Mufid_Saidنقرأ في سفر الرؤيا 16:22 "أنا أصل وذرية داود. كوكب الصبح المنير."
أول ما نلاحظه هو أن الجمع بين هاتين الصفتين "أصل وذرّية داود" من جانب، و"كوكب الصبح المنير" من جانب آخر، يعلن لنا أن المسيح هو إتمام لنبوات العهد القديم وهو رجاء المستقبل. فهو إتمام للماضي وتوقعاته وأشواقه، وهو رجاء المستقبل الذي ننتظره.

فهو الذي يمسك بالماضي والمستقبل في يده. وقد جاءت هذه الكلمات بعد قوله: "أنا الألف والياء، البداية والنهاية، الأول والآخر." (رؤيا 13:22) وهذه هي الحقيقة، إنه الممسك بالماضي محققًا كل أشواقه وتطلعاته، وهو الذي يضمن المستقبل ليؤكد لنا الرجاء فيه.

  • "لنموّ رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ليثبّتها ويعضدها بالحق والبر من الآن وإلى الأبد." (إشعياء 7:9)
    "ها أيام تأتي يقول الرب وأقيم لداود غصن بر فيملك ملك وينجح ويُجري حقًا وعدلاً في الأرض." (إرميا 5:23)
    "في ذلك اليوم أقيم مظلة داود الساقطة وأحصّن شقوقها وأبنيها كأيام الدهر." (عاموس 11:9)
    "وأقيم عليها راعيًا واحدًا فيرعاها عبدي داود، هو يرعاها ويكون عليها راعيًا." (حزقيال 23:34 و24)
    نقرأ في العهد الجديد عن المسيح أيضًا أنه ابن داود.
    "كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود." (متى 1:1 )
    "هذا يكون عظيمًا وابن العلي يُدعى ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه... ولا يكون لملكه نهاية." (لوقا 33:1)
    "ألم يقل الكتاب إنه من نسل داود ومن بيت لحم القرية التي كان داود فيها يأتي المسيح؟" (يوحنا 42:7)
    "ارحمنا يا ابن داود." (متى 27:9)
    وفي 2تيموثاوس 8:2 "اذكر يسوع المسيح المقام من الأموات من نسل داود".

