القس بسام بنورةكيف يمكن لأيّ انسان أن يعيش حياة الإيمان في لحظات الحياة الصعبة أو المظلمة؟ كيف يمكن للإنسان أن يتمسّك بإيمانه وبربه ومخلّصه يسوع المسيح وقت الأزمات والضيق والاضطهاد؟ كيف يبقى الإيمان قويًّا ومتألقًا عندما تغرب شمس الحياة أو وقت الأزمات المالية، والصحية، والأسروية، والنفسية، والروحية؟ وعندما تقع في هذه الأزمات، أو تمر بمثل هذه اللحظات الصعبة، ماذا تعمل؟ وماذا تعملين؟

هل تشعر أحيانًا بأنك وحيد في هذا العالم، بلا صديق أو معين؟ وهل تشعر بأنّك بعيد عن الناس، وأن الناس بعيدون عنك؟ وهل تشعر بالفشل والإحباط والإهمال، وبأن لا أحد يهتم بك؟
مثل هذا الشعور يوّلد اليأس في القلب والنفس، ويجعلك تشعر بأن كل شيء حولك مظلم وكئيب. في مثل هذه اللحظات تذكر ما قاله الكتاب المقدّس عن أخنوخ : "شُهِد له بأنه قد أرضى الله"، وما جاء في تكوين 24:5 "وَسَارَ أَخْنُوخُ مَعَ اللهِ، وَلَمْ يُوجَدْ لأَنَّ اللهَ أَخَذَهُ."
كيف يجب علينا أن نسير في هذه الحياة؟ ماذا عمل أخنوخ؟ سار مع الله. وأنت ماذا تعمل؟ سِر مع الله وتابع المسير معه.
1. سِر واسلك بالإيمان: سار أخنوخ مع الله بالإيمان. كذلك نحن، يمكننا أن نكون مثل أخنوخ ونسير مع الله بالإيمان. ولعملِ ذلك يجب أن نكون من عائلة الله. علينا أن نأخذ الله أبًا لنا، والرّب يسوع المسيح مخلصًا لنا، والسماء بيتًا لنا. وهذا يعني أن نقبل طريق الله في حياتنا، ونودع عالم الخطية إلى الأبد.
لا نستطيع أن نسير في طريق الله وطرق الناس في نفس الوقت. فالسير مع الله يعني أن نعيش حياة مقدسة، وننفصل روحيًّا عن العالم الشّرير، وأن نختار بإرادتنا أن نقول "لا" لكل ما يقدمه العالم من شر وفساد ونجاسة وانحراف.
عندما نسير بالإيمان، ينتهي الخوف من حياتنا، فقد وعدنا الرّب يسوع المسيح بأن يكون معنا، وبالتالي لا نخاف أبدًا. نحن نعيش في عالم مليء بمخاوف عالمية، وقومية، ووطنية، وشخصية، ومخاوف في العمل. ولذلك فإن السير مع الله يحفظنا مع أعظم صديق ورفيق لنا في الوجود. السير مع الله يعني أننا نسير في الاتجاه الصحيح، أي اتجاه الله.
السير مع الله بالإيمان يعني أيضًا استجابة الصلاة، وذلك كما وعدنا الرّب يسوع في يوحنا 23:16 "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَا طَلَبْتُمْ مِنَ الآبِ بِاسْمِي يُعْطِيكُمْ". فعندما ننفصل عن عالم الخطية ونسير مع الله، فإن الله يستجيب صلواتنا.
نقرأ في مزمور 1:23 "الرّب رَاعِيَّ فَلاَ يُعْوِزُنِي شَيْءٌ". وفي 10:34 "الأَشْبَالُ احْتَاجَتْ وَجَاعَتْ، وَأَمَّا طَالِبُو الرّب فَلاَ يُعْوِزُهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ". لذلك دعونا نعيش بالإيمان ونسير مع الله.
