آب Agust 2012

الدكتور أنيس بهناموبذلك يؤكد الكاتب لليهودي الذي يؤمن بالمسيح أنه لن يخسر شيئًا، بل سيربح الكثير جدًا. ثم يذكر الفرق بين الكهنة قديمًا الذين كانت خدمتهم مؤقتة، وذلك "من أجل منعهم بالموت عن البقاء" (عدد 23) وبين المسيح الذي "من أجل أنه يبقى إلى الأبد له كهنوت لا يزول" (عدد 24). "فَمِنْ ثَمَّ (أي نتيجة لذلك) يَقْدِرُ (يسوع المسيح) أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضًا إِلَى التَّمَامِ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى اللهِ، إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ" (عدد 25). ولكي نفهم القصد الأساسي من هذه الآية يجب أن نعرف معنى الخلاص في مراحله الثلاثة:

 

أولاً، الخلاص من عقاب خطايانا، على أساس الإيمان بالمسيح "الذي أُسلم (للموت) لأجل خطايانا وأُقيم لأجل تبريرنا" (رومية 25:4). موت المسيح هو أساس هذا الخلاص.

ثانيًا، الخلاص من فخاخ العدو، وكل ما يحاول أن يعرقل سيرنا مع الرب. هذا هو الخلاص المقصود هنا (عبرانيين 25:7). وهو مبني على عمل المسيح حاليًا كشفيعنا ورئيس كهنتنا.

ثالثًا، الخلاص المستقبلي حين سنكون مع الرب روحًا ونفسًا وجسدًا، وهذا سندرسه هذه المرة في عبرانيين 24:9-28.

أما قوله "لأَنَّهُ كَانَ يَلِيقُ بِنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ مِثْلُ هذَا"، فهو يعني "هذا هو رئيس الكهنة الذي كنا محتاجين إليه" [كما جاء في الترجمة التفسيرية] لأنه لم يكن محتاجًا أن يكرر العمل "لأَنَّهُ فَعَلَ هذَا مَرَّةً وَاحِدَةً، إِذْ قَدَّمَ نَفْسَهُ" (عدد 27).

الحلقة الثالثة

أرجو أن تقرأ أصحاحات 8-10 مع هذه الدراسة.

وصلنا في الحلقة الثانية إلى حقيقة أساسية، وهي سمو كهنوت المسيح وتفوقه على الكهنوت اللاوي (أي كهنوت هارون وأولاده). فكهنوت المسيح هو على رتبة ملكي صادق "أَقْسَمَ الرَّبُّ وَلَنْ يَنْدَمَ: أَنْتَ (أي المسيح) كَاهِنٌ إِلَى الأَبَدِ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ" (مزمور 4:110). ورأينا أن كهنوت ملكي صادق كان رمزًا لكهنوت المسيح للأسباب الآتية:

1) أنه كاهن وملك.

2) أنه كهنوت أبدي.

3) الكهنة اللاويون كان عليهم أن يقدموا ذبائح عن خطاياهم بالإضافة إلى الذبائح التي يقدمونها عن خطايا الشعب. وهذه الذبائح تتكرر كل عام. أما المسيح فهو القدوس البار الذي قدم نفسه مرة واحدة؛ والمؤمن لا يحتاج إلى أي ذبيحة أخرى.

 

وأختتم الفصل السابع بالقول: "فَإِنَّ النَّامُوسَ يُقِيمُ أُنَاسًا بِهِمْ ضَعْفٌ رُؤَسَاءَ كَهَنَةٍ. وَأَمَّا كَلِمَةُ الْقَسَمِ الَّتِي بَعْدَ النَّامُوسِ فَتُقِيمُ ابْنًا مُكَمَّلاً إِلَى الأَبَدِ".

أصحاح 8

يفتتح هذا الفصل بالقول: "وَأَمَّا رَأْسُ الْكَلاَمِ [أي الموضوع الأساسي] فَهُوَ: أَنَّ لَنَا رَئِيسَ كَهَنَةٍ مِثْلَ هذَا، قَدْ جَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ الْعَظَمَةِ فِي السَّمَاوَاتِ". تأمل في هذا أيها القارئ العزيز: المسيح نفسه جالس في يمين عرش العظمة في السماوات. هو لنا رئيس الكهنة الحقيقي، الذي سمعناه في أصحاح 14:4-16 يدعونا إلى التقدم بثقة إلى عرشه، عرش النعمة.

