يرسم الوحي الإلهي بريشة الرسول بولس صورة رائعة للجهاد المقدس. فيصوّر لنا ميدانًا متسعًا يركض فيه المؤمنون نحو الجعالة. وفي هذا الميدان نجد الشيطان وجنوده يعملون بكل قوتهم كي يثنوا المؤمنين عن هذا الهدف الأسمى. ويقف أهل العالم متفرجين، والبعض منهم مستهزئين.

ولكن تحيط بهذا الميدان سحابة من الشهود الأمناء الذين سبقونا فيه ووصلوا إلى الجعالة. هؤلاء يرددون هتافات التشجيع لنا باستمرار حتى لا نخور في الميدان (1كورنثوس 24:9-27).
وجدير بنا قبل أن نتحدث عن طرح الأثقال أن نتأمل في هذا الجهاد في النواحي التالية:

أولاً: مستلزمات الجهاد
يلخصها الرسول بولس في سبعة أمور:
1- لنطرح كل ثقل: فقبلما نركض في الميدان علينا أن نتخلّى عن كل الأثقال (عبرانيين 1:12)
2- لنطرح الخطية المحيطة بنا بسهولة، وبالأخص خطية الشك وعدم الإيمان بمواعيد الرب.
3- لنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا، فبالصبر نصل إلى الجعالة.
4- لننظر إلى رئيس الإيمان ومكمّله يسوع، وطالما نحن ننظر إلى يسوع لن نخور في الميدان.
5- لنحمل الصليب، متفكرين في الذي احتمل من الخطاة مقاومة لنفسه مثل هذه.
6- لنقاوم حتى الدم، مجاهدين ضد الخطية.
7- لنضبط أنفسنا، "وكل من يجاهد يضبط نفسه في كل شيء."

ثانيًا: أسلحة الجهاد
يتحدث الرسول عن سبعة أسلحة، هي منطقة الحق، ودرع البر، وحذاء إنجيل السلام، وخوذة الخلاص، وسيف الروح، والصلاة، وأخيرًا ترس الإيمان (أفسس 13:6-18).

ثالثًا: مكافآت الغالبين
هذه سبعة أوسمة (رؤيا 2 و3). فمن يغلب سيأكل من شجرة الحياة، ولا يؤذيه الموت الثاني، ويعطى حصاة بيضاء، ويُعطى كوكب الصبح، ويلبس ثيابًا بيضاء، ويكون عمودًا في هيكل الرب، وأخيرًا يجلس مع المسيح في عرشه.

رابعًا: أكاليل المنتصرين
1- إكليل البر للذين يحبون ظهور الرب (2تيموثاوس 7:4-8).
2- إكليل الحياة للذين يحبون الرب حتى الموت، وللذين يحتملون التجربة (رؤيا 10:2؛ يعقوب 12:1).
3- إكليل المجد للخدام الأمناء (1بطرس 4:5).

إزاء هذه الأمجاد، علينا أن نطرح: الأحمال (متى 28:11)، والأثقال (عبرانيين 1:12)، والعثرات (2كورنثوس 3:6). نطرح هذه الأمور الثلاثة لكي نحمل:
نير المسيح: "احملوا نيري عليكم... لأن نيري هيّن وحملي خفيف." (متى 29:1-30)
المشقات: "فاشترك في احتمال المشقات كجندي صالح ليسوع المسيح." (2تيموثاوس 3:2)
أثقال الآخرين: "احملوا بعضكم أثقال بعض." (غلاطية 2:6)

