Voice of Preaching the Gospel

vopg

آب (أغسطس) 2009

تعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجومتعطيل النجوم
 

قسيس عماري.. ما زال السؤال قائماً.. ما هي العلاقة بين صليب المسيح ومطالب عدل الله؟
هناك حقيقة هامة ينبغي التوقف عندها ملياً للتأمل برويةٍ وبذهنٍ مفتوح، وهي أن الرحمة والعدل صفتان لا يلتقيا في شخصٍ واحد، فأنت إذا حُكِّمْتَ في قضية بين شخصين إما أن تكون عادلاً أو رحيماً، فالرحمة والعدل نقيضان لبعضهما البعض، ربما الرحمة تقبل النسبيّة عادةً بين الناس لكن العدل لا يقبل التجزئة، فالقاضي الذي يَمْثُلُ أمامه الجاني بجريمة قتلٍ أو اغتصابٍ - مثلاً - فلو عفي عنه رغم توافر الأدلة المقنعة على تجريمه "انكسر العدل"… ولو عدل القاضي وأنزل به العقاب بلا انتقاصٍ غُيِّبت الرحمة، فالرحمة يمكن تخفيفها بنسبٍ معينة، أما العدل فلا يقبل التجزئة... ويلاحظ أننا نحن كبشرٍ نذنب ونقصّر بحق الله، نلهج دائماً برحمة الله، أما عدله فيقلقنا ويرعبنا، والمذنب في المحاكم يتأمل في أسباب الرحمة، أما العدالة فترعبه.


•   كيف التقت الرحمة والعدل في ذات الله دون أن تكون الواحدة على حساب الأخرى؟
رحمة الله كاملة غير مجزّأة وعدله كامل غير منقوص... فعندما أخطأ أبوانا آدم وحواء طردا من الجنة وحرما من دخولها ثانية حتى يستوفي العدل حقه… ويقول الوحي في سفر التكوين الإصحاح الثالث بعد طردهما: "وأقام الله لهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة"، أي لحراسة طريق الجنة من أن يعبرها الإنسان قبل أن يُستوفى حق العدل ويأتي من يمكن أن يدفع الثمن ويفي عدل الله حقه… ومن يومها لا آدم استطاع، ولا بنوه ولا ذريته، ولا الأنبياء الذين خرجوا من صلبه، والدليل هو أن الإنسان ما زال يعيش ويموت على تراب الأرض، في أرض المنفى خارج أبواب الجنة.
وجاء المسيح مولوداً من عذراء "مولوداً غير مخلوق". لم يأتِ من زرع بشر، فجاء طاهراً طهارة مطلقة لم يتمتع بها إنسان لأن آدم ليس أباه. فهو لم يرث منه طبيعة السقوط، وهذا أعطى المسيح الاستحقاق أن يتقدم الجموع البشرية بثقة إلى باب الجنة المحروس بلهيب السيف المتقلّب، فنزل سيف العدل على جسده وسحقه ونزف دمه، وهذا ما تم في معركة الصليب… وهناك دفع المسيح الثمن الغالي لإرواء عدل الله، وعاد السيف إلى غمده بعد أن ارتوى من دم المسيح وصار باب الجنة مفتوحاً من حينها لمن يبغي الدخول، ولكن برفقةِ الوسيط الذي دفع الثمن. وكان أول من أُعطي رخصة الدخول بعد معركة الصليب هو اللص التائب الذي صُلب مع المسيح، إذ قال له المسيح: "الحق أقول لك أنك اليوم تكون معي في الفردوس".
ففي الصليب الرحمة والعدل التقيا، وفيه صارت الرحمة والغفران للمؤمنين التائبين الراجعين إلى الله، وبالصليب العدل أخذ حقه وسيف العدل ارتوى من دمٍ غالٍ ثمين هو دم المسيح... فالصورة أصبحت واضحة أمام البشر كافة.
•  في رأيك، ماذا تمثل عقيدة صلب المسيح في المسيحية؟ وهل يمكن أن نتخلى عنها؟
صليب المسيح يمثّل مركز الدائرة في عمق العقيدة المسيحية. فالمسيح جاء ليُصلب... ولو لم يُصلب قبل ألفي عام لما جاء، ولما وطأ بقدميه أرض العالم. ورسم الصليب اليوم أينما تراءى للناس في العالم يذكّر الداني والقاصي بهذه الحقيقة. قال أحدهم: المسيحية بلا صليب كسماء بلا شمس، بوصلة بلا إبرة، ساعة بلا عقارب، مصباح بلا زيت، موسيقى بلا ألحان، غيث بلا أمطار، أو ككتاب بلا حروف.
