Voice of Preaching the Gospel

vopg

حزيران (يونيو) 2009

قد لا يعرف الكثيرون أنّ قصّة نوح كانت من أجمل القصص الكتابيّة وأعمقها وأقربها إلى قلب الواعظ المشهور مودي، وهو لم يكن يملّ على الإطلاق من ذكر تأثيرها عليه في الكثير من مواعظه وأحاديثه وكتاباته. وقد أَلِفَ مودي أن يفعل هذا لأنّ هذه القصّة أراحته وعزّته، وكانت بمثابة نقطة التحوّل في خدمته في لحظة من أدقّ وأحرج اللّحظات الّتي مرّت بها حياته كلّها. ففي وقت من الأوقات كان مودي كئيباً بسبب جدوب خدمته وعقمها وعدم إثمارها، وإذ زاره أحد الإخوة من معلّمي مدرسة الأحد، واستفسره عن سبب كآبته، وأدرك السبب، أشار عليه أن يعيد تأمّله في قصّة نوح؛ ذلك الرجل الّذي ظلّ يكرز دون ملل بين الناس 120 عاماً دون أن يكسب واحداً منهم ما خلا أهل بيته. وإذ قرأ مودي القصة هَالَهُ الفرق الكبير بين إيمان وصبر وشجاعة وكفاح نوح في عالم متمرّد أثيم، وبين إيمانه وجهاده هو. وفعلت القصة فعلها العجيب، وتزوّد منها بإدراك ووعي جديد للخدمة.


