رأيت بمناسبة الاحتفال بعيد القيامة وبقيامة المسيح بالجسد الممجد وآثار جروح الصليب في يديه ورجليه وجنبه أن أكتب إليكم عن حرق أجساد الموتى: حرق أجساد الموتى عادة وثنية ضد تعليم الكتاب المقدس. فالكتاب المقدس يعطي كرامة كبرى لأجساد المؤمنين بالمسيح فيقول لهم: “أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ للهِ” (1كورنثوس 19:6-20).

هناك عدة أسباب تؤكد أن الكتاب المقدس يحرّم حرق أجساد المؤمنين:

السبب الأول نراه في مثال ما فعله إبراهيم عندما ماتت سارة زوجته
يتحدث الأصحاح الثالث والعشرون من سفر التكوين كله عن موت سارة ودفنها. فإبراهيم لم يحرق جسد سارة بعد موتها بل اشترى مغارة المكفيلة من عفرون الحثي. “وَبَعْدَ ذلِكَ دَفَنَ إِبْرَاهِيمُ سَارَةَ امْرَأَتَهُ فِي مَغَارَةِ حَقْلِ الْمَكْفِيلَةِ” (تكوين 19:23).

السبب الثاني نراه في مثال وصية يعقوب لأولاده من جهة دفنه
بعد أن بارك يعقوب أسباط إسرائيل كل واحد بحسب بركته “أَوْصَاهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: أَنَا أَنْضَمُّ إِلَى قَوْمِي. اِدْفِنُونِي عِنْدَ آبَائِي فِي الْمَغَارَةِ الَّتِي فِي حَقْلِ عِفْرُونَ الْحِثِّيِّ. فِي الْمَغَارَةِ الَّتِي فِي حَقْلِ الْمَكْفِيلَةِ... هُنَاكَ دَفَنُوا إِبْرَاهِيمَ وَسَارَةَ امْرَأَتَهُ. هُنَاكَ دَفَنُوا إِسْحَاقَ وَرِفْقَةَ امْرَأَتَهُ، وَهُنَاكَ دَفَنْتُ لَيْئَةَ. شِرَاءُ الْحَقْلِ وَالْمَغَارَةِ الَّتِي فِيهِ كَانَ مِنْ بَنِي حِثَّ. وَلَمَّا فَرَغَ يَعْقُوبُ مِنْ تَوْصِيَةِ بَنِيهِ ضَمَّ رِجْلَيْهِ إِلَى السَّرِيرِ، وَأَسْلَمَ الرُّوحَ وَانْضَمَّ إِلَى قَوْمِهِ” (تكوين 29:49-33).

السبب الثالث هو استحلاف يوسف لبني إسرائيل أن يُصعدوا عظامه معهم
“وَقَالَ يُوسُفُ لإِخْوَتِهِ: أَنَا أَمُوتُ، وَلكِنَّ اللهَ سَيَفْتَقِدُكُمْ وَيُصْعِدُكُمْ مِنْ هذِهِ الأَرْضِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي حَلَفَ لإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ. وَاسْتَحْلَفَ يُوسُفُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: اللهُ سَيَفْتَقِدُكُمْ فَتُصْعِدُونَ عِظَامِي مِنْ هُنَا. ثُمَّ مَاتَ يُوسُفُ وَهُوَ ابْنُ مِئَةٍ وَعَشَرِ سِنِينَ، فَحَنَّطُوهُ وَوُضِعَ فِي تَابُوتٍ فِي مِصْرَ” (تكوين 24:50-26).
وبعد حوالي ثلثمئة سنة أخذ موسى عظام يوسف معه عندما خرج الإسرائيليون من أرض مصر، “وَأَخَذَ مُوسَى عِظَامَ يُوسُفَ مَعَهُ، لأَنَّهُ كَانَ قَدِ اسْتَحْلَفَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِحَلْفٍ قَائِلاً: إِنَّ اللهَ سَيَفْتَقِدُكُمْ فَتُصْعِدُونَ عِظَامِي مِنْ هُنَا مَعَكُمْ”
(خروج 19:13).
لقد اهتم يوسف اهتمامًا شديدًا بأن يأخذ بنو إسرائيل عظامه معهم وهم يتركون أرض مصر. وفي هذا كرامة الجسد البشري حتى بعد أن يصير عظامًا.

السبب الرابع أن حرق أجساد الموتى يساعد على الجريمة
هناك أناس كثيرون ماتوا بالسم أو بطرق أخرى خفية أدت إلى موتهم. ولما طلب ذووهم فحص جثثهم بعد سنوات من موتهم اكتشف الأطباء المختصين سبب الموت، وقُدّم المجرمون للعدالة التي اقتصت منهم، فإذا كانت أجساد هؤلاء قد أُحرقت لضاعت تمامًا معالم الجريمة.