ولذلك نقول إن الصليب هو نقطة الإرتكاز في كامل عقائدنا المسيحية، إذ بالصليب خلاصنا من الخطية، وبالصليب نجاتنا من عذاب النار، وبالصليب نصرتنا على قوة الشيطان التي تحاول استمالتنا لعمل الإثم والإنحراف عن الله. الصليب حررنا من قوى الشر في نفوسنا، والصليب علّمنا كيف نسامح وكيف نرحم، وكيف نغفر لمن أساء إلينا، وبالصليب شقّ المسيح أمامنا الطريق إلى أبدية مشرقة مأمونة.
"الشيطان لا ترعبه الرماح المسنونة ولا تخيفه السيوف البارقة، ولكن أقصى ما يخشاه هو صليب المسيح.. لأن الصليب يحطّم القيود، ويكسّر الأغلال، ويحرّر أسرى الخطية، ويشفي القلوب الملوّثة بالخطية، ويصنع من الأشرار أبراراً، ومن العصاة مؤمنين، طائعين وقديسين." هذه هي الحقيقة!.. فهذا ما جاء المسيح لأجله، جاء المسيح ليموت موتاً فدائياً، ليخلّص ويشفي النفوس التي سباها الشيطان ولوّثها الإثم، ويصنع منهم شعباً مقدّساً لله... فحقيقة صلب المسيح في العقيدة المسيحية لا تقبل المساومة ولا يمكن التخلي عنها.
•  ما هو مفعول الصليب في الجانب العملي في حياتك؟
المسيح بصليبه فداني، وغفر خطاياي، وعفا عني. وتشعر نفسي بهذا الامتياز في أعماقي. ثم بالصليب قوة مغيّرة غيّرت حياتي. والتغيير الذي أتحدّث عنه تغيير جذري لا يقدر عليه أحد.. لا طبيب نفساني، ولا عالم ديني لأنه انقلاب عجيب يصل إلى 180 درجة، وأنا سعيد بذلك إذ يتمتّع قلبي بسلام الله. وعندما أتذكّر الأيام الأولى التي فيها تعرّفت على المسيح، تدمع أحياناً عيناي ابتهاجاً بهذه الذكرى التي ما زلت أعيش حلاوتها خلال كل السنين الماضية.. فبالصليب تذوّقت فعلياً رحمة الله، إذ لولا تأثير مفعول الصليب في حياتي لكنت طائشاً مثل الكثيرين. كثيرون يلهجون برحمة الله وبغفران الله، ويعيشون في الخطية، ويتذرّعون بأعذار ومبررات يستمطرون بها مراحم الله بدون الصليب... وإن استمروا لن يستفيقوا على الحقيقة إلا عند أبواب الأبدية، وهناك سيرون المسيح الديان يصطف أمامه شعوب الأرض، ليقول لكل التائهين عن الحق: أكرمتكم بموتي على الصليب.. أفتديكم.. متّ أنا لتحيوا أنتم.. حملت خطاياكم على الصليب فاستحقّ عليّ القصاص بدلاً منكم.. نزل عليّ سيف عدالة السماء فأخذ حقه مني لتنجوا أنتم.. أنتم أخطأتم.. وأنا دفعت الثمن لأني أحببتكم... أسمعتكم صوتي بشتى الوسائل لترجعوا وتتوبوا وتؤمنوا.. أرسلت روحي ليهمس في قلوبكم ويوقظ ضمائركم.. الإذاعات لم تقصّر في توصيل النور إليكم.. وكذلك الإنترنت وشواهد الحياة من حولكم.. فأبيتم وتقسّيتم وجادلتم ورفضتم فاستحقّ عليكم حكم الدينونة.
