قلة من المؤمنين من أعضاء الكنائس من يدركون ما يتعرّض له الرعاة من تجارب، وصراعات روحية في أثناء خدمتهم من على المنبر أو في علاقاتهم اليومية مع بعض الأعضاء داخل الكنيسة أو ما يعانون منه خارج أسوارها. وهذا ليس بالأمر الجديد؛ فإن المسيح نفسه قد مرّ بمثل هذه الظروف مع تلاميذه من ناحية، ومع المتآمرين عليه من الكهنة والفريسيين وأعوانهم من ناحية أخرى.

لم تكن صياغة التلاميذ الذين جاؤوا من خلفيات مختلفة صياغة جديدة بالأمر اليسير، فمنهم من ظنّ أن المسيح قد جاء ليخوض معارك سياسية أو حتى عسكرية مع الدولة الرومانية ليحرّر الأمة من نير استعمارهم؛ ومنهم من طمع بمراكز خاصة في ملكوت المسيح، وغيرهم تسرّب إليهم الكبرياء من جراء ما أجروه من معجزات في إرسالية السبعين من تلاميذه، فكان على المسيح في تعليمه وتدريبه، وحياته أن يكشف عن الهدف من مجيئه إلى هذا العالم وهو تحرير النفوس من الخطيئة وأن ملكوته ليس من هذا العالم، بل كان عليه نفسه أن يحمل الصليب إلى الجلجثة ليكفّر عن خطايا العالم. الثمن باهظ والتضحية لا مثيل لها، لكنه أراد لهم أن يدركوا أنه سيكون لهم ضيق في هذا العالم.
ومن ناحية أخرى، فقد كان للمسيح مع الكهنة والفريسيين مواقف خطرة، فقد بذلوا قصارى جهدهم للتآمر عليه، وحاولوا بصورة مستمرة أن يجربوه ليوقعوه في حبائلهم، فكان عليه دائمًا أن يحبط خططهم، ويكشف مؤامراتهم، ويتحمّل منهم كل صنوف اللؤم والخبث، بل كان دائمًا يخوض معهم في معارك روحية رهيبة ويتفادى ما ينصبون له من أشراك.
إن مثل هذه المعارك الروحية هي جزء لا يتجزّأُ من حياة الراعي، وهي معارك يكمن وراءها إله هذا الدهر الذي يحاول أن يدمّر البناء الروحي للكنيسة التي هي جسد المسيح. ولا ريب أن الشيطان قد نجح في تحقيق بعض أهدافه فانهارت بعض الكنائس التي لم تكن مبنية على الصخر بل على الرمال، وسرعان ما زالت من الوجود.
ولكننا إذا أمعنّا النظر في تاريخ الكنيسة نرى جبابرة الإيمان يتصدّون لمقاومة إبليس وأجناده الروحية والبشرية ويغلبون لأنهم كانوا يعلمون أن الذي معهم هو أقوى من الذي عليهم. فالخروف "يغلبهم، لأنه رب الأرباب وملك الملوك، والذين معه مدعوّون ومختارون ومؤمنون." (رؤيا 14:17) والله هو الذي عنده الغلبة بربنا يسوع المسيح (1كورنثوس 4:15).
لهذا أودّ أن أخاطب إخوتي رعاة الكنائس وجميع العاملين في حقل الخدمة فأقول:
أولاً، عليهم أن يتوقّعوا التعرّض للضيقات، والاضطهادات، والصعوبات. وفي الواقع إن الشيطان يحاول أن يطبّق القول الكتابي المأثور: "اضرب الراعي فيتبدّد القطيع." هذه هي استراتيجية الشيطان، ولكن علينا جميعًا أن نكون على يقين أن راعي الرعاة العظيم هو الذي يحافظ على رعاته، وهو الذي يخطّط لحياتهم، ويقف إلى جانبهم إذا ثبتوا وقاوموا. والنتيجة النهائية تكون دائمًا هي الغلبة الظافرة "لأن كل من وُلد من الله يغلب العالم. وهذه هي الغلبة التي تغلب العالم: إيماننا." (1يوحنا 4:5)
ثانيًا، إن التجارب والضيقات والاضطهادات هي شهادة حيّة على النصرة. فالشيطان لا يهاجم الكنيسة أو الراعي الذي استكان إلى الخمول وترك شؤون الحياة الروحية من صلاة، ووعظ كتابي، وحياة القداسة، وسيادة المحبة والتبشير. إن مثل هذه الكنيسة النائمة هي ما يرغب فيه إبليس، وتسرّ لها نفسه. لهذا نراه يؤلب كل قواه، ويجنّد أتباعه لمهاجمة المعاقل الروحية التي تقف في وجهه جبهة متراصة ويسعى إلى هدمها وتدميرها. ونحن كرعاة ومؤمنين نعلم أنه لا بالقدرة ولا بالقوة نستطيع أن نتغلّب على هذا العدوّ المتمرّس بجميع أفانين الحرب والهجوم، ولكن كما يقول الكتاب المقدس، تكون لنا الغلبة بروح رب الجنود. إذًا نحن لسنا وحدنا في مصطرع القتال بل هناك روح الله العامل فينا هو الذي يجابه أجناد الشر الروحية وينتصر عليها، ومن ثمَّ جميعنا، راعيًا ورعيةً، نسير في موكب نصرة المسيح.
غير أنَّ ثبات مواقفنا الروحية كرعاة في أثناء الظروف الصعبة هي شهادة على إيماننا، ومحبَّتنا للمسيح، وغلبتنا، وعندئذ ينكص إبليس على أعقابه خاسرًا.
ثالثًا، إن الله دائمًا يكافئ ولاء المؤمنين به ولا سيما أولئك الذين في المراكز القيادية. ودور الرعاة في الكنيسة هو دور مركزي على الصعيدين الروحي والأدبي. وهنا، في إبان الاضطهادات والمصاعب والعراقيل التي يثيرها الشيطان في حياة الكنيسة تتجلّى مواقف الراعي وثبات إيمانه. والواقع، عندما تكون الكنيسة معرّضة لمثل هذه الهزات الخارجية وتصمد أمام الأعاصير ويقف الراعي في الطليعة عندئذ تستطيع الكنيسة بنعمة المسيح وقوته أن تثبت وجودها ووفاءها، وصلابتها، لأن الله يُخرج الحق إلى النصرة (متى 2:12)؛ ويعلم الرب أيضًا "أن ينقذ الأتقياء من التجربة." (2بطرس 9:2) لا يمكن للرب أن ينسى أتقياءه الذين يقفون في الثغرة في وجه عدوّ النفوس؛ وأكثر من ذلك، فقد أكّد المسيح لجميع أحبائه المؤمنين قائلاً "ولكن ثقوا: أنا قد غلبت العالم." فالكنيسة تغلب دائمًا بغلبته، والسبب الرئيس في كل ذلك هو كما يقول يوحنا الرسول في رسالته الأولى 4:4 " أنتم من الله أيها الأولاد وقد غلبتموهم، لأن الذي فيكم أعظم من الذي في العالم."
وصفوة القول، إن خادم الكلمة والراعي المترسّخ على صخرة الدهور، هو القدوة، وهو من يحمل مسؤولية قيادة الكنيسة وفقًا لإرادة الله، وحسب تعاليمه، ويواجه مشكلات الحياة الشخصية والعامة ليس بقواه الذاتية إنما بالنعمة التي يستمدّها من ملك الملوك الذي تعهّد أن يرعى كنيسته، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها.
أخوكم في خدمة الرب
صموئيل عبد الشهيد

المجموعة: 2017