السبب الخامس أن أجساد الأشرار هي التي كانت تحرق، أما أجساد المؤمنين بالمسيح المصلوب المقام فلا يجوز حرقها
لما ارتكب عخان بن كرمي خطيته وأخذ من الحرام، وكشف الرب ليشوع خيانته أحرقه يشوع مع كل بيته وممتلكاته. “فَقَالَ يَشُوعُ: كَيْفَ كَدَّرْتَنَا؟ يُكَدِّرُكَ الرَّبُّ فِي هذَا الْيَوْمِ!. فَرَجَمَهُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ بِالْحِجَارَةِ وَأَحْرَقُوهُمْ بِالنَّارِ”
(يشوع 24:7-25).
ونقرأ عن داثان وأبيرام اللذان حسدا موسى النبي: “فَتَحَتِ الأَرْضُ وَابْتَلَعَتْ دَاثَانَ، وَطَبَقَتْ عَلَى جَمَاعَةِ أَبِيرَامَ، وَاشْتَعَلَتْ نَارٌ فِي جَمَاعَتِهِمْ. اللَّهِيبُ أَحْرَقَ الأَشْرَارَ” (17:106-18).

السبب السادس، الكرامة التي أُعطيت لموسى بعد موته
أخذ الرب موسى من عربات موآب إلى جبل نبو إلى رأس الفسجة، “فَأَرَاهُ الرَّبُّ جَمِيعَ الأَرْضِ مِنْ جِلْعَادَ إِلَى دَانَ... وَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: هذِهِ هِيَ الأَرْضُ الَّتِي أَقْسَمْتُ لإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ قَائِلاً: لِنَسْلِكَ أُعْطِيهَا. قَدْ أَرَيْتُكَ إِيَّاهَا بِعَيْنَيْكَ، وَلكِنَّكَ إِلَى هُنَاكَ لاَ تَعْبُرُ. فَمَاتَ هُنَاكَ مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ فِي أَرْضِ مُوآبَ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ. وَدَفَنَهُ فِي الْجِوَاءِ فِي أَرْضِ مُوآبَ، مُقَابِلَ بَيْتِ فَغُورَ. وَلَمْ يَعْرِفْ إِنْسَانٌ قَبْرَهُ إِلَى هذَا الْيَوْمِ” (التثنية 1:34-6). لقد كانت جنازة موسى رائعة حضرها الملائكة وقام الرب نفسه بدفنه مما يؤكد لنا بما لا يدع مجالاً للشك كرامة الجسد البشري.
وقد غضب الرب على موآب بسبب أنهم أحرقوا عظام ملك أدوم: “هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: مِنْ أَجْلِ ذُنُوبِ مُوآبَ الثَّلاَثَةِ وَالأَرْبَعَةِ لاَ أَرْجعُ عَنْهُ، لأَنَّهُمْ أَحْرَقُوا عِظَامَ مَلِكِ أَدُومَ كِلْسًا. فَأُرْسِلُ نَارًا عَلَى مُوآبَ فَتَأْكُلُ قُصُورَ قَرْيُوتَ، وَيَمُوتُ مُوآبُ بِضَجِيجٍ، بِجَلَبَةٍ، بِصَوْتِ الْبُوقِ. وَأَقْطَعُ الْقَاضِيَ مِنْ وَسَطِهَا، وَأَقْتُلُ جَمِيعَ رُؤَسَائِهَا مَعَهُ، قَالَ الرَّبُّ” (عاموس 1:2-3).
إن حرق أجساد الموتى عمل بربري، والذين رأوا الفرن الذي فيه تُحرق أجساد الموتى، ارتعدوا من فظاعة ما رأوا.
إن أجساد المؤمنين قد اشتُريت بدم المسيح الكريم، ويجب أن يكون لها كرامتها بعد موتها، فتُدفن في وقار، وتبقى في قبورها إلى أن يأتي الرب ويقيمها في أجسادها الممجدة.
قال داود في المزمور عن قيمة الجسد البشري: “لأَنَّكَ أَنْتَ اقْتَنَيْتَ كُلْيَتَيَّ. نَسَجْتَنِي فِي بَطْنِ أُمِّي. أَحْمَدُكَ مِنْ أَجْلِ أَنِّي قَدِ امْتَزْتُ عَجَبًا. عَجِيبَةٌ هِيَ أَعْمَالُكَ، وَنَفْسِي تَعْرِفُ ذلِكَ يَقِينًا. لَمْ تَخْتَفِ عَنْكَ عِظَامِي حِينَمَا صُنِعْتُ فِي الْخَفَاءِ، وَرُقِمْتُ فِي أَعْمَاقِ الأَرْضِ. رَأَتْ عَيْنَاكَ أَعْضَائِي، وَفِي سِفْرِكَ كُلُّهَا كُتِبَتْ يَوْمَ تَصَوَّرَتْ، إِذْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهَا”. (مزمور 13:139-16)
فجسد المؤمن الذي رآه الرب ووضع تصميمه منذ الأزل لا يصح أن يُحرق بنار مشتعلة بعد موته.
ومن أجل كرامة الجسد البشري قال كاتب المزمور: “عزيز في عينَيّ الرب موت أتقيائه”
(مزمور 15:116). وإذا كان موت المؤمنين أمرًا عزيزًا في عيني الرب، فكيف نقبل حرق أجسادهم بعد موتهم؟

شريككم في الخدمة المقدسة

القس لبيب ميخائيل

المجموعة: 2013