•  يتساءل البعض: كيف يفتخر المسيحيون بصلب المسيح رغم كونه أداة للقتل والتعذيب؟ ألا ترى هذا يتناقض مع العقل والمنطق؟
سجل بولس الرسول افتخاره بالصليب حين قال: "حاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح، الذي به قد صُلب العالم لي وأنا للعالم." يقصد أنه بصليب المسيح قد صُلب العالم بشهواته وإغراءاته، فلا استجابة لها عنده، وأنا أيضاً بصليب المسيح قد صُلبتُ عن شهوات الدنيا ودناياها، فعندما تناديني مغريات هذا الزمان - لا حياة لمن تنادي. فالمسيح بصليبه فك أسري وحررني من كل مغريات الدنيا، ولذلك أفتخر بصليبه، هذا ما عناه بولس رسول المسيح.
لا أبالغ لو قلت أن صليب المسيح هو فخر الكنيسة المسيحية منذ أن وُجدت وعبر كل عصورها! فكنيسة المسيح على تنوع فروعها ومسمّياتها، ومع امتداد التاريخ كله كان لها الصليب وما زال رمز فخرٍ واعتزاز وإجلال! قبل صلب المسيح، كان الصليب أداةً وحشية ومنفّرة.. ولكن عجباً كيف حوَّل المسيحُ أداة القتل والتعذيب إلى رمز حبٍ وعطاءٍ وفداء!.. فبعد صلبه، اعتلى الصليب بفخر قباب الكنائس ومناراتها وأخذ الملوك يزينون تيجانهم بعلامة الصليب باعتزاز. وفي العديد من دول العالم اليوم يتصدّر الصليب أبواب صيدلياتهم، وينادي المريض من بعيد: "تعال، لدينا الدواء لمشكلتك!" وهناك مجموعة لا بأس بها من أعلام الدول التي تعتز بحضارتها ورقيها ويوشحها الصليب.. ثم مع بدايات القرن العشرين برز "الصليب الأحمر" كمؤسسة إنسانية عالمية لا تحدها حدود، استمدت رسالتها الإنسانية من رسالة المسيح فرفعت شعار الصليب بلون دم المسيح كشعارٍٍ للرحمة بجرحى الحروب والأسرى والسجناء السياسيين والمضطهدين والمعذبين في الأرض. ومن هذا المبدأ انبثقت جمعيات أخرى تحمل شعارات متنوعة ولها نفس الرسالة، وهذا يعني أن نظرة العالم كله أخذت تدرك معنى رسالة الصليب وما يوحيه الصليب من خدمةٍ ورحمةٍ إنسانية للبشرية المعذبة... فلولا صليب المسيح ما كان لهذه المعاني من وجود.
•  البعض لا يقبل بصلب المسيح احتراماً وتقديراً له، ويقولون أن الأنبياء معززون مكرمون لا نرضى لهم بالإهانة... فما هو تعليقك؟
إن مشاعر الودّ والتقدير هذه لا تلغي ما تعرّض له الأنبياء من اضطهادات، ومضايقاتٍ، وتهديد،ٍ وقتلٍ، وتعذيب!! فكم من نبي اعتُدِيَ عليه فعُذِّب أو قُتل أو سُمِّم؟ والتاريخ سجَّل الوقائع، والأجيال من بعدهم قبلت بالواقعة وصدّقتها، لماذا إذاً يُنصب الاعتراض حصراً على حادثة صلب المسيح بالذات؟
•  البعض يقول أن بطرس كبير التلاميذ "الحواريين" رفض صلب المسيح. فعندما أخبرهم المسيح بأنه سيسلم لأيدي اليهود ويُصْلب، احتج بطرس وعاتب المسيح رافضاً فكرة الصليب
عندما نقرأ في الإنجيل في متى الأصحاح 16 "من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يُظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل وفي اليوم الثالث يقوم. فأخذه بطرس إليه قائلاً حاشاك يا رب بأن يكون لك هذا... فالتفت المسيح وقال لبطرس: اذهب عني يا شيطان أنت معثرة لي، لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس."
الشيطان همس في أذن بطرس وأوحى له بأن يعارض فكرة الصلب مثيراً فيه موقف المجتمع البشري الذي لا يقبل أن يهان سيدٌ كريم، لذلك قال لبطرس: أنت لا تهتم بما لله لكن بما للناس.
