الدكتور أنيس بهناميفتتح العهد الجديد من الكتاب المقدس – كلام الله الموحى به، الذي لم ولن يصيبه تحريف أو تبديل – بالأناجيل الأربعة (وكلمة إنجيل معناها الأخبار المفرحة). ويتساءل الكثيرون: "لماذا أربعة أناجيل، وأيهم الموثوق فيه؟" والجواب بكل تأكيد هو أن الأناجيل الأربعة أُعطيت بوحيٍ إلهي، وكلها موثوق فيها تمامًا لأنها كلام الإله الحقيقي وحده. وهو أعطانا في الأناجيل الأربعة كل ما يلزمنا أن نعرفه عن شخص ربنا ومخلصنا يسوع المسيح. وكل إنجيل يتناول هذا الموضوع الجوهري من وجهة معينة – كما سنرى الآن:


إنجيل متى
كتبه البشير متى، أحد التلاميذ الاثني عشر. ويُذكر اسمه لأول مرة في متى 9:9 "وفيما يسوع مجتاز من هناك رأى إنسانًا جالسًا عند مكان الجباية اسمه متى. فقال له: اتبعني. فقام وتبعه." ويُذكر اسمه في متى 3:10 مع التلاميذ الآخرين، ويسمى "متى العشار"، أي جابي الجزية. وكان جباة الجزية يُعتبرون من أشرّ الناس. ويذكر البشير لوقا أنه "صنع ضيافة كبيرة في بيته، والذين كانوا متكئين معه كانوا جمعًا كثيرًا من عشارين وآخرين." (لوقا 29:5) فتذمّر الكتبة والفريسيون على تلاميذه قائلين: "لماذا تأكلون وتشربون مع عشارين وخطاة؟" فكان جواب الرب جميلاً ومؤثرًا، ولا يزال مصدر فرح للمؤمنين في كل مكان إذ قال: "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى. لم آتِ لأدعو أبرارًا، بل خطاة إلى التوبة." (متى 31:5-32) ويرجح المؤرخون أن متى هو الذي حمل بشارة الخلاص إلى بلاد الحبشة.
موضوع إنجيل متى، كباقي الأناجيل، هو الرب يسوع المسيح. ولكن يتميّز كل إنجيل بوجهة معينة. فإنجيل متى يقدم المسيح لنا كالملك الذي وعد به الله بني إسرائيل، ولذلك نجد سلسلة نسب المسيح تبدأ بالقول أنه "ابن داود"، لأن الله وعد داود بذلك. كما أنه من نسل إبراهيم الذي وعده الله أن "في نسله. لا يقول: [وفي الأنسال] كأنه عن كثيرين، بل كأنه عن واحد. [وفي نسلك] الذي هو المسيح." (غلاطية 16:3) "تتبارك جميع قبائل الأرض." لذلك نجد في هذا الإنجيل اقتباسات كثيرة من العهد القديم، ليقنع اليهود الذين رفضوه بأن يسوع هو المسيح، لذلك تتكرر في هذا الإنجيل عبارة "كما هو مكتوب" ومرادفاتها. (انظر متى 5:2؛ 4:4، 6-7 و10؛ 10:11؛ 13:21)
ولكن هذا الإنجيل يرينا كيف رفضت الأمة ملكها، إذ قالوا: "ليس لنا ملكٌ إلا قيصر." ولعل أخطر عبارة نطقوا بها هي قولهم: "دمه علينا وعلى أولادنا." إلا أن هذا الإنجيل يخبرنا أيضًا بأن هذا الذي رفضوه سوف يأتي ثانية لا كحمل الله الذي يرفع خطية العالم، لأنه تمم ذلك في مجيئه الأول، بل سيأتي كملك الملوك ورب الأرباب. وبذلك يتم ما قاله لهم الرب في متى 39:23 "لأني أقول لكم: إنكم لا ترونني من الآن حتى تقولوا: مبارك الآتي باسم الرب."

إنجيل مرقس
كتبه مرقس ابن أخت برنابا (كولوسي 10:4)، وهو الذي رافق بولس وبرنابا في رحلتهم التبشيرية الأولى، ولكنه تركهم ولم يواصل السفر معهما. لذلك لم يرد بولس أن يرافقهما مرقس في الرحلة الثانية. فذهب مرقس مع برنابا إلى قبرص. ويعتقد الكثيرون أن مرقس هو الشاب المذكور في مرقس 51:14-52. ولكننا نرى بعد ذلك أنه صار نافعًا للخدمة (2تيموثاوس 11:4). وإنني أشكر الرب من أجل مرقس، فهو الذي ذهب إلى الإسكندرية في مصر وبشر بالمسيح، وتعذب كثيرًا، ومات شهيدًا في مصر. ولكن الإيمان بالمسيح انتشر ابتداءً من القرن الأول، وأصبحت مصر دولة مسيحية في القرن الثالث.
رأينا أن إنجيل متى يقدم المسيح كالملك الموعود. أما إنجيل مرقس فيقدمه كالخادم الأمين "عبد يهوه" الذي قال عنه الرب: "هوذا عبدي الذي أعضده مختاري الذي سرّت به نفسي." (اقرأ إشعياء 1:42-3) ولأن هذا الإنجيل يقدمه كالخادم لم تكن هناك حاجة إلى ذكر سلسلة نسبه. من الملاحظ أن عبارة "للوقت" التي تتكرر كثيرًا في هذا الإنجيل تدلّ على نشاط الخدمة المستمرة كما قال عنه بطرس: "جال يصنع خيرًا ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس، لأن الله كان معه."