 

2:8-6

"خَادِمًا لِلأَقْدَاسِ وَالْمَسْكَنِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي نَصَبَهُ الرَّبُّ لاَ إِنْسَانٌ" (ع 2). أي أنه في سماء السماوات، لا في خيمة أو هيكل مصنوع بيد بشرية. كان الذين يخدمون فيهم يخدمون شبه السماويات وظلها. وما أعظم الفرق بين قصر عظيم وظله. فالمسيح له خدمة وعمل أفضل بما لا يقاس مما كان يقوم به الكهنة الأرضيون من خدمات سواء في خيمة الاجتماع أو في الهيكل. لاحظ هذه الكلمات الثلاثة في عدد 6 "خدمة أفضل"، "عهد أعظم"، مواعيد أفضل". فسفر العبرانيين هو سفر الأشياء الأفضل والأعظم.

 

7:8-13

"فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ ذلِكَ الأَوَّلُ بِلاَ عَيْبٍ لَمَا طُلِبَ مَوْضِعٌ لِثَانٍ" (عدد 7). "ذلك الأول" يشير إلى الناموس والطقوس التي فيه. والعيب هو أنه يأمر الإنسان ولكنه لا يمنحه القدرة على التنفيذ. هو مثل المرآة التي تظهر العيوب ولكن لا تزيلها، أو جهاز الأشعة الذي يشخص المرض ولكن لا يشفيه. كما يقول في رومية 20:3 "لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ كُلُّ ذِي جَسَدٍ لاَ يَتَبَرَّرُ أَمَامَهُ. لأَنَّ بِالنَّامُوسِ مَعْرِفَةَ الْخَطِيَّةِ". وفي غلاطية 10:3 "لأَنَّ جَمِيعَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَعْمَالِ النَّامُوسِ هُمْ تَحْتَ لَعْنَةٍ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ لاَ يَثْبُتُ فِي جَمِيعِ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ النَّامُوسِ لِيَعْمَلَ بِهِ". فالناموس يتطلب طاعة كاملة لكل الوصايا في كل وقت. فمهما عمل الإنسان أعمالاً صالحة، ولكن أخطأ ولو مرة واحدة في وصية واحدة، فهو يجلب على نفسه اللعنة. فالتبرير كان دائمًا أساس النعمة وبالإيمان، لذلك يستمر الروح القدس في كلامه، مُذكّرًا إيانا بما جاء في إرميا 31:31-34 (الذي يجب أن يُقرأ بعناية). فيقتبسه ويعلق عليه في عبرانيين 8:8-12. وهنا أُبدي ملاحظتين:

 

أولاً: بالنسبة للكنيسة (أي مؤمني العهد الجديد) فهي تتمتع الآن ببركات العهد الجديد على أساس موت المسيح الذي في ليلة الآلام أخذ الكأس وقال: "هذا هو دمي الذي للعهد الجديد، الذي يُسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا" (متى 28:26).

ثانيًا: لا بد أن يتمم الله وعده لأمة بني إسرائيل، للذين سيدركون خطيئتهم، بل جريمتهم، ويعرفون أن يسوع هو المسيا، وهو الذي قالوا عنه في جهلهم: "اصلبه اصلبه"، "لأن هبات الله ودعوته هي بلا ندامة" (رومية 29:11). وبهذا الخصوص أنصح بقراءة إرميا 35:31-37 ورومية 11 (خصوصًا الأعداد 25-36)، لا بد أن يتم حرفيًا كل ما وعد الله به.

 

أصحاح 1:9-14

في هذا الأصحاح يعقد الكاتب مقارنة بين الكهنوت في العهد القديم وكهنوت العهد الجديد. فيقول:

أولاً: إن الخيمة والهيكل هما شيئان أرضيان، وهذا معنى قوله عن قدس الأقداس "القدس العالمي". وحتى في هذا القدس لم يكن مسموحًا لأحد أن يدخله إلا رئيس الكهنة مرة واحدة في السنة بدم ذبيحة حيوانية. "وأما المسيح، وهو قد جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة، فبالمسكن الأعظم والأكمل (قارن 6:8): غير المصنوع بيد، أي الذي ليس من هذه الخليقة، وليس بدم تيوس وعجول، بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس فوجد فداء أبديًا (عدد 11 و12). ثم يقول: "لأنه إن كان دم ثيران وتيوس، ورماد عجلة [إشارة إلى شريعة البقرة الحمراء في سفر العدد أصحاح 19] مرشوش على المنجسين يقدس إلى طهارة الجسد، فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح أزلي قدّم نفسه لله بلا عيب يطهر ضمائركم من أعمال ميتة لتخدموا الله الحي" (عدد 13 و14). وقد تشير "الأعمال الميتة" إلى طقوس وفرائض تُعمل بدون أن يفهم المقصود منها، كما قد تشير إلى الخطايا.

