Voice of Preaching the Gospel

vopg

نيسان (إبريل) 2009

بين أسفار العهد الجديد سفر قصير نسبياً يقع في ستة أصحاحات يسمَّى رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية، خاطب بها الرسول بولس الكنيسة في غلاطية يندّد بما تسرّب إليها من عيوبٍ في التعليم، وإلى ملابساتٍ واختراقاتٍ يهودية مُغْرضة تسللت إلى صفوفهم لتصدّهم عن حق الإنجيل، فاقتضى أن يُنبّههم لتصويب الأمور بعبارات قوية. قال لهم:


"أَيُّهَا الْغَلاَطِيُّونَ الأَغْبِيَاءُ، مَنْ رَقَاكُمْ (من سحركم) حَتَّى لاَ تُذْعِنُوا لِلْحَقِّ؟ أَنْتُمُ الَّذِينَ أَمَامَ عُيُونِكُمْ قَدْ رُسِمَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ بَيْنَكُمْ مَصْلُوبًا".
وفي ختام خطابه في الأصحاح السادس قال: "وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلاَّ بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ" (غلاطية 14:6).
كان لبولس مصادر كثيرة ليفتخر بها: فهو كان عالماً وفيلسوفاً كبيراً. وكان يملك من الشهرة ما لا ينافسه بها أحد. وكانت له شعبية هائلة بين أجناسٍ وشعوبٍ متعددة مرَّ بهم في جولاته التبشيرية الثلاث في أوروبا وآسيا الصغرى والشرق الأوسط. وبولس هناك أغفل كلَّ هذه وحدّد فخره بصليب المسيح وحده! ما سرُّ ذلك؟ وكيف يمكن أن يفتخرَ بولس وغير بولس، بآلة الموت أو المقصلة التي أودت بحياة سيده،  ويُشْهر افتخاره ذاك للمَلأ؟! والرسول بولس، العالِم واللاهوتي والفيلسوف الكبير، لا يمكن أن ينطق عن هوى. إنما، من تذوَّق حلاوة ما أحدثه صليب المسيح في حياته من تغيير عجيب يعرف سرّ افتخار بولس بالصليب.
ما جاء المسيح ليؤسس نظام دولة، ولا جاء ليحشد جيوشاً للقتال، ولا حفَّز شعبه لمقارعة من يعاديهم بالرمح والخنجر... وهذا بالتالي، جنّب أتباعه الكثير من المنازعاتٍ، وسفك الدماء، والصراعات، والمنافسات، والانقلابات... نرى أمثلة منها تجري اليوم في العالم للاستحواذ على مراكز السلطة والحكم! وفي المقابل، الدم الوحيد الذي سُفك من المسيحيين عبر تاريخهم الطويل كان دم شهدائهم على أيدي مضطهديهم، حتى قيل:  "دم الشهداء صار بذاراً للكنيسة".
وما جاء المسيح ليفرض تعاليمه على أحد. فهو جاء ليعطي لا ليأخذ... جاء ليعتلي الصليب، ويبذل دمه ليفدي النفوس التي سباها الشيطان،  ولوّثها الإثم،  وأرهقتها الخطية،  فيصنع من كلّ  هؤلاء  شعباً  مقدّساً  ينتسب  لله  بحق.
جاء المسيح خصِّيصاً ليُصلب. والنبوات عن صلبه سبقت مجيئه بقرونٍ عديدة، وجاءت واضحة وضوح الشمس. ولو لم يُصلب المسيح قبل ألفي عام لما وطئ بقدميه أرض العالم. ورسْم الصليب اليوم أينما تراءى للناس على وجه الأرض إنما  ليذكِّر الداني والقاصي بهذه  الحقيقة.
قال أحدهم: "المسيحية بلا صليب كسماءٍ بلا شمس، وكجنةٍ بلا أشجار، وكبوصلة بلا إبرة، وكساعةٍ بلا عقارب، وكمصباحٍ بلا زيت، وكموسيقى بلا ألحان، وكغيثٍ بلا أمطار".
صليب المسيح يشكِّل نقطة الارتكاز في العقيدة المسيحية:
"بالصليب خلاصنا من الخطية. وبالصليب نجاتنا من عذاب النار. وبالصليب نُصْرَتُنا على قوة الشيطان وألاعيبه.. وبالصليب نقوى على كلّ الرذائل والشهوات الدنيئة.. فالصليب يُحرِّر مِنْ قوى الشر التي يعاني منها الكثيرون.. صليبه صليب فداءٍ لا عِداءْ. ومن الصليب تعلّمنا كيف نحب، وكيف نسامح، وكيف نرحم، وكيف نغفر لمن أساء إلينا. بالصليب شقّ المسيح الطريق أمامنا إلى أبديةٍ مشرقةٍ، فإن لم نحب ولم نغفر، ولم نسامح خالفنا مبدأً ننتمي اليه ونعتز به".