كانت هذه نبوات الماضي وتحققت في المسيح، وهو وحده الذي تنبأ عنه الأنبياء قبل أن يجيء. كثيرون يقولون إنهم جاءوا من الله، لكن المحك الحقيقي الذي يرينا من هو الحق، الذي جاء من الله، هو أن يسوع وحده قبل أن يجيء بمئات الأعوام أعلن الله مجيئه عن طريق أنبياء تنبأوا عن حياته بمنتهى الدقة. تنبأوا عن حياته في الناصرة، وعن دخوله إلى أورشليم الدخول الانتصاري... كل تفاصيل حياته ذُكرت قبل أن يجيء بمئات السنين؛ ألا يحق أن نؤمن به، وأن نثق فيه، وأن نخضع له ونعبده؟
لقد حقق المسيح أشواق الناس في مختلف العصور السابقة لمجيئه، ليس أشواق اليهود فحسب، بل حقق أشواق البشرية كلها، لأن الإنسان كان يتوق لمخلص، وكان يصرخ قائلاً: ليس بيننا مصالح يضع يده على كلينا (أيوب 33:9).
كانت هذه أشواق الناس في كل مكان، وجاء المسيح لتحقيقها، وهو بهذا حقق تطلعات الماضي وهو الذي يتحكّم في الحاضر، كما أنه يضمن الرجاء للمستقبل. فهذا الذي قال إنه ذرية داود، قال في ذات الوقت الكلمات: أنا كوكب الصبح المنير، أنا الذي أنير لكم المستقبل، أنا الماضي والحاضر، الألف والياء، البداية والنهاية.
نرى ألوهيته كما نرى بشريته. أنا أصل وذرية داود، أنا الذي أوجدت داود، وفي ذات الوقت أنا ذرية داود، أنا أصل داود. هذا هو الله الذي في نعمته أخلى نفسه آخذًا صورة عبد... وأطاع حتى الموت موت الصليب. إن ألوهيته واضحة في هذه الكلمات.
نقرأ في متى 41:22؛ ومرقس 35:2؛ ولوقا 41:20 أن المسيح سأل الفريسيين: من تقولون إني أنا؟ قالوا: أنت ابن داود. فقال لهم المسيح وهو يُلفتهم إلى المزمور 1:110 إن كنت ابن داود فحسب فكيف يدعوني داود ربًا؟ فقد قال داود: "قال الرب لربي: اجلس عن يميني..." فإن كان المسيح هو ابن داود كيف يدعوه ربًا؟ إن المسيح يقبل هذه الصفة أنه ابن داود، ولكن هذه الصفة لا تكفي لأن تصف طبيعته وحقيقته. إنها تكفي لتصف جانبًا واحدًا من طبيعته وهي تجسّده، لكنها لا تكفي لأن تصف حقيقة ألوهيته حين قال داود: "قال الرب لربي،" أي قال الله الآب لله الابن الذي هو ابن داود ولكنه رب داود.
يدّعي قوم أنه لم يعلن ألوهيته، لكنه أعلنها في كل مرة قال فيها: أنا هو. إنه يعلن ألوهيته حين يقول إنه أصل داود، ولكنه أيضًا ابن داود حسب الجسد، رضي أن يصير إنسانًا ليتحمّل عنا آلامنا وأثقالنا، رضي ذاك الذي أوجد الزمن أن يدخل دورة الزمن، وأن يولد في مكان محدد وزمان محدد، وفي قوله المبارك: "أنا أصل وذرية داود" نرى الألوهية والبشرية، نرى الإله الذي تجسد من أجلنا.
يقول الرب يسوع المسيح:
"أنا كوكب الصبح المنير." هو النور الذي جاء إلى هذا العالم، ولذلك قال في يوحنا 12:8 "أنا نور العالم". ونقرأ في يوحنا 7 أنه كان قد ذهب إلى الهيكل في عيد المظال، حيث يقضي الشعب سبعة أيام في مظال ليتذكروا حياتهم حيث كانوا بغير وطن، يرتحلون من مكان إلى مكان... وليتذكروا كيف أن الله كان معهم في هذه الفترة هاديًا عن طريق سحابة تظللهم نهارًا وعامود نار ينير لهم ليلاً. لذلك كانوا في نهاية اليوم من عيد المظال يضيئون أربعة مصابيح ضخمة في الدار الخارجية للهيكل، وهذه المصابيح تضيء كل شوارع أورشليم ليذكروا كيف أن الله كان لهم نورًا ليرعاهم ويهديهم ويقودهم. في هذا المكان وفي ذات الوقت الذي تضاء فيه هذه الأنوار وقف المسيح وقال: "أنا هو نور العالم، أنا الذي أهديكم، أنا هو الله الذي كان معكم في البرية وأنا معكم الآن. أنا كوكب الصبح، فهو يرمز إلى ما أشارت إليه "الشكينة"، السحابة المضيئة، التي كانت في العهد القديم، هو الله الذي ينير لنا الحياة.
إن النور يكشف لي حقيقة نفسي، ويكشف لي حقيقة غيري. في الظلام لا أرى أوساخًا يمكن أن تكون عليّ، ولكن في نور المسيح أعرف خطاياي.
والنور أيضًا يهدي، ويكشف لي الطريق. في الظلام أتعثّر وأسقط، ولكن في النور أرى الطريق. في النور أكتشف ما قد فقدته. في نور المسيح وجدت نفسي التي فقدتها بعيدًا عنه، في المسيح وجدت هذه النفس التي فُقدت مني.
قال المسيح: ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه. كلنا خسرنا نفوسنا لكن في نوره نجد نفوسنا لأننا نجد الله الذي يعطينا معنى لحياتنا.
النور يمنعنا من التصادم. في الظلام نتصادم بعضنا مع بعض. العالم يعيش في حروب وصدام لأنه يعيش في ظلام. لو أن العالم عرف نور الله ما عاش في صدام وحروب. وأول ما تحمله لنا كلمة كوكب الصبح المنير هو أن المسيح ينير لنا.
النور لا بد أن ينتصر، وسيدنا انتصر.
الأمر الثاني هو أن كوكب الصبح المنير هو أسطع الكواكب جميعها. في الليل توجد نجوم ولكن حين يطلع كوكب الصبح المنير تخبو أضواء النجوم الأخرى أمام هذا الكوكب الساطع. هو أعظم من كل من جاء على هذه الأرض.
الأمر الثالث تعلنه لنا هذه الصفة "كوكب الصبح المنير" إن هذا الكوكب يعلن عن طلوع الفجر، فظهوره يعني أن الليل كاد أن ينتهي وأن النهار على وشك أن يجيء. حين جاء المسيح أعلن عن مجيء فجر جديد، خليقة جديدة، الظلام والظلمة التي عاش فيها الإنسان بعد سقوطه في آدم الأول انتهى. حين نقبل آدم الأخير ندخل في فجر حياة جديدة، ونحيا في نور إن نحن قبلناه، لكن المشكلة أن كثيرين يرفضونه لأنه يكشف أخطاءهم. النور جاء إلى العالم وأحب الناس الظلمة أكثر من النور لأن أعمالهم كانت شريرة. لكن إن قبلنا النور ندخل في حياة منيرة جديدة في فجر يوم جديد لا ينتهي. ثم إن كوكب الصبح المنير ليس وقفًا على جنس أو مكان واحد. إن كان هو ابن داود فليس معنى هذا أنه جاء لليهود فقط. الكوكب ما دام موجودًا في السماء فالكل يراه. لا نستطيع أن نقول إن هذا الكوكب لبلد معين وحده، ولكنه ما دام في السماء فالكل يراه، ولذلك قال الكتاب: "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية." إن لكل إنسان رجاء وخلاص في المسيح إن رجع إليه تائبًا ومعترفًا.
ثم إن كوكب الصبح المنير يحدثنا عن فجر جديد آت. العالم يعيش في الخطية، رئيس هذا العالم الآن هو الشيطان، لكن سيأتي كوكب الصبح المنير لكي ينهي هذا الظلام ويقيّد الشيطان ويختطف الكنيسة، ليعطينا حياة جديدة وفجرًا جديدًا ولنكون معه في الآب إلى الأبد.
دعونا نلتجئ إليه، ونحتمي في كفارته، فنهتدي بنوره، ونضع ثقتنا فيه ليضمن حاضرنا ومستقبلنا، وليغفر لنا ماضينا.

المجموعة: تشرين الأول (أكتوبر) 2018