2. اتّخذ قراراتك على أساس إيمانك بالله: نحن في الغالب لا نرى النهاية، ولا نعرف ماذا يوجد بعد المنعطف الذي أمامنا. لذلك علينا أن نتخذ قراراتنا على أساس إيماننا بالله، وعلينا أن نتذكر أن الأمور الجذابة، أو الجميلة، أو المغرية بالنسبة لنا قد لا تكون هي الأفضل في نظر الله. ما يختاره الله لنا هو الأفضل، وعلينا أن نطيع الله ونقبل بما اختاره لنا. صحيح أنّك قد تصادف مشاكل وأزمات بسبب سيرك مع الله، وقد تواجه معارضة قوية من الناس، ومع ذلك عليك أن تتخذ قرارك بالإيمان بالله. فاتبع الله، وأطعه، وسر بالإيمان معه.
أذكر أنني عندما تركت أسلوب حياتي السّابق، وسرت بالإيمان مع الله، أنني خسرت الكثير من أصدقائي ورفاقي، وأصبحت وحيدًا، ولم يقف بجانبي إلا زوجتي، بل تعرضت للسخرية والضيق بشتى الأصناف. ومع ذلك كنت أثق بالله بكل قوة، وكنت عالمًا أن قراري كان نهائيًّا، فلا عودة إلى الماضي، بل سأسير أبدًا مع ربي يسوع.
هل تواجه قرارات صعبة في الحياة؟ صلِّ واطلب إرشاد الله. هل تبحث عن الاختيار الأفضل؟ اقرأ الكتاب فستجد الجواب.
3. تَحَمَّلْ فشلك بالإيمان بالله: جميعنا نخطئ ونفشل. نحن بشر، وأحيانًا نطلق أحكامًا خاطئة، ونتخذ قرارات غير صائبة. ونفشل في العمل أو في الدراسة أو في علاقاتنا مع الآخرين. ولكن حتى عندما نفشل علينا أن نحافظ على إيماننا، ونتوب، ونعود إلى الله، ولا نلوم الله بسبب فشلنا وسقوطنا، بل نطلب منه العون والمساعدة.
اعترف لله بأنك اتخذت قرارات خاطئة، ثم غيِّر قرارك واتجاهك في الحياة. لا تدع الفشل يبعدك عن الله، بل أن يكون دافعًا للتمسك بإيمانك بالله والسير معه في دروب الحياة.
أحيانًا أُسيء في تعاملي مع الناس، مثل الأهل، والزوجة، والأولاد، والجيران، والأصدقاء، والإخوة، والأخوات في الكنيسة! فهل أسمح لليأس والفشل أن يملأ حياتي، أم أتوب وأرجع بثقة إلى الله؟
وأحيانًا أفشل في تبشير الناس برسالة الإنجيل، ولا أحاول أن أربح الناس للمسيح، ولكنني لا أفشل في إيماني وثقتي بربي يسوع، ولا أستسلم لليأس، بل أتحمل نتيجة فشلي بمسؤولية، وأحاول مرة أخرى تبليغهم بشارة الإنجيل، واضعًا ثقتي بالله، وناظرًا دائمًا إلى ربي وفاديَّ ورئيس إيماني يسوع المسيح.
علينا أن نحاول مرارًا. وألّا نسمح للفشل أن يحبط معنوياتنا، بل نتابع مسيرة الإيمان. قد نفشل أحيانًا بسبب مرض، أو ضعف في الجسد، وبالتالي لا نستطيع متابعة حياتنا كما كنَّا، فماذا نعمل عندها؟ علينا أن نثق بالله، ونضع عليه همومنا، وأن نقبل مشيئة الله بفرحٍ ونتابع مشوار إيماننا معه. نستطيع أن نتحمل مشقات الحياة بالإيمان بالله.
4. بالإيمان نتقدم إلى الأعماق: أمر الرّب يسوع المسيح تلميذه بطرس في لوقا 1:5-11 أن يبحر إلى العمق في بحيرة طبريّا، ثم يطرح الشباك. وكان جواب بطرس للرّب يسوع يعبّر عن يأس بشري وثقة بالله في نفس الوقت، حين قال: "يَا مُعَلِّمُ، قَدْ تَعِبْنَا اللَّيْلَ كُلَّهُ وَلَمْ نَأْخُذْ شَيْئًا. وَلكِنْ عَلَى كَلِمَتِكَ أُلْقِي الشَّبَكَةَ." وماذا حدث عندئذ؟ لقد أمسكوا سمكًا كثيرًا جدًا لدرجة أن شبكتهم بدأت تتخرق من كثرة الصيد.