•  قسيس عماري، في نهاية حوارنا دعني أسألك حول قول البعض أن المسيح لم يُصلب ولكن شُبِّه لهم... ما ردك؟
سجلات الدولة آنذاك دوّنت الواقعة، وأصحاب الدعوى المشتكون على المسيح من اليهود شهدوا بأن رغبتهم قد نُفِّذت، والمسيح صُلب أمام عيونهم. ثم جسد المسيح المصلوب بقي على الصليب يرشح دماً على تلة بجوار الطريق لساعات طوال وهذا أعطى فرصة للجموع المارة أن تراه وتتوقّف عنده وتتحقق من هوية المصلوب سيما وأن المسيح بشخصه كان معروفاً لدى الجماهير بسبب معجزاته. وتلاميذه راقبوا المشهد عن بعد وأيقنوا بما حدث. وكانت أمه مريم هناك أقرب ما يكون إلى الصليب ترقب ابنها وهو يتلوّى فوق الخشبة. والأم تعرف ابنها جيداً وصديقات لها كن معها يعرفنه. أضف إلى كل ذلك، فهناك يوسف الرامي الذي وهب قبره الخاص به ليدفن المسيح فيه؛ فهذا طلب من بيلاطس الحاكم أن يأخذ الجثة لدفنها واستُجيب طلبه. فأخذ الجسد وساعده كاهن يهودي كان قد آمن بالمسيح اسمه نيقوديموس، والاثنان معاً تعاونا على تكفين الجسد الذي بقي بين أيديهما لفترة كافية من الزمن وهما يعرفانه جيداً.
فأي قاضٍ عادلٍ يمكن أن يسقط شهادات كل هؤلاء ويأمر بملف القضية للحفظ بادعاء عدم توافر الأدلة والأدلة كثيرة كما أشرت إليك.
ومن جهة أخرى، لنفترض جدلاً أن المسيح لم يصلب فالسؤال حينها يكون: كيف انتهت حياته إذاً على الأرض؟ وهل يُعقل أن نعرف عن نهايات حياة جبابرة العالم وتبقى نهاية حياة هذا الجبار الأعظم مبهمة تتضارب حولها التكهنات! الإنجيل واضح حتى أنه سجّل الكلمات السبع الأخيرة التي فاه بها المسيح قبل أن لفظ النفس الأخير ومات.

 

قسيس عماري.. ما زال السؤال قائماً.. ما هي العلاقة بين صليب المسيح ومطالب عدل الله؟
هناك حقيقة هامة ينبغي التوقف عندها ملياً للتأمل برويةٍ وبذهنٍ مفتوح، وهي أن الرحمة والعدل صفتان لا يلتقيا في شخصٍ واحد، فأنت إذا حُكِّمْتَ في قضية بين شخصين إما أن تكون عادلاً أو رحيماً، فالرحمة والعدل نقيضان لبعضهما البعض، ربما الرحمة تقبل النسبيّة عادةً بين الناس لكن العدل لا يقبل التجزئة، فالقاضي الذي يَمْثُلُ أمامه الجاني بجريمة قتلٍ أو اغتصابٍ - مثلاً - فلو عفي عنه رغم توافر الأدلة المقنعة على تجريمه "انكسر العدل"… ولو عدل القاضي وأنزل به العقاب بلا انتقاصٍ غُيِّبت الرحمة، فالرحمة يمكن تخفيفها بنسبٍ معينة، أما العدل فلا يقبل التجزئة... ويلاحظ أننا نحن كبشرٍ نذنب ونقصّر بحق الله، نلهج دائماً برحمة الله، أما عدله فيقلقنا ويرعبنا، والمذنب في المحاكم يتأمل في أسباب الرحمة، أما العدالة فترعبه.
  كيف التقت الرحمة والعدل في ذات الله دون أن تكون الواحدة على حساب الأخرى؟
رحمة الله كاملة غير مجزّأة وعدله كامل غير منقوص... فعندما أخطأ أبوانا آدم وحواء طردا من الجنة وحرما من دخولها ثانية حتى يستوفي العدل حقه… ويقول الوحي في سفر التكوين الإصحاح الثالث بعد طردهما: "وأقام الله لهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة"، أي لحراسة طريق الجنة من أن يعبرها الإنسان قبل أن يُستوفى حق العدل ويأتي من يمكن أن يدفع الثمن ويفي عدل الله حقه… ومن يومها لا آدم استطاع، ولا بنوه ولا ذريته، ولا الأنبياء الذين خرجوا من صلبه، والدليل هو أن الإنسان ما زال يعيش ويموت على تراب الأرض، في أرض المنفى خارج أبواب الجنة.