إنجيل لوقا
كتبه البشير لوقا الذي دعاه الرسول بولس "لوقا الطبيب الحبيب" (كولوسي 14:4)، وقد رافق الرسول بولس في بعض رحلاته (انظر أعمال 11:16 و13 و16 حيث يتكلم عن نفسه كمن كان مع الرسول). ولربما كان يرافق بولس للعناية باحتياجاته الصحية، كما أن هذا هيّأه لكتابة سفر أعمال الرسل بوحي إلهي. وهو الكاتب الوحيد في العهد الجديد الذي لا نعرف بالتأكيد هل هو إسرائيلي أم أممي. لقد دوّن لنا متى الكثير من تعاليم المسيح... تعاليم الملك لرعاياه. ودوّن لنا مرقس عن أعمال المسيح وخدماته المستمرة. أما لوقا فيشير إلى ما جاء في إنجيله عن "جميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويعلّم به." (أعمال 1:1) فهو يشمل الكثير من أقوال الرب وأعماله. ومن أشهر تعاليمه الجميلة هو مثل الابن الضال (لوقا 15) الذي كان واسطة خلاص كثيرين. وهو الوحيد الذي يخبرنا عن اللص التائب الذي قال له المسيح: "الحق أقول لك: إنك اليوم تكون معي في الفردوس."
رأينا فيما سبق أن إنجيل متى يقدّم المسيح كالملك المعيّن من الله، وإنجيل مرقس كالخادم النشيط الأمين، أما إنجيل لوقا فيقدّمه كالإنسان الكامل الذي قال عنه الروح القدس: "ويكون إنسان كمخبأ من الريح، وستارة من السيل، كسواقي ماء في مكان يابس، كظل صخرة عظيمة في أرض معيية." (إشعياء 1:32-2) ولأنه يقدمه كالإنسان الذي جاء من أجل الجنس البشري كله نجد سلسلة نسبه تمتدّ إلى آدم أبو الجنس البشري. وكان المسيح يستخدم لقب ابن الإنسان عن نفسه كثيرًا. وقال: "ابن الإنسان لم يأتِ ليُخدَم بل ليَخدِم، وليبذِل نفسه فدية عن كثيرين." وهذه العبارة كانت سبب خلاص شاب من دولة تقاوم الإيمان المسيحي، كما أنها كانت بلا شك سبب خلاص كثيرين. كتبت لي فتاة في الخامسة عشر من العمر من عائلة تقاوم الإيمان بالمسيح، أنها لما قرأت إنجيل لوقا تأثرت كثيرًا واهتزّ كيانها وطلبت أن تعرف الأكثر عن هذا المخلص المجيد.

إنجيل يوحنا
كتبه البشير يوحنا ابن زبدي وأخو يعقوب الذي قتله هيرودس بالسيف. وكان يشير إلى نفسه بأنه "التلميذ الذي كان يسوع يحبه." وهذا لا يعني أنه كان يظن أن يسوع أحبه أكثر من باقي التلاميذ، بل يعني أن هذا هو أثمن شيء بالنسبة له. وموضوع إنجيل يوحنا هو لاهوت المسيح. ولذلك لا ذكر لسلسلة نسب، لأنه هو قبل كل شيء والكل به صار. ومن الملاحظ أن يوحنا يذكر فقط سبعة معجزات للمسيح، ولكن إنجيله مليء بما يدلّ قطعًا على أنه الله ظهر في الجسد، مثل ما جاء في يوحنا 1:1-3 "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله... كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان." وأيضًا قوله: "أنا والآب واحد." (30:10) وفي 58:8 "قال لهم يسوع: [الحق الحق أقول لكم: قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن.]" ومما يتميّز به هذا الإنجيل هو أنه ابتدأ من أصحاح 13 حين غسل المسيح أقدام التلاميذ، إلى القبض عليه في بستان جثسيماني في أصحاح 18... كان كل حديثه مع تلاميذه فقط ليجهزهم لفراقه. فأعطاهم درسًا مهمًّا في غسل الأقدام (أصحاح 13) وشجعهم كثيرًا في أصحاح 14 قائلاً: "لا تضطرب قلوبكم..." وفي أصحاح 15 علمهم أن يثبتوا فيه لأن هذا سر الحياة المثمرة، وفي أصحاح 16 أطلعهم وأعدّهم على ما سيصيبهم من اضطهاد، وفي أصحاح 17 صلاته الشفاعية لأجلهم.
كلمة ختامية: رأينا أن موضوع إنجيل يوحنا هو لاهوت المسيح، لكن الأناجيل الأخرى تشهد أيضًا لهذه الحقيقة إذ نسمع في أناجيل متى ومرقس ولوقا، عند المعمودية وعلى جبل التجلي، صوت الآب يقول: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت." ويُفتتح إنجيل مرقس الذي يقدمه كالخادم بالقول: "بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله."
"فتح كلامك ينير يعقّل الجهّال."

المجموعة: تموز (يوليو) 2018