علينا أن نطيع صوت الرّب بالإيمان. فالطاعة أفضل من الذبائح، والطاعة تحتاج إلى إيمان، والإيمان يحتاج إلى صلاة. بالإيمان نستطيع أن نقدم عشورنا وتقدمتنا للرب. وبالإيمان نستطيع أن نشهد للرب.
ماذا بالنسبة لنا؟ هل لدينا إيمان للطاعة والخوض إلى العمق في حياتنا المسيحية؟ هل نعطي الرب من وقتنا ومالنا؟ هل نشهد عن محبة الله؟ هل نطيعه في الصلاة وقراءة الكلمة والمعمودية والشركة اليومية؟ هل نستطيع أن نعِد الله بألّا نتوقف عن السّير بالإيمان؟ هل نستطيع أن نَتعهّد لله بأن لا نستسلم ونعمل ما يريده هو وليس ما نريده نحن؟
علينا أن نتابع حياتنا اليومية كمؤمنين حقيقيين بشخص الرّب يسوع المسيح، وأن نعمل ما يقوله، متكلين عليه بصورة كاملة، طائعين كلامه، سائرين بالإيمان معه.
5. ثق بمواعيد الله بالإيمان: ثق بمواعيد الله الثمينة، فالله لا ينكث في وعوده أبدًا. ثق بالله وتأكد بأنه معك ولن ينساك. لا تخف، ولا تشك. الله مُعينٌ لك. الله يسير معك في دروب الحياة، ويحفظك في ساعات الظلمة والألم والخوف. الله يعطيك النور عندما لا تستطيع أن ترى الأمور بنفسك. ثق بالله في كل خطوة تتخذها. وتذكر قول الله في رومية 28:8 "وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ". فهل نثق بهذا الوعد الإلهي؟ هل تضع ثقتك كاملة بالله عالمًا بأن كل شيء سيعمل للخير في حياتك إن كنت تسير حقًا بالإيمان.
6. تذكّر الماضي بالإيمان: هل سبق أن خيَّب الله رجاءك ولو لمرة واحدة؟ وهل عمل الله معك بخلاف وعوده؟ هل كسر الله كلمته المعصومة عن الخطأ؟ هل حقًا وثقت به في الماضي وطلبت منه بالإيمان ولم تنل؟! تذكر ما عمله الله لك سابقًا: خلاصٌ وشفاءٌ ونعمةٌ.الله لم يتغير، ولكنك أنت الذي تتغير. الله كان أمينًا في الماضي، وهو أمين اليوم، وسيبقى أمينًا إلى الأبد. فهل ترجع إلى الله؟
هل تتذكر الماضي بإيمان لكي تتابع سيرك مع الله؟
7. ماذا يعمل الإيمان لك؟ وعدنا الله بالقوة عندما نمتلئ بالروح القدس. وعدنا الله أن يقودنا في الحياة. لذلك ليكن لك إيمانٌ بالله، وسر للأمام مع الله بالإيمان ما دمت على قيد الحياة، أو إلى أن يأتي المسيح وتختطف معه في السحاب. تذكر أن الإيمان فقط ينعش روحك ونفسك، ويعينك على الثقة بالله وعلى استيعاب كلمته.
نحن نعيش في عالم صغير، تتغير فيه العادات والناس وأساليب الكلام واللباس والطعام والمواقف والسلوك. وبالإيمان فقط تستطيع أن تثبت أمام هذه المتغيرات. ويساعدك الإيمان على أن تموت عن الذات وأن تعيش للمسيح. ولذلك تستطيع بالإيمان فقط أن تقول مع بولس الرّسول:
"مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي." (غلاطية 20:2)
اطلب من الله أن يملأ حياتك وكيانك بالروح القدس، ودعه يسيطر على حياتك بجميع جوانبها.

المجموعة: تموز (يوليو) 2018