وجاء المسيح مولوداً من عذراء "مولوداً غير مخلوق". لم يأتِ من زرع بشر، فجاء طاهراً طهارة مطلقة لم يتمتع بها إنسان لأن آدم ليس أباه. فهو لم يرث منه طبيعة السقوط، وهذا أعطى المسيح الاستحقاق أن يتقدم الجموع البشرية بثقة إلى باب الجنة المحروس بلهيب السيف المتقلّب، فنزل سيف العدل على جسده وسحقه ونزف دمه، وهذا ما تم في معركة الصليب… وهناك دفع المسيح الثمن الغالي لإرواء عدل الله، وعاد السيف إلى غمده بعد أن ارتوى من دم المسيح وصار باب الجنة مفتوحاً من حينها لمن يبغي الدخول، ولكن برفقةِ الوسيط الذي دفع الثمن. وكان أول من أُعطي رخصة الدخول بعد معركة الصليب هو اللص التائب الذي صُلب مع المسيح، إذ قال له المسيح: "الحق أقول لك أنك اليوم تكون معي في الفردوس".
ففي الصليب الرحمة والعدل التقيا، وفيه صارت الرحمة والغفران للمؤمنين التائبين الراجعين إلى الله، وبالصليب العدل أخذ حقه وسيف العدل ارتوى من دمٍ غالٍ ثمين هو دم المسيح... فالصورة أصبحت واضحة أمام البشر كافة.
  في رأيك، ماذا تمثل عقيدة صلب المسيح في المسيحية؟ وهل يمكن أن نتخلى عنها؟
صليب المسيح يمثّل مركز الدائرة في عمق العقيدة المسيحية. فالمسيح جاء ليُصلب... ولو لم يُصلب قبل ألفي عام لما جاء، ولما وطأ بقدميه أرض العالم. ورسم الصليب اليوم أينما تراءى للناس في العالم يذكّر الداني والقاصي بهذه الحقيقة. قال أحدهم: المسيحية بلا صليب كسماء بلا شمس، بوصلة بلا إبرة، ساعة بلا عقارب، مصباح بلا زيت، موسيقى بلا ألحان، غيث بلا أمطار، أو ككتاب بلا حروف.
ولذلك نقول إن الصليب هو نقطة الإرتكاز في كامل عقائدنا المسيحية، إذ بالصليب خلاصنا من الخطية، وبالصليب نجاتنا من عذاب النار، وبالصليب نصرتنا على قوة الشيطان التي تحاول استمالتنا لعمل الإثم والإنحراف عن الله. الصليب حررنا من قوى الشر في نفوسنا، والصليب علّمنا كيف نسامح وكيف نرحم، وكيف نغفر لمن أساء إلينا، وبالصليب شقّ المسيح أمامنا الطريق إلى أبدية مشرقة مأمونة.
"الشيطان لا ترعبه الرماح المسنونة ولا تخيفه السيوف البارقة، ولكن أقصى ما يخشاه هو صليب المسيح.. لأن الصليب يحطّم القيود، ويكسّر الأغلال، ويحرّر أسرى الخطية، ويشفي القلوب الملوّثة بالخطية، ويصنع من الأشرار أبراراً، ومن العصاة مؤمنين، طائعين وقديسين." هذه هي الحقيقة!.. فهذا ما جاء المسيح لأجله، جاء المسيح ليموت موتاً فدائياً، ليخلّص ويشفي النفوس التي سباها الشيطان ولوّثها الإثم، ويصنع منهم شعباً مقدّساً لله... فحقيقة صلب المسيح في العقيدة المسيحية لا تقبل المساومة ولا يمكن التخلي عنها.