 

أصحاح 15:9-22

في هذه الفقرة يشير إلى ضرورة موت الموصي لتنفيذ الوصية [للوراثة]، فبدون موت الموصي لا تأثير للوصية. وكذلك كان الدم (علامة الموت) لازمًا للتطهير "وكل شيء تقريبًا يتطهر حسب الناموس بالدم وبدون سفك دم لا تحصل مغفرة" (عدد 22). يقول "تقريبًا" لأنه في حالة الفقير جدًا الذي ليس في قدرته أن يقدم ذبيحة كان يُسمح له أن يقدم كمية من الدقيق.

 

23:9-28

في هذه الآيات ترد كلمة "يظهر" ثلاث مرات: في صيغة الماضي والحاضر والمستقبل.

1- في الماضي: "قد أُظهر مرة عند انقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه" (عدد 26). وهنا نجد الفرق الكبير بينه وبين رؤساء الكهنة في العهد القديم الذين كان لا بُدّ لهم أن يقدموا ذبائح سنة بعد سنة.

2- في الحاضر: "ليظهر الآن أمام وجه الله لأجلنا" (عدد 24). حقًا ما أسعدنا بذلك! كما قال في 25:7 "فَمِنْ ثَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يُخَلِّصَ أَيْضًا إِلَى التَّمَامِ الَّذِينَ يَتَقَدَّمُونَ بِهِ إِلَى اللهِ، إِذْ هُوَ حَيٌّ فِي كُلِّ حِينٍ لِيَشْفَعَ فِيهِمْ". وأيضًا في رومية 34:8 "اَلْمَسِيحُ هُوَ الَّذِي مَاتَ، بَلْ بِالْحَرِيِّ قَامَ أَيْضًا، الَّذِي هُوَ أَيْضًا عَنْ يَمِينِ اللهِ، الَّذِي أَيْضًا يَشْفَعُ فِينَا". هذه حقيقة تملأ قلوبنا بالفرح والسلام وتقودنا للشكر المستمر.

3- في المستقبل: "هكَذَا الْمَسِيحُ أَيْضًا، بَعْدَمَا قُدِّمَ مَرَّةً لِكَيْ يَحْمِلَ خَطَايَا كَثِيرِينَ، سَيَظْهَرُ ثَانِيَةً بِلاَ خَطِيَّةٍ [أي لا لعلاج الخطية – كما جاء في الترجمة التفسيرية - بل] لِلْخَلاَصِ [أي الخلاص النهائي للروح والنفس والجسد "لِلَّذِينَ يَنْتَظِرُونَهُ" (28:9). والذين ينتظرونه هم المؤمنون الحقيقيون، لأنه ليس هناك مؤمن حقيقي لا يريد بل يشتاق إلى الوقت الذي فيه سنكون كل حين مع الرب.

 

 

أصحاح 10

هذا الأصحاح يصل بنا إلى النتيجة المهمة للبحث السابق. وهي أننا "مقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة" (عدد 10). وأنه لا حاجة بعد إلى قربان [أي التقدم إلى الله عن طريق الذبائح والتقدمات]، إذ يقول: "وإنما حيث تكون مغفرة لهذه، لا يكون بعد قربان عن الخطية" (عدد 18). أما باقي الأصحاح من عدد 19-39 فهو تحريضات وإنذارات.