وعندما نردّد كلمة الصليب، لا نقصد بها مجسَّمات الصليب المنتشرة هنا وهناك في ربوع الأرض. فتلك مُجَرَّد رُمُوز، وبعضها زينة، إنما الصليب الذي يعنينا هو الحدث نفسه، حدث الصلب. ففي اللحظة التي ارتفع فيها المسيح على الصليب وقَطَرَ دَمهُ انفتح نبعٌ متدفّقٌ من الرحمة والغفران واستمر ليشمل كلّ من يُقْبِل إليه، فَتُغْفَرُ خطاياه على حساب دم المصلوب، والمسيح كفيل بسدادها. لا يفرّق بين شعبٍ وآخر، أو بين أمةٍ وأخرى، لأن خلاصه وغفرانه مُتاح للجميع.
ما زلت أذكر اللحظة التي قبلت فيها فداء المسيح لحياتي، وكنت حينها شاباً غضاً في العشرين من العمر، أَعي الخطية تماماً،  وأحمل الكثير من الآثام. ومع أني كنت مسيحي المولد، كنت مثل كثيرين غيري من مسيحيين إسميين لا أدرك معنى الفداء، ولا أفهم كيف أخلص مما أنا فيه من خطايا وآثام. وفي جهلي، كنت أظن أنه طالما أنني مسيحيّ مُعمّد بالماء في طفولتي، فلا بدَّ أن يشملني المسيح برحمته، ويؤمِّن لي الحياة الأبدية، رغم أني كنت أعيش في الخطية، وأمارسها كلّ يوم بلا رادع... إلى أن جاءت اللحظة التي أشرق الله فيها على قلبي، وعرَّفني بأنني خاطئ هالك لا محالة، فطلبت رحمته، واستجاب لي، فارتاحت نفسي، وابتهجت روحي، وغمرني دفق من السلام الداخلي في القلب لم أختبر مثله في حياتي. ومن يومها لم أعد أتسكّع في الضَّياع كما في الماضي، فصرت أنتمي لله،  ولأول مرة في حياتي صار لي هدف شريف أسعى إليه... ومن حينها أصبحت مسيحياً قولاً وعملاً. ولاحظ أصدقائي التغيير في حياتي، وفي ألفاظي، في تعاملاتي، وفي انشراح وجهي، وتساءلوا ما الذي حصل؟! وعرفوا الجواب.
وها أنا اليوم أعتزُّ بالانتماء لمسيحٍ حيٍّ جاء لخلاص البشرية. فهو بما عمله لأجلي على الصليب غيَّر حياتي وغرس في قلبي حبَّ الناس - كلّ الناس - سواء من هم على عقيدتي ومن هم على غيرها، فكلّ البشر هم عيال الله، وكلّهم إخوة بالإنسانية، وكلهم موضع اهتمامه، والمسيح لهم كما لي، جاء من أجلهم كما من أجلي، وأتمنَّى أن يختبروا ما اختبرت!
وإنني لأعجب عندما ألاحظ متديّناً كلما ازداد  تديّنه  ازداد  تعصّبه،  وازداد حقده،  وازدادت كراهيته لمن لا يمشون على دربه ولا يماثلونه في معتقده!
الصليب - لمن عرفه واحتمى بظلاله - يلطِّف حياته،  وينزع منه الخشونة،  ويُهذِّب إنسانيتة. الصليب يغرس في النفس أدباً، ورحمةً، وصدقاً، وأمانةً، وحبَّا للخير. لم يَكن الصليب يوماً مجرّد شكلٍ أو شعارٍ يتباهى به الناس، بل قوّة مغيِّرة غيَّرت وتغير حياة الملايين. وما زال الصليب  يغزو قلوب كافة الشعوب، ويغيِّر النفوس ويصنع فيها عجباً.  
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ كلّ رسل المسيح، الذين نشروا المبادئ المسيحية في عهدها الأول، ماتوا استشهاداً ما عدا يوحنا الذي كان من نصيبه أن يتحمَّل النفي في أواخر أيامه في جزيرة بطمس في الأرخبيل اليوناني. فهم اضْطُهدوا ولم يَضْطَهِدوا أحداً،  وماتوا قتلاً بالسيف أو بغيره ولم يقتلوا أحداً. غزوا العالم بتعاليم إنجيلهم ولم يغزوا الشعوب برمحٍ أو خنجرٍ أو سكين. وما زالت كنيسة المسيح تسير على نفس الدرب. فالصليب علَّمها أن الحب أفضل من العداء، والتسامح أفضل من الخصام، واللين أفضل من الخشونة، والبذل والعطاء أفضل من الأخذ والأطماع، والقلب السموح وبشاشة الوجه أفضل من التَّشَنُّج والعُبُوس، وإحياءَ الناسِ أفضل من قتلهم.

المجموعة: 200904

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

260 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10476313