ما هي الأثقال التي يجب أن نطرحها؟
هناك اثنا عشر نوعًا من الأثقال يجب أن نطرحها باستمرار وهي:
1- الارتباكات العائلية: "الوقت منذ الآن مقصّر، لكي يكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم." (1كورنثوس 29:7-31) ليس معنى هذا أن نهمل الواجبات العائلية. كلا وألف كلا. فالمسيحي يعرف جيدًا واجبه نحو الزوجة والأولاد. لكنه لا يجعل هذه الواجبات بمثابة ارتباطات وأثقال تعطل خدمته للرب.
2- الأحزان العالمية: "والذين يبكون كأنهم لا يبكون." آه، كم من مؤمنين تثقلوا بالأحزان، وسقطوا في الميدان.
3- الأفراح الوقتية: "والذين يفرحون كأنهم لا يفرحون." وهذه أيضًا ينبغي ألا نتمسك بها لئلا تصبح ثقلاً ببطء ركضنا المقدس.
4- الممتلكات المادية: "والذين يشترون كأنهم لا يملكون." نعم، لو فرحنا بالبركات الزمنية، ونسينا معطيها نفسه، تتحوّل البركات إلى ثقل يجعلنا نتحوّل عن الهدف الذي أمامنا.
5- الأمور العالمية: "والذين يستعملون هذا العالم كأنهم لا يستعملونه." فحين ننظر إلى الأمور العالمية البرّاقة التي يقدمها لنا الشيطان في الميدان نتوقف عن السعي نحو الجعالة، بل نتحوّل إلى اتجاه آخر.
6- الارتباطات غير المسيحية: "لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين." (2كورنثوس 14:6) النير المتخالف هو سبب ارتداد المؤمنين. إنه ثقل عظيم يمنع المؤمن من الانطلاق نحو جعالة دعوة الله العليا في المسيح.
7- الخواطر البشرية: "قد اشتريتم بثمن فلا تصيروا عبيدًا للناس." (1كورنثوس 23:7) مرات كثيرة تكون مراعاة الخواطر البشرية خوفًا من انتقاد بعض الناس معطلاً كبيرًا للخدمة. يجب علينا أن ننظر إلى رئيس الإيمان، وليس إلى البشر الذين حولنا.
8- الهموم اليومية: "لئلا تثقل قلوبكم في خمار وسكر وهموم الحياة." (لوقا 34:21) حمانا الله من الهموم التي تعطّل سعينا، وتطفئ شهادتنا وتعثر أقدامنا.
9- الوسائط البشرية: حين ألبس شاول ثيابه لداود، وجعل خوذة من نحاس على رأسه، وألبسه درعًا، لم يقدر داود أن يمشي من ثقلها فخلعها، وذهب لمحاربة جليات الفلسطيني متجرّدًا من كل واسطة بشرية متكلاً على اسم رب الجنود. وهذا ما يجب أن نفعله نحن (1صموئيل 38:17-40)
10- المضايقات الجسدية: "مكتئبين في كل شيء، لكن غير متضايقين." (2كورنثوس 8:4) توجد أمور تجعلنا نكتئب، لكن يجب علينا ألا نتضايق. بل لنثق بالرب وننتظر خلاصه، ونستمر في الركض بإيمان وثبات.
11- المفشلات الشيطانية: "متحيرين لكي غير يائسين." (2كورنثوس 8:4) الفشل هو أكبر ثقل يزعزع إيمان القديسين.
12- الثقة الذاتية: "ليس أننا كفاة من أنفسنا أن نفتكر شيئًا كأنه من أنفسنا، بل كفايتنا من الله." (2كورنثوس 5:3) فعندما نثق بأنفسنا نتوقّف عن الركض. لكن حين نرتمي على الأذرع الأبدية، ننطلق في الأجواء السماوية.
هذه الأثقال وغيرها تعطل خدمتنا، وتمنعنا من الانطلاق في الأجواء السماوية. مثَلُنا في هذا كعصفور التفّ حول رجليه خيط يحمل ثقلاً في نهايته. ويحاول هذا العصفور المسكين أن يطير دون جدوى. نعم، قد يرفرف بجناحيه بشدة، فنظن أنه سينطلق محلّقًا في الفضاء، لكن هيهات! ربما نقدّم له مزيدًا من الطعام والماء لكي يشبع ويرتوي ويتقوّى، لكن لا فائدة من هذا. إن العلاج هو أن نقطع الخيط، ونطرح الثقل بعيدًا عنه، عندئذ يسهل عليه الانطلاق.
آه، ليس كل مؤمن يطرح كل ثقل، عندئذ ينطلق مهلّلاً ومنتصرًا.

 

المجموعة: 2018