 

1:10-10

مرة أخرى يُذكّرنا أن النظام السابق كان ظلاً، أو رمزًا، لما نتعلمه في العهد الجديد.. ولذلك لم يكن قادرًا على إتمام الهدف الإلهي؛ فظل شجرة تفاح مثلاً لا يمنحك التفاح. وهكذا ظل الخيرات التي كانت مستقبلة لا يمنح تلك الخيرات بل كان بمثابة درس يتكرر من سنة إلى سنة. وهو يشير بصفة خاصة إلى ذبيحة يوم الكفارة السنوي [اليوم العاشر من الشهر السابع... انظر لاويين 26:23-32 وأيضًا لاويين 16]. في ذلك اليوم كان رئيس الكهنة يدخل قدس الأقداس [مرة واحدة في السنة] ويدخل بدم ذبيحة. وتكرار هذه العملية من سنة إلى سنة يدل على عدم قدرتها على إنجاز الهدف نهائيًا. وذلك "لأنه لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا" (4:10). وهذا يقوده إلى الإشارة إلى مزمور 6:40-8، وهو نبوءة عن المسيح الذي كان في المقاصد الإلهية الأزلية؛ سوف يأتي ليتمم العمل إذ قال: "أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت" (مزمور 8:40). "فبهذه المشيئة نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة" (عبرانيين 10:10). مجدًا للرب!

 

11:10-18

مرة أخرى، يؤكد أن تلك الذبائح المتكررة "لا تستطيع البتة أن تنزع الخطية". أما الدليل على كفاية ذبيحة المسيح هو أنه "جلس إلى الأبد عن يمين الله". وسوف يأتي الوقت حين "توضع أعداؤه موطئًا لقدميه". وكل ما وعد به الله لا بد أن يتم، مشيرًا بصفة خاصة إلى وعده في (إرميا 31:31-37). وهذا لا يتوقف على الناموس بل العهد الذي قطعه هو، وفيه يقول: "ولن أذكر خطاياهم وتعدياتهم فيما بعد". فما دامت هناك هذه المغفرة الكاملة "لا يكون بعد قربان عن الخطية" (عدد 18).

 

19:10-39

قد انتهى الجزء التعليمي بخصوص جلال وسمو شخص المسيح وعمله. أما باقي هذا الأصحاح فيحتوي على تحريضات ونصائح مهمة، كما يحتوي على إنذارات خطيرة.

 

19:10- 25

يحرضنا على الاقتراب إلى محضر الله بثقة، على أساس موت المسيح لأجلنا، وعمله الآن كرئيس الكهنة. وكذلك ينصحنا أن لا نهمل حضور اجتماعات الكنيسة، الأمر الذي أصبح للأسف عادة عند البعض.

 

26:10-31

يحتوي على الإنذار الرابع، وهو إنذار خطير للعبراني الذي أصبح مسيحيًا إسميًا فقط، ثم قرر أن يرجع إلى اليهودية، وبذلك هو يزدري بالمسيح وبموته لأجلنا. هؤلاء هم الذين قال عنهم في 6:6 أنهم يصلبون لأنفسهم ابن الله ثانية ويشهّرونه [أي أنهم يصبحون مثل الذين قالوا "اصلبه، اصلبه"]. إنه أمر مخيف حقًا "فإنه إن أخطأنا باختيارنا بعد ما أخذنا معرفة الحق [أي مجرد معرفة ذهنية] لا تبقى بعد ذبيحة عن الخطايا". فهو لا يتكلم عن مؤمن "أُخذ في زلة ما"، بل عن شخص بعد أن عرف الحق قرر أن يرجع إلى الطقوس القديمة، معتبرًا موت المسيح لا أهمية له، أو كما يقول هنا: "حسب دم العهد دنسًا وازدرى بروح النعمة". أما عبارة "الذي قُدِّس به" فيجب أن تُفهم في ضوء ما جاء في 1كورنثوس 14:7، أي انتمى إلى فئة أخرى لها مسؤوليات خاصة. لمثل هؤلاء يقول منذرًا "مخيف هو الوقوع في يدي الله الحي" (عدد 3).

 

32:10-39

تشجيعات أخرى للمؤمنين العبرانيين الذي احتملوا الاضطهاد في سبيل إيمانهم بالمسيح. وبه ينتقل إلى موضوع الإيمان الذي سيتحدث عنه في أصحاح 11. ولنلاحظ أن عبارة "أما البار فبالإيمان يحيا" هي اقتباس من حبقوق 4:2، تُقتبس في العهد الجديد في رومية 17:1 وغلاطية 11:3، كما في عبرانيين 38:10.

سوف ننهي درستنا هذه في المرة القادمة ، إن شاء الرب وعشنا.

المجموعة: آب August 2012