  ما هو مفعول الصليب في الجانب العملي في حياتك؟
المسيح بصليبه فداني، وغفر خطاياي، وعفا عني. وتشعر نفسي بهذا الامتياز في أعماقي. ثم بالصليب قوة مغيّرة غيّرت حياتي. والتغيير الذي أتحدّث عنه تغيير جذري لا يقدر عليه أحد.. لا طبيب نفساني، ولا عالم ديني لأنه انقلاب عجيب يصل إلى 180 درجة، وأنا سعيد بذلك إذ يتمتّع قلبي بسلام الله. وعندما أتذكّر الأيام الأولى التي فيها تعرّفت على المسيح، تدمع أحياناً عيناي ابتهاجاً بهذه الذكرى التي ما زلت أعيش حلاوتها خلال كل السنين الماضية.. فبالصليب تذوّقت فعلياً رحمة الله، إذ لولا تأثير مفعول الصليب في حياتي لكنت طائشاً مثل الكثيرين. كثيرون يلهجون برحمة الله وبغفران الله، ويعيشون في الخطية، ويتذرّعون بأعذار ومبررات يستمطرون بها مراحم الله بدون الصليب... وإن استمروا لن يستفيقوا على الحقيقة إلا عند أبواب الأبدية، وهناك سيرون المسيح الديان يصطف أمامه شعوب الأرض، ليقول لكل التائهين عن الحق: أكرمتكم بموتي على الصليب.. أفتديكم.. متّ أنا لتحيوا أنتم.. حملت خطاياكم على الصليب فاستحقّ عليّ القصاص بدلاً منكم.. نزل عليّ سيف عدالة السماء فأخذ حقه مني لتنجوا أنتم.. أنتم أخطأتم.. وأنا دفعت الثمن لأني أحببتكم... أسمعتكم صوتي بشتى الوسائل لترجعوا وتتوبوا وتؤمنوا.. أرسلت روحي ليهمس في قلوبكم ويوقظ ضمائركم.. الإذاعات لم تقصّر في توصيل النور إليكم.. وكذلك الإنترنت وشواهد الحياة من حولكم.. فأبيتم وتقسّيتم وجادلتم ورفضتم فاستحقّ عليكم حكم الدينونة.
  يتساءل البعض: كيف يفتخر المسيحيون بصلب المسيح رغم كونه أداة للقتل والتعذيب؟ ألا ترى هذا يتناقض مع العقل والمنطق؟
سجل بولس الرسول افتخاره بالصليب حين قال: "حاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح، الذي به قد صُلب العالم لي وأنا للعالم." يقصد أنه بصليب المسيح قد صُلب العالم بشهواته وإغراءاته، فلا استجابة لها عنده، وأنا أيضاً بصليب المسيح قد صُلبتُ عن شهوات الدنيا ودناياها، فعندما تناديني مغريات هذا الزمان - لا حياة لمن تنادي. فالمسيح بصليبه فك أسري وحررني من كل مغريات الدنيا، ولذلك أفتخر بصليبه، هذا ما عناه بولس رسول المسيح.
لا أبالغ لو قلت أن صليب المسيح هو فخر الكنيسة المسيحية منذ أن وُجدت وعبر كل عصورها! فكنيسة المسيح على تنوع فروعها ومسمّياتها، ومع امتداد التاريخ كله كان لها الصليب وما زال رمز فخرٍ واعتزاز وإجلال! قبل صلب المسيح، كان الصليب أداةً وحشية ومنفّرة.. ولكن عجباً كيف حوَّل المسيحُ أداة القتل والتعذيب إلى رمز حبٍ وعطاءٍ وفداء!.. فبعد صلبه، اعتلى الصليب بفخر قباب الكنائس ومناراتها وأخذ الملوك يزينون تيجانهم بعلامة الصليب باعتزاز. وفي العديد من دول العالم اليوم يتصدّر الصليب أبواب صيدلياتهم، وينادي المريض من بعيد: "تعال، لدينا الدواء لمشكلتك!" وهناك مجموعة لا بأس بها من أعلام الدول التي تعتز بحضارتها ورقيها ويوشحها الصليب.. ثم مع بدايات القرن العشرين برز "الصليب الأحمر" كمؤسسة إنسانية عالمية لا تحدها حدود، استمدت رسالتها الإنسانية من رسالة المسيح فرفعت شعار الصليب بلون دم المسيح كشعارٍٍ للرحمة بجرحى الحروب والأسرى والسجناء السياسيين والمضطهدين والمعذبين في الأرض. ومن هذا المبدأ انبثقت جمعيات أخرى تحمل شعارات متنوعة ولها نفس الرسالة، وهذا يعني أن نظرة العالم كله أخذت تدرك معنى رسالة الصليب وما يوحيه الصليب من خدمةٍ ورحمةٍ إنسانية للبشرية المعذبة... فلولا صليب المسيح ما كان لهذه المعاني من وجود.