تعالوا معاً نتعرّف على هذا الرجل الّذي قرأ مودي قصّته مَن هو؟
 
1- إنه نوح البارّ
"كَانَ نُوحٌ رَجُلاً بَارًّا" (تكوين 9:6)، والبرّ معناه الموقف البريء أو الموقف السليم من الجهة القانونيّة، تجاه عدل الله وقداسته، والله شهد له: "لأَنِّي إِيَّاكَ رَأَيْتُ بَارًّا لَدَيَّ فِي هذَا الْجِيلِ" (تكوين 1:7)، ولكنّ كلمة الله  تعلّمنا أنه "لَيْسَ بَارٌّ وَلاَ وَاحِدٌ"، فكيف إذاً حصّل نوح هذا البرّ؟ الجواب نجده في كلمة الله "بِالإِيمَانِ نُوحٌ لَمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ عَنْ أُمُورٍ لَمْ تُرَ بَعْدُ خَافَ، فَبَنَى فُلْكاً لِخَلاَصِ بَيْتِهِ، فَبِهِ دَانَ الْعَالَمَ، وَصَارَ وَارِثاً لِلْبِرِّ الَّذِي حَسَبَ الإِيمَانِ" (عبرانيّين 7:11)، نعم، لقد آمن فحُسِب له برّاً.
والتبرير ليس غفراناً ولا صفحاً! فالمجرم يمكن أن يُعفَى عنه لكنّه يحمل جريمته معه خارج السجن ولا يقدر الحاكم أو القاضي أن يبرّره. غير أنّ الحالة تختلف مع التبرير لأنّ المبَرَّر يُعتَق من ذنبه لا لأنّه لا يذكر ذنبه، بل لأنّ شخصاً آخر تألّم ومات عنه وبذلك أكمل الناموس.
وكما دُعيَ نوح بارّاً هكذا نحن أيضاً لسنا أبرياء من الذنوب والخطايا، ولكنّنا نستطيع أن نتبرّر بفضل نعمة الرب يسوع المسيح. "فَبِالأَوْلَى كَثِيراً وَنَحْنُ مُتَبَرِّرُونَ الآنَ بِدَمِهِ نَخْلُصُ بِهِ مِنَ الْغَضَبِ" ( رومية 9:5)، ولكن كيف يتمّ ذلك؟ بالإيمان! إذ يقول الرسول بولس: "فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (رومية 1:5).
2- إنـّه نوح الكامل
"كَامِلاً فِي أَجْيَالِهِ" (تكوين 9:6)، والكامل هنا يعني التامّ غير الناقص في شيء، والكلمة كانت تُستَعمَل لوصف الذبيحة الّتي لا لوم فيها ولا عيب، وهذا يعني أنّ شخصيّته كانت متوازنة عقليّاً وعاطفيّاً، تُحَكّم العقل حيث يجب والعاطفة حيث يجب، ولكنّ كماله كان بشريّاً، وهو كمال نسبيّ وليس مطلقاً، لذلك نرى الوحي يقول: "فِي أَجْيَالِهِ".
فالصبيّ الّذي يجتاز الامتحان ويحصل على درجة مئة من مئة، هذا ليس معناه أنّه أصبح كمعلّمه أو أستاذه، وأنّه ليس بحاجة إلى علم آخر، بل معناه أنّه كامل في حدود المعلومات الّتي حصل عليها وفي حدود إمكانياته ومَلَكَاتِه، وكلّما اتّسعت هذه الحدود  طُوْلِبَ بالسعي للصعود على سلّم الكمال أكثر.
ونحن كمؤمنين، يطلب منّا الربّ يسوع أن نكون كاملين: "فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ" (متى 48:5). وبولس يقول: "لَيْسَ أَنِّي قَدْ نِلْتُ أَوْ صِرْتُ كَامِلاً، وَلَكِنِّي أَسْعَى لَعَلِّي أُدْرِكُ الَّذِي لأَجْلِهِ أَدْرَكَنِي أَيْضاً الْمَسِيحُ يَسُوعُ" (فيلبّي 12:3). فالحياة المسيحيّة تتطلّب منّا السعي وبذل كلّ جهد لإدراك الهدف الّذي رسمه أمامنا الربّ يسوع المسيح، ولكنّ هذا لا يعني أنّنا لا نخطئ ولكنّنا قد نزلّ في الطريق، وعندها نسرع لطلب الغفران، وهكذا نكون كاملين في نظره.
3- إنـّه نوح السائر
"وَسَارَ نُوحٌ مَعَ اللهِ" (تكوين 9:6). يقول عاموس: "هَلْ يَسِيرُ اثْنَانِ مَعًا إِنْ لَمْ يَتَوَاعَدَا؟" (عاموس 3:3)، وهذا يعني أنّ السير يتضمّن الرفقة والشركة والاتّفاق. ونوح كان قد تصالح مع الله وبالتالي صار شريكاً للطبيعة الإلهيّة، فعرف أنّ شركته ليست مع أهل العالم، أدرك أنّه لا توجد شركة بين النور والظلمة (2كورنثوس 14:6). لذلك فضّل أن يسير برفقة الربّ.
ويقدّم لنا الكتاب المقدَّس أمثلة كثيرة عن أناس ساروا مع الله وحصدوا البركات الوفيرة من هذا. فيوسف سار مع الله فحفظه الله، ودانيال سار مع الله ونجّاه الله، وأخنوخ سار مع الله وأخذه الله، والتاريخ المسيحيّ يخبرنا أنّه قيل للقدّيس أثناسيوس ذات يوم: [إنّ العالم ضدّك] فأجاب: [وأنا ضدّ العالم] واختار السير مع الله.
ونحن نعلم أنّ كلّ ما كُتِبَ كُتِبَ لأجل تعليمنا، نتعلّم من نوح السير مع الله، فنختار شركة إلهنا على شركة أهل العالم، ونسرع إلى دراسة كلمة الله ومعاشرة الإخوة المؤمنين وبالتالي نزداد شبهاً بربّنا يسوع.
4- إنـّه نوح الكارز
وهذا ما يقوله بطرس: "إِنَّمَا حَفِظَ نُوحاً ثَامِناً كَارِزاً لِلْبِرِّ"  (2بطرس 5:2)، وكلمة كرز بالشيء تعني نادى به أو بشّر به، ونستطيع القول إنّنا نعالج شخصيّة أوّل كارز في الكتاب المقدّس، بل لنقل أنّه أبو الوعّاظ والكارزين، ولكنّ بطرس يلفت النظر إلى أمر مهمّ أنّه كان يكرز بالبرّ، فهناك من يكرزون بغير ذلك ممّا يلطّف الرسالة ويجعلها مقبولة، لكنّ نوحاً لم يكن كذلك بل كان كارزاً بالبرّ.
لقد علّق ألكسندر هوايت على هذا الموضوع قائلاً: "إنّ سبب عدم نجاح نوح في خدمته أنّه كان يكرز بالبرّ، والبرّ هو الشيء الوحيد الّذي ينفر منه السامعون، فهم يرحّبون بأنواع أخرى من الوعظ (الجدليّ، الدفاعيّ، التاريخيّ، القصصيّ...) وقد يطلبونها، ولكنّهم يتّفقون في مقاومة ورفض الوعظ بالبرّ والتوبة".
قد نتعرّض كمؤمنين في وسط مجتمعاتنا ومع مرور الزمن وجدوب التربة وعدم رؤية حصاد قريب، إلى فكرة تحويل كرازتنا إلى أعمال إنسانيّة ونشاطات اجتماعيّة، وتقديم ما يسمّى بالإنجيل الاجتماعيّ، ولكن علينا أن نتعلّم من حياة نوح أن نكرز بالبرّ ولا شيء غير البرّ.  
هذا هو نوح، لم يُعجَب الكثيرون به، ولم يتراكض الكثيرون لسماعه، اتّهمه البعض بالجنون، ضحكوا عليه، وخدمته مرّت في صحراء قاحلة مجدبة، لكن كانت هناك ثوابت مهمّة ممنوع أن يتخلّى عنها، أن يسعى نحو الكمال، يعيش حياة البرّ، يسير برفقة الله، وأن يكرز بالحقّ وليس بما يشبه الحقّ، لأنّه كان يرى مَن لا يُرى، ويخدم الله الّذي في السماء. نعم، لقد كان واحداً مع الله ولكنّه كان الأغلبيّة.
قد يضع معلّم الدروس الخصوصيّة للطالب علامات عالية، لكنّها لا تنفع، لأنّ العلامات المعترَف بها والمأخوذ بها في النهاية هي علامات أستاذ المدرسة وليس أستاذ الدروس الخصوصيّة، وهكذا نوح كان يخدم الأستاذ الأصليّ الّذي بيده دفتر العلامات الحقيقيّ وليس المزيّف.
قد تمرّ خدمتك اليوم في صحراء قاحلة مجدبة...
ربّما لا يتراكض الكثيرون لسماعك...
وقد تخدم وتخدم والتجاوب قليل وربّما يكون معدوماً...
لكن دعونا نتعلّم من حياة نوح أنّ المهمّ هو إرضاء الله وليس إرضاء البشر، واعلم أنّ واحداً مع الله هو كان الأغلبيّة.

المجموعة: 200906

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

239 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10561294