القس بسام بنورة"وَلَمَّا أَقَامُوهَا فِي الْوَسَطِ قَالُوا لَهُ: يَا مُعَلِّمُ، هَذِهِ الْمَرْأَةُ أُمْسِكَتْ وَهِيَ تَزْنِي فِي ذَاتِ الْفِعْلِ، وَمُوسَى فِي النَّامُوسِ أَوْصَانَا أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ تُرْجَمُ. فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ؟ قَالُوا هَذَا لِيُجَرِّبُوهُ، لِكَيْ يَكُونَ لَهُمْ مَا يَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ. وَأَمَّا يَسُوعُ فَانْحَنَى إِلَى أَسْفَلُ وَكَانَ يَكْتُبُ بِإِصْبِعِهِ عَلَى الأَرْضِ.

وَلَمَّا اسْتَمَرُّوا يَسْأَلُونَهُ، انْتَصَبَ وَقَالَ لَهُمْ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلاَ خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلًا بِحَجَرٍ!" (يوحنا 3:8-11)
المشهد الذي أمامنا في غاية الوضوح: مجموعة من الكتبة والفريسيين أحضروا امرأة زانية، وأقاموها أمام شخص الرب يسوع في وسط حلقة بين جمع من الناس في هيكل الله. وطرح الكتبة والفريسيون سؤالهم: "يا مُعَلِّمُ، هَذِهِ الْمَرْأَةُ أُمْسِكَتْ وَهِيَ تَزْنِي فِي ذَاتِ الْفِعْلِ، وَمُوسَى فِي النَّامُوسِ أَوْصَانَا أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ تُُرْجَمُ. فَمَاذَا تَقُولُ أَنْتَ؟"
كانت المرأة مكسورة الجناح. فهي خاطئة وقد قُبض عليها وهي تمارس الزنا. فكان آنئذ على الرب يسوع أن يجيب عن سؤال الكتبة والفريسيين. ماذا كان رد رب المجد يسوع؟
تريّث الرب طويلًا قبل الإجابة، وانحنى إلى أسفل، وكان يكتب بإصبعه على الأرض.
نحن لا نعرف ما الذي كتبه الرب يسوع على الأرض. فهل أراد الرب أن يكون الوقت الذي صرفه بالكتابة كفيلاً بتهدئة النفوس ودعوة الحضور لمراجعة أنفسهم؟ أما رجال الدين فأصروا على السؤال: "موسى في الناموس أوصانا أن مثل هذه ترجم. فماذا تقول أنت؟"
ولكن، هل ما قاله رجال الدين من الفريسيين هو حقًا ما يقوله الناموس بالضبط؟
نقرأ في لاويين 10:20 "وَإِذَا زَنَى رَجُلٌ مَعَ امْرَأَةٍ، فَإِذَا زَنَى مَعَ امْرَأَةِ قَرِيبِهِ، فَإِنَّهُ يُُقْتَلُ الزَّانِي وَالزَّانِيَةُ."
دعونا ندقق في ما قاله الناموس: "إِذَا زَنَى رَجُلٌ مَعَ امْرَأَةٍ". فعملية الزنى تتطلب وجود امرأة ورجل، ولكن الكتبة والفريسيين أحضروا المرأة فقط ولم يحضروا الرجل. مع أنهم بلسانهم قالوا: "هَذِهِ الْمَرْأَةُ أُمْسِكَتْ وَهِيَ تَزْنِي فِي ذَاتِ الْفِعْلِ." فإن كانت قد أُمسكت وهي تمارس فعل الزنا، فإنها كانت تمارس الفعل مع رجل غير زوجها، فلماذا لم يتم القبض على هذا الرجل؟ وأين هذا الرجل؟ ومن كان هذا الرجل؟ ولماذا تركوه يمضي؟ فهل كان إحضار المرأة فقط مجرد مصيدة للإيقاع بشخص الرب؟ وهل من الممكن أن الرجل كان واحدًا منهم؟
صحيح أن الشريعة تقول بقتل الزاني والزانية، ولكن من هو المسؤول عن القتل؟ وهل يوجد مجال للرحمة والغفران؟ وهل يمكن إعطاء الإنسان الخاطئ فرصة للتوبة؟
صحيح أن المرأة أُمسكت وهي تزني، ولكن ماذا بخصوص الزناة الذين لا يتم القبض عليهم نهائيًا، من سيعاقبهم؟ ومن سيرجمهم؟
وأخيرًا جاء رد رب المجد يسوع: "من كان منكم بلا خطية فليرمها أولًا بحجر."
كانت العبارة التي خرجت من فم رب المجد، وما زالت من أقوى العبارات الخارقة للنفس البشرية، كانت دعوة لفحص الذات وللتنازل عن الكبرياء الروحي.
خاطب الرب يسوع ضمير ووجدان كل واحد منهم قبل اتهام المرأة المسكينة والوحيدة التي لم يقف بجانبها أحد.
أيها المشتكي، والمُدين والمُتَّهِم، عليك أن تفحص نفسك: هل أنت أفضل منها؟ وهل أنت صالح وقدوس وبلا خطية؟ هل أنت بار؟ هل تعيش حياة كاملة أمام الله؟
ماذا كان وقع عبارة الرب يسوع على السامعين؟
نقرأ في الآية التاسعة أن "ضَمَائِرُهُمْ كانت تُبَكِّّتُهُمْ." أي إن كلمات الرب يسوع أحيت الضمائر الميتة، ووقف كل واحدٍ منهم عاريًا ومكشوفًا أمام رب المجد وأمام نفسه. فالكل خطاة. الكل أجرم في حق وصايا الله وشريعته، ولا يستطيع أحد أن يرتفع على الآخر بالبر والتقوى وادّعاء الفضيلة.
من الذي بقي في ساحة الهيكل؟
ثم نقرأ "وَبَقِيَ يَسُوعُ وَحْدَهُ وَالْمَرْأَةُ وَاقِفَةٌ فِي الْوَسَطِ." كان بإمكان المرأة أن تهرب، فقد خرج المشتكون عليها. كان بإمكانها أن تصرخ وتهلل من الفرح لأنها أُنقذت من موتٍ حتمي. لكنها بقيت واقفة في محضر الرب.
كل واحد منا يقف بخطاياه وحيدًا في محضر الرب. لن يكون معي أو معك أحدًا، ولا يستطيع أي شخص أن يكون معنا. فخطايانا مستترة ولا يعرفها الناس، ولكن الرب يعرفها، ولذلك نقف وحيدين أمامه، ويجب أن يكون لوقفتنا نتائج:
إما الرحمة النابعة من قلبه المحب، أو العقاب النابع من دينونته العادلة.
فإن وقفنا الآن، أي قبل موتنا الجسدي، وإن طلبنا غفرانه حقًا، فسننال الرحمة.
ولكن إن رفضنا الوقوف أمامه بخطايانا، وخرجنا بعيدًا مثل الكتبة والفريسيين، فإننا سنقف بعد الموت أمام عقابه وسننال دينونة عظيمة.
وأخيرًا خاطب الرب المرأة الزانية: "يَا امْرَأَةُ أَيْنَ هُمْ أُولَئِكَ الْمُشْتَكُونَ عَلَيْكِ؟" خاطبها بكل احترام لإنسانيتها ومشاعرها وكرامتها. لم يقل: "يا زانية،" أو "يا ساقطة، يا نجسة..." خاطبها بلغة المحبة السماوية الحريصة على خلاص النفس البشريّة. ثم قال: "أما دانك أحد؟"
ثم جاء جواب المرأة: "لا أحد يا سيد." كان جوابًا بسيطًا، لكنه يدل على تغيير عظيم في حياتها. اعترفت بيسوع أنه السيد، وعرفت أنها تحررت وتخلّصت من متهميها وطالبي قتلها. وقالت: "لا أحد يا سيد"، بلا تلعثم أو بكاء، بل بلهجة الواثق برحمة الله.
وأخيرًا نطق الرب بجوابه عن السؤال الذي طرحه عليه رجال الدين من الكتبة والفريسيين: "ولاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا."
كان بإمكان رب المجد يسوع أن يمسك حجرًا ويرجمها، فهو بلا خطية.
كان بإمكانه أن يدينها: فهو الرب القدوس، وهي امرأة خاطئة. ولكنه لم يأتِ ليدين العالم، بل جاء ليخلص العالم. جاء ليعطي الناس فرصة جديدة في الحياة. جاء قائلًا: "توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات."
وفعلًا جاء وقت الفرج لهذه المرأة حين قال لها: "اذهبي." أجل! اذهبي، أنت حرة، تابعي حياتك بسلام. ولكن تذكري: لا تخطئي أيضًا. لا تعودي إلى أسلوب حياتك السابقة. أنت كنت زانية، والآن أصبحت طاهرة، فلا تعودي إلى حياة الخطية.
الرب يسوع يكره الخطية ويرفضها، ولكنه أيضًا يغفر لصاحبها إن تاب حقًا عن خطاياه. كان بإمكان الرب أن يدينها. ولكنه غفر لها.
كلنا نستطيع أن ندين الآخرين، ولكن الله يتحدّانا أن نعمل مثله ونغفر لمن أساء إلينا.
ما أسهل أن تقذف الحجارة على الآخرين. ولكن مشيئة الله هي أن تغفر لهم. فنحن خطاة مثلهم، إن لم نكن أسوأ منهم.
كذلك علينا أن نتذكر أنه كما من السهل علينا أن نقذف الحجارة، فمن السهل أيضًا أن نغفر.
الخيار لك؟ ماذا ستفعل؟ الحجر بين يديك. احتفظ به إن أردت، أو تخلّص منه. وإن وجدت نفسك في موقف الديان والناقد والمحاسب للآخرين، فتذكّر الحجر، وتذكر من يحق له أن يرمي بالحجر. كلنا خطاة، وكلنا بحاجة لرحمة الله، فهل نتوب؟
هل تقول للرب يسوع: "أشكرك لأنك تحبني، ولأنك سفكت دمك على الصليب من أجلي أنا الخاطئ. ارحمني وسامحني وساعدني أن أرجع إليك بخشوع وأن أبتعد عن الخطية".
ليكن اسمك يا ربنا يسوع القدوس مباركًا من الآن وإلى الأبد. آمين.

المجموعة: تشرين الأول (أكتوبر) 2018