  البعض لا يقبل بصلب المسيح احتراماً وتقديراً له، ويقولون أن الأنبياء معززون مكرمون لا نرضى لهم بالإهانة... فما هو تعليقك؟
إن مشاعر الودّ والتقدير هذه لا تلغي ما تعرّض له الأنبياء من اضطهادات، ومضايقاتٍ، وتهديد،ٍ وقتلٍ، وتعذيب!! فكم من نبي اعتُدِيَ عليه فعُذِّب أو قُتل أو سُمِّم؟ والتاريخ سجَّل الوقائع، والأجيال من بعدهم قبلت بالواقعة وصدّقتها، لماذا إذاً يُنصب الاعتراض حصراً على حادثة صلب المسيح بالذات؟
 البعض يقول أن بطرس كبير التلاميذ "الحواريين" رفض صلب المسيح. فعندما أخبرهم المسيح بأنه سيسلم لأيدي اليهود ويُصْلب، احتج بطرس وعاتب المسيح رافضاً فكرة الصليب
عندما نقرأ في الإنجيل في متى الأصحاح 16 "من ذلك الوقت ابتدأ يسوع يُظهر لتلاميذه أنه ينبغي أن يذهب إلى أورشليم ويتألم كثيراً من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة ويُقتل وفي اليوم الثالث يقوم. فأخذه بطرس إليه قائلاً حاشاك يا رب بأن يكون لك هذا... فالتفت المسيح وقال لبطرس: اذهب عني يا شيطان أنت معثرة لي، لأنك لا تهتم بما لله لكن بما للناس."
الشيطان همس في أذن بطرس وأوحى له بأن يعارض فكرة الصلب مثيراً فيه موقف المجتمع البشري الذي لا يقبل أن يهان سيدٌ كريم، لذلك قال لبطرس: أنت لا تهتم بما لله لكن بما للناس.
  قسيس عماري، في نهاية حوارنا دعني أسألك حول قول البعض أن المسيح لم يُصلب ولكن شُبِّه لهم... ما ردك؟
سجلات الدولة آنذاك دوّنت الواقعة، وأصحاب الدعوى المشتكون على المسيح من اليهود شهدوا بأن رغبتهم قد نُفِّذت، والمسيح صُلب أمام عيونهم. ثم جسد المسيح المصلوب بقي على الصليب يرشح دماً على تلة بجوار الطريق لساعات طوال وهذا أعطى فرصة للجموع المارة أن تراه وتتوقّف عنده وتتحقق من هوية المصلوب سيما وأن المسيح بشخصه كان معروفاً لدى الجماهير بسبب معجزاته. وتلاميذه راقبوا المشهد عن بعد وأيقنوا بما حدث. وكانت أمه مريم هناك أقرب ما يكون إلى الصليب ترقب ابنها وهو يتلوّى فوق الخشبة. والأم تعرف ابنها جيداً وصديقات لها كن معها يعرفنه. أضف إلى كل ذلك، فهناك يوسف الرامي الذي وهب قبره الخاص به ليدفن المسيح فيه؛ فهذا طلب من بيلاطس الحاكم أن يأخذ الجثة لدفنها واستُجيب طلبه. فأخذ الجسد وساعده كاهن يهودي كان قد آمن بالمسيح اسمه نيقوديموس، والاثنان معاً تعاونا على تكفين الجسد الذي بقي بين أيديهما لفترة كافية من الزمن وهما يعرفانه جيداً.
فأي قاضٍ عادلٍ يمكن أن يسقط شهادات كل هؤلاء ويأمر بملف القضية للحفظ بادعاء عدم توافر الأدلة والأدلة كثيرة كما أشرت إليك.
ومن جهة أخرى، لنفترض جدلاً أن المسيح لم يصلب فالسؤال حينها يكون: كيف انتهت حياته إذاً على الأرض؟ وهل يُعقل أن نعرف عن نهايات حياة جبابرة العالم وتبقى نهاية حياة هذا الجبار الأعظم مبهمة تتضارب حولها التكهنات! الإنجيل واضح حتى أنه سجّل الكلمات السبع الأخيرة التي فاه بها المسيح قبل أن لفظ النفس الأخير ومات.
المجموعة: 200908

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

146 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10476332