكم كما يليق بقديسين، ولا القباحة، ولا كلام السفاهة والهزل التي لا تليق، بالحري الشكر" (أفسس 3:5-4).
على هؤلاء الخدام أن يذكروا أن المسيح لم يقل "نكتة" أو فكاهة طيلة مدة خدمته، وعليهم أن يذكروا كلمات بولس الرسول: "امتلئوا بالروح، مكلمين بعضكم بعضًا بمزامير وتسابيح وأغاني روحية، مترنمين ومرتلين في قلوبكم للرب".
(أفسس 18:5-19)
3- الذباب الميت يشير إلى الكسل
خادم الرب لا يراقبه سوى ضميره، ورعاة الكنائس ولا سيما الكنائس العربية ليس عليهم رقيب! ومن هنا استمرأ بعض خدام الإنجيل حياة الكسل. وغطى الكسل عدة دوائر في خدمتهم:

الدائرة الأولى: دراسة كلمة الله
الكتاب المقدس يحوي بين صفحاته ذهبًا، وفضة، وحجارة كريمة... وإذا داوم خادم الإنجيل على قراءة الكتاب المقدس باجتهاد وتدقيق فسيكتشف هذه الجواهر الثمينة فيه، وحينئذ يردد مع إرميا النبي قائلاً: "وُجد كلامك فأكلته، فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي، لأني دُعيت باسمك يا رب إله الجنود" (إرميا 16:15). ويستطيع أن يطعم رعيته طعامًا ينميهم في النعمة وفي معرفة الرب يسوع المسيح (1بطرس 1:2-2).

الدائرة الثانية: الصلاة
إن النهضات الكبرى التي ذكرها التاريخ، حدثت نتيجة الصلاة الفردية، والصلوات الجماعية، وخادم الإنجيل عليه أن يكون قدوة في حياة الصلاة، وأن يقول مع داود الملك: "أما أنا فصلاة" (مزمور 4:109)، وأن يعلّم رعيته الصلاة وبركات الصلاة.

الدائرة الثالثة: الزيارات
وزيارات الرعية ينبغي أن تكون هادفة... يسأل فيها الراعي عن الشباب الموجود في البيت، ويتعرف على مشاكل الشبان والشابات في الأسرة، ويقدّم لهم الحلول من الكتاب المقدس.
وكما يسأل الراعي عن شباب وشابات الأسرة، عليه أن يسأل عن العلاقة بين الزوجين: هل يسودها السلام والانسجام، أم أن هناك توترًا مستورًا... وعليه أن يقدم مساعدته لعلاج التوتر قبل أن يتفاقم؛ فهناك توتر بسبب الأمور المالية، وهناك توتر بسبب الأمور العائلية أي علاقات العائلات بعضها مع بعض، وهناك توتر بسبب العلاقات الجنسية، وهناك توتر بسبب العلاقات الاجتماعية... وبغير شك أن هناك علاجًا لكل مشكلة من هذه المشاكل، وعلى خادم الإنجيل أن يكون حساسًا، وأن يقدم النصائح والحلول الكتابية لهذه المشاكل.

4- الذباب الميت يشير إلى التمثيل
الممثل المسرحي أو السينمائي، لا يمثل شخصيته الحقيقية، فهو قد يقوم بدور القائد الشجاع في التمثيلية وهو جبان في حياته الواقعية، وقد يقوم بدور الملك في فيلم سينمائي وهو في حياته العملية صعلوك!
التمثيل في كلمة واحدة يعني "الرياء"، أو الظهور بغير الحقيقة، وقد قال المسيح للفريسيين: "ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون، لأنكم تشبهون قبورًا مبيضة تظهر من خارج جميلة، وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة. هكذا أنتم أيضًا تظهرون للناس أبرارًا، ولكنكم من داخل مشحونون رياء وإثمًا" (متى 27:23-28). وقال لتلاميذه: "تحرّزوا لأنفسكم من خمير الفريسيين الذي هو الرياء" (لوقا 1:12).
وبعض الخدام تنطبق عليهم كلمات المسيح، فقد اختاروا لأنفسهم كلمات يرددونها في كل مناسبة مثل "نشكر الرب" ليغطوا بها رياءهم.
على خادم الإنجيل الأمين أن يذكر كلمات بولس الرسول: "لأننا رائحة المسيح الذكية لله، في الذين يخلصون وفي الذين يهلكون. لهؤلاء رائحة موت لموت، ولأولئك رائحة حياة لحياة. ومن هو كفؤ لهذه الأمور؟ لأننا لسنا كالكثيرين غاشين كلمة الله، لكن كما من إخلاص، بل كما من الله نتكلم أمام الله في المسيح" (2كورنثوس 15:2-17).
يا خادم الإنجيل، طهر حياتك من الذباب الميت.
طهرها من ذباب الجهل
طهرها من ذباب كلام الهزل
طهرها من ذباب الكسل
طهرها من ذباب التمثيل
وليبارك الرب خدمتك
أخوكم في خدمة الإنجيل
القس لبيب ميخائيل

المجموعة: 2013