"وَلكِنَّ الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ." (غلاطية 24:5)
لعل أهم ما يجب أن نلاحظه في هذه الآية هو "لام" الملكية في كلمة "للمسيح". فالحديث هنا ليس حديثًا عامًا موجهًا لكل الناس، لكنه حديث خاص يخصّ تلك الجماعة التي أصبحت ملكًا للمسيح. ولذلك فهذه الرسالة موجّهة إلى كل من يشتاق إلى حياة التكريس الكامل والخدمة المثمرة لمجد اسم إلهنا الصالح.

هذه الحياة المباركة لا تأتي عن طريق الصراع في الصلاة فقط، بل عن طريق الصلب، صلب الجسد مع الأهواء والشهوات. هذا هو الطريق الوحيد الصحيح الذي يؤدي إلى حياة القداسة. "مع المسيح صُلبت." (غلاطية 20:2) فيجب أن نحسب أنفسنا أمواتًا عن الخطية (رومية 11:6)، "عَالِمِينَ هذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ الْخَطِيَّةِ، كَيْ لاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضًا لِلْخَطِيَّةِ. لأَنَّ الَّذِي مَاتَ قَدْ تَبَرَّأَ مِنَ الْخَطِيَّةِ." (رومية 6:6-7)
من هذا نتبين أن حياة القداسة بالصليب تتطلب أمرين: أن نُصلب عن العالم، وأن نصلب الإنسان العتيق أو الجسد.

صلب العالم
يقول الرسول: "وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ." (غلاطية 14:6) للعالم أضواءه المختلفة، وجماله البراق، وأساليبه الخادعة، لكن ماذا تستطيع هذه كلها أن تفعل لشخص قد مات عن العالم، وقد مات العالم بالنسبة له؟ لقد سار السائح المسيحي في قلب سوق الأباطيل، فلم يكن له أي تأثير عليه، ولم تستطع أباطيله أن تدخل إلى ذلك القلب المغسول بدم الفادي.
لكن بكل ألم أقول إن الجيل الذي نعيش فيه اليوم قد اختلط فيه الحابل بالنابل، وأولاد الله بأولاد وبنات الناس، والتبن بالحنطة. والرب ينظر إلى هذه الحالة المرّة ويقول: "ما للتبن مع الحنطة." (إرميا 28:23) لقد شكى الرب من هذه الحالة في شعبه القديم إذ قد صاروا "زَغَلاً. كُلُّهُمْ نُحَاسٌ وَقَصْدِيرٌ وَحَدِيدٌ وَرَصَاصٌ فِي وَسْطِ كُورٍ. صَارُوا زَغَلَ فِضَّةٍ." (حزقيال 18:2)
ليتنا نتذكر قول الرب: "لاَ تَكُونُوا تَحْتَ نِيرٍ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لأَنَّهُ أَيَّةُ خِلْطَةٍ لِلْبِرِّ وَالإِثْمِ؟ وَأَيَّةُ شَرِكَةٍ لِلنُّورِ مَعَ الظُّلْمَةِ؟ وَأَيُّ اتِّفَاق لِلْمَسِيحِ مَعَ بَلِيعَالَ؟ وَأَيُّ نَصِيبٍ لِلْمُؤْمِنِ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ؟ ... لِذلِكَ اخْرُجُوا مِنْ وَسْطِهِمْ وَاعْتَزِلُوا، يَقُولُ الرَّبُّ. وَلاَ تَمَسُّوا نَجِسًا فَأَقْبَلَكُمْ، وَأَكُونَ لَكُمْ أَبًا، وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي بَنِينَ وَبَنَاتٍ، يَقُولُ الرَّبُّ، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ." (2كورنثوس 14:6-18)

صلب الجسد
يقول الرسول: "أَنَّ إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ الْخَطِيَّةِ."
الجسد، والإنسان العتيق، والطبيعة القديمة، والذات... هذه كلها تسميات مختلفة لشخص واحد.
قال سبرجن: "إننا لا نرسل الإنسان العتيق إلى المستشفى لينال الشفاء، بل إلى الصليب ليُصلب، لأنه لا يمكن أن يتغيّر حاله، بل هو محكوم عليه بالموت والدفن."
وهذه شهادة أحد رجال الله ف ب ماير: "المسيح وأنا واحد، فيه عُلّقت على الصليب، وفيه وصلت إلى نهايتي فيما يختص بالذات. ركعت عند صليبه وأخذت موقف الشركة معه في موته. لقد سمّرت الذات على الصليب، وكأني أخذت حياة الذات بكل رغباتها، وأميالها، ومطامعها للشهرة، وتقلباتها، وحكمها على الآخرين، وبغضتها، أخذتها كمجرم وقلت لها: أنت ملعونة ويجب أن تموتي. إلهي قد سمرك على الصليب، إنني أضعك هناك باختياري وبمحض إرادتي، بالإيمان، وسأتركك معلقة هناك."
إن كان هذا ما فعله ماير، فهل تأتوا معي كمؤمنين ومؤمنات وخدام ونفعل نفس الشيء؟ ليساعدنا الرب.
وأعتقد أن المؤمن الذي يحصل على هذا الاختبار هو الرجل الذي:
مات عن إرادته تمامًا، ويقول مع سيده: "أن أفعل مشيئتك يا إلهي سررت،" "لتكن لا إرادتي بل إرادتك."
لا ينتفخ إذا مدحه الناس، ولا يحزن إذا ذمّوه.
لا يرى بعينيه، ويسمع بأذنيه حياة الشر، وكلمات الأشرار، ومغريات العالم، ومع ذلك فلا تنزلق رجلاه إليه، بل لا يتأثر به إطلاقًا.
دائمًا ينتقد نفسه ويدينها، ويرى ويبحث في الآخرين عن أي صلاح يمتدحهم به ويشاركهم فيه.
يرضى عند اللزوم أن يترك حقوقه، بينما بإصرار يعطي للآخرين حقوقهم صغيرة كانت أم كبيرة.
يحتمل إساءات الآخرين بثغر باسم وبقلب فرح.
يحتمل التجارب، ليس بصبر فقط، لكن بشكر عميق ومن كل القلب.
الذي يفعل هذا "هو في الأعالي يسكن، حصون الصخور ملجأه، يُعطي خبزه، ومياهه مأمونة." (إشعياء 16:33)

